هل مفهوم «الثورة» نشر الإرهاب؟!

د. سلوى خليل الأمين

من المؤسف طعن مفهوم الثورة، فالثورة هي القضاء على الجهل والظلم والقهر والمرض والأمية والاحتكار والفساد والمفسدين الذين يعيثون في الأرض مكارههم. لذا انطلقت مفاهيم الثورات عبر التاريخ القديم والحديث عبر خطوط بيانية هدفها التغيير والإصلاح، وانطلقت في أوروبا مبادئ الثورة الفرنسية بعد عهود ملكية جائرة واختصرت بعبارات «إخاء، حرية، مساواة». كذلك نزلت الشرائع السماوية وهي ثورة إلهية على الجهل والجاهلين وعبدة الأصنام والشياطين، حاملة الصراط المستقيم وعناوين محبة وتسامح وعدالة وهدي وعلم ومعرفة وأخلاق سوية حميدة، أضف إليها ما بزغ من أحزاب علمانية قومية في عالمنا العربي بعد عهود من الاستعمار المقيت الذي عمد إلى مصادرة حرية الشعوب وسيادة أوطانهم، ما دفع بثورة الأحزاب الوطنية والعسكرية إلى النشوء المثقل بمبادئ المدّ القومي العربي الحر، فأضاء سماء هذا الشرق بالمشاعر الوطنية التي أفضت إلى تطلعات الشعوب إلى التغيير، خاصة بعدما بزغت إيديولوجيات الأحزاب الوطنية والقومية مثل حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي وحركة القوميين العرب، وسارت مثل النار في الهشيم تغيّر المفاهيم العقيمة المتوارثة ومضامينها الجامدة، إضافة إلى مظاهر الرفض الذي بدأ يطوف بين الناس مُسقطاً الصراعات القبلية والعشائرية والدينية، بحيث أصبح شعار «الدين لله الوطن للجميع ولا إكراه في الدين» المد الحقيقي للتواصل الاجتماعي القابل للبناء والإنماء والتطوير، بعد عصور دهرية من الظلم والقهر والاستعباد والجفاف.

لكنّ المايسترو العالمي المدقّق في أحوال الدول والشعوب ومساراتها، ساءهت يقظة الشعوب ومطالبتها بالسيادة والحرية والاستقلال، فعمد إلى وضع الدراسات والخطط التي تفتّت الأوطان وتشرذم شعوبها، تحت شعار ثورة الإصلاحات والحرية والديمقراطية وبات مصطلحها في أذهان الناس منقذاً من الضلال، وصولاً إلى الهدى، وثبت ذلك بالدليل القاطع مسرىً ومجرىً خلال ما سُمّي بـ«ثورات الربيع العربي»، التي انطلقت حديثاً من تونس إلى مصر وليبيا فاليمن، وصولاً إلى سورية. هذا المخطط الممنهج لخلق حالة من الفوضى الخلاقة مضمونها العمل على تفتيت العالم العربي إلى شعوب وقبائل متناحرة، باسم الدين والمذهبية، أدى إلى خلق مجموعات إرهابية تكفيرية متطرفة استعملت الدين غطاءً لأعمالها الشريرة المبيتة، مدفوعة الثمن سلفاً، وقوامها تهجير مسيحيّي الشرق ونزع صفة المواطنة عنهم، إضافة إلى خلق حالة بلبلة جنونية بين شعوب المنطقة، وصولاً إلى تغيير نص القرآن الكريم، وتشريع «جهاد النكاح»، وكل ما نهى عنه الله في كتابه وسنّة رسوله، وما توارثته الأجيال من سلوكيات تأسّست على مكارم الأخلاق وعلى مفهوم الله رب العالمين جميعاً، وهو باعث الرسل جميعهم، وأنّ الحساب العسير له وحده، حيث «لا إكراه في الدين، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، والله غفور رحيم».

لذا كان توصيف مفهوم الثورة مغلوطاً ومنقلّباً على عقبيه في زمن انتفاضات ما سُمّي بـ«الربيع العربي»، إذ كيف يجوز للثوار لأجل استرداد الحقوق أن يتعدّوا على حقوق الناس وأن يجبروهم على تغيير عقيدتهم الدينية، وأن يعملوا على ترحيلهم من ديارهم وفرض الجزية عليهم كأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، متجاهلين قول الرسول عن أهل الكتاب، إنهم في ذمّته المقدسة، أي في حماه المحصّن من كلٍّ معتد غاشم وعقيم.

بعد هذه الأفعال السيّئة والهمجية كلّها، وما نشهده من خزعبلات شريرة على مساحة العالم العربي، من العراق إلى سورية ولبنان ومصر وغيرها، نرى أنّ الطغيان والاستبداد وديكتاتورية القرارات هي لغة العصر المحمولة على الرايات الأميركية الصنع، التي ترفع جهاراً على جبين قادة «إسرائيل» الذين اغتصبوا أرضها وهجّروا ناسها وقتلوا أطفالها وسبوا نساءها وسجنوا شبانها ونوابها واحتكروا حالة الهجوم المنظم على أرض غزة التي ما زالت تقاوم وتقاوم على رغم ألوف الشهداء والجرحى والتدمير المنظّم.

إنّها «الثورة» المنظمة والمنطلقة من دوائر القرار الصهيوني الأميركي تحت شعارات طائفية ومذهبية، آخرها ما اتحفتنا به وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، عندما اعترفت بأنّ دولتها هي مَن نظم «داعش» ومَن أطلقها، والغاية إقامة حالة إسلامية متطرفة جديدة تخرّب مضامين الإسلام وتخبط خبط عشواء بالذبح والقتل وتقطيع الرؤوس وتهجير الناس من بيوتهم، خاصة المسيحيين منهم واليزديين، وهذا أمر مباح ومبرّر لضمان أمن «إسرائيل» اللعينة التي ساهمت مساهمات فاعلة في تدمير سورية من خلال المشاركة الفعلية في تدريب العصابات الإرهابية وتسليحها وفتح قنوات مرورية لها للوصول إلى الأرض السورية، وآخرها بلدة عرسال التي ذاقت الأمرّين من النزوح السوري المكثف إليها، وهذا النزوح ضمّ من الخلايا النائمة ما لم يكن في حساب السلطات اللبنانية، علماً أن وزير دفاعها السابق فايز غصن نبّه إلى أهمية التيقّظ لوجود «القاعدة» و«داعش»، أي للإرهاب في لبنان، خاصة في عرسال، ولم يلتفت أحد إلى ما حذر منه، ربما من انعدام مسؤولية أو من تجاهل مقصود هدفه إضعاف قدرة الجيش اللبناني على الصمود والتصدي، نكاية بحزب الله الذي أخذ على عاتقه حماية لبنان من هذا الشرّ الشيطاني المدسوس الذي لم يستوعب أبعاده أولئك المستنفرون والمدفوعون عمداً إلى الهجوم الدائم على حزب الله وسلاحه المقاوم لـ»إسرائيل».

لذا لا بدّ من التأكيد على أهمية دور الجيش اللبناني في تثبيت الأمن في لبنان، وصون أسس الجمهورية، فالوطن يجب أن يبقى فوق الجميع، في حين اتضحت المعطيات السيّئة في حق الجميع، وأمسى الوفاق والتعاضد وتسليح الجيش الكلمة الفصل والموقف الصحّ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى