عاد سعد… فهل سيغيب سعد لبنان؟
جمال العفلق
طالما كرّر السيد سعد الحريري أنّ عودته إلى بيروت ستكون عبر مطار دمشق الدولي، وطالما رفض التنازل عن مطالبه و«السما زرقا»، لكن السماء بقيت زرقاء ولم تسجل أي ظاهرة غير طبيعية بتغيّر لونها والمطار الذي عاد منه لم يكن مطار دمشق بل كان مطار بيروت.
الحريري الذي كان مقيماً بين فرنسا والسعودية، في الأولى كان يناضل من خلال ممارسة رياضة التزلج على الثلج في جبال الألب الفرنسية حيث تعرّض لكسر في الساق، وللصدفة يتواجد في سجون بلد الثورة الفرنسية المناضل اللبناني جورج إبراهيم عبدالله الذي كان يجب أن يُطلق سراحه منذ عام 1999، ولكن بطلب من «إسرائيل» لا يزال الرجل معتقلاً هناك، ولا أعتقد أنّ الحريري يعرف عنه شيئاً. أما عن إقامته في السعودية فكلّ ما وصل من نضاله إلى الإعلام صورة التقطها أثناء ممارسة رياضة ركوب الدراجة الهوائية مع بعض الأشخاص.
عاد سعد بطلب أو بدفع من السعودية، فأساس خروجه من لبنان كان بحجة الخوف على حياته. فهل انتهى سبب الخوف أم أنّ قصة الخوف على حياته أصلاً كانت سيناريو من أجل خلق صورة حول الرجل أنه مستهدف؟
لا أحد يعرف، وإن كنت أعتقد أنّ مسرحية تهديد حياة سعد الحريري كان فيها شيء من المبالغة.
إن عودة الحريري اليوم وبعد افتعال أحداث عرسال التي يعلم الجميع أن لتيار المستقبل دوراً ما فيها ولو من بعيد وحاول من هم محسوبون على تيار المستقبل و14 آذار تحميل الجيش وحزب الله المسؤولية على رغم وضوح الصورة واكتمال المشهد أنّ العمل هو لمتطرّفين حاولوا بطلب من جهات إقليمية قد تكون السعودية واحدة من تلك الجهات لخلط الأوراق من جديد.
فتمّ تحضير عودة الرجل وتصويره وكأنه يملك عصا سحرية، وسبق وصوله خطابه الذي ذكر فيه الفوج «المجولق» وهو ما دفع بقائد الجيش إلى البحث في سجلات الجيش عن هذا الفوج وإذا ما كان شكّل في زمن ما ومن دون علم منه! وذكر المغاوير… وثالث نسيَ اسمه.
ولكن الرجل عاد في النهاية، بورقة رئيس الحكومة التي ستلعب السعودية بها ربطاً بأحداث عرسال، فإما القبول به أو يُعاد تحريك الملف الأمني في عرسال. وعلى رغم ما حلّ بلبنان النأي عن النفس، أو لبنان الضدّ كما أحبّ أن أسمّيه من اختراقات أمنية، وان التطرف العامل في سورية سيرتدّ على المنطقة عموماً وعلى لبنان خصوصاً، إلا أنّ الحريري ومن معه يصرّون على تحميل حزب الله المسؤولية عن أحداث عرسال متخذين من الخطاب المذهبي «الفارغ» ركيزة لهم.
ولن تجد السعودية أفضل من سعد الحريري لكبح الحلم اللبناني في استخراج ثروات البحر من النفط والغاز فهذا الملف طالما عطلته المملكة أو هكذا نقل عن بعض السياسيين المطلعين عليه، فتعطيل ملف استخراج الثروات الطبيعية يصب بمصالح الدول النفطية و«إسرائيل» التي بدأت باستثمار تلك الحقول من على شاطئ فلسطين المحتلة.
فهل غاب سعد لبنان على حساب سعد الحريري؟
إن فشل الرجل في ملف التحقيق الذي كان يجب أن يكشف المتهم الحقيقي بقتل والده وليس المتهم الذي قررته كل من أميركا وفرنسا والسعودية و«إسرائيل»، وفشل الرجل في إدارة ثروة والده، كما أنه بالتعاون مع السنيورة حرم لبنان من ضريبة التركة وكان الأوجب عليه أن يكون مثالاً للشعب الذي يمثله في دفع كل ما يجب لمالية الحكومة التي يقاتل من أجل ترأسها.
ويبقى السؤال الأهم ألا يستحق لبنان الخروج من معادلة التجاذبات الإقليمية والدولية بعد عقود طويلة من الحرب والتقسيمات الطائفية التي لا يدفع ثمنها إلا المواطن البسيط الذي ينتظر فرصة للهجرة؟