سعد: الانتخابات أظهرت تراجع شعبية الحريري وأسقطت مقولة استحالة تطبيق النسبية في ظلّ السلاح
حاورته روزانا رمّال تحرير محمد حميّة
أكد رئيس مركز بيروت للأبحاث والمعلومات عبدو سعد أنّ «الإنتخابات البلدية حملت بعض التغييرات في أحجام القوى السياسية، وخصوصاً لدى تيار المستقبل حيث أظهرت تراجعاً ملحوظاً في شعبيته في عدة مناطق، حيث خاض جولتين باسمه فقط الأولى في بيروت والثانية في صيدا لكن لم يستطع خوض الإنتخابات في باقي البلدات والقرى بلوائح تحت عنوان المستقبل بل كان يدعمها من تحت الطاولة».
وأوضح سعد أنّ «الأرقام تثبت أنه لو جرى تحالف بين القوى المعارضة للمستقبل سياسياً في بيروت لحصدوا 24 مقعداً مقابل لا شيء للتيار، لذلك فوز المستقبل كان بطعم الهزيمة»، لافتاً الى أنّ «الانتخابات الحالية أظهرت تراجع شعبية المستقبل وثبتت متانة التحالف الشيعي أمل – حزب الله الذي حقق الفوز في كلّ البلديات التي خاض فيها معارك انتخابية، رغم بعض الخروقات في بعض البلدات، وبالتالي تعدّد القوى التي خاضت الانتخابات في البقاع والجنوب أسقطت مقولة البعض بأنه لا يمكن تطبيق النسبية في الانتخابات النيابية في ظلّ سلاح حزب الله وتبيّن أنه مجرد شعار ترفعه بعض الطبقة السياسية».
وبيّن سعد أنه «لم تجر معارك انتخابية سياسية في لبنان سوى في ثلاث مناطق، في بيروت وعرسال وصيدا، حيث خاضت بعض القوى المعارك ضدّ طبقة سياسية تعتبرها الناس فاسدة أملاً بالتغيير»، واعتبر المعركة في عرسال بأنها بنتائجها أهمّ معركة سياسية في لبنان، وقال: «لأنها كانت محتلة من قبل المجموعات المسلحة ورئيس بلديتها شكل حاضنة لهذه المجموعات وجاء أهل عرسال الى صناديق الإقتراع بهدف تغيير السلطة القائمة أشبه بثورة، وللقول بأنّ عرسال ليست بيئة حاضنة للتكفيريين بل هي مدينة لبنانية وعادت إلى أهلها وجوارها وبيئتها، حيث قال 81 في المئة من العراسلة لا للبلدية القائمة».
أما في الشمال فرأى سعد أنّ الرئيس الحريري لن يخوض معركة طرابلس باسم المستقبل كما خاض الانتخابات السابقة. «التحالف العريض المكوّن للائحة «لطرابلس»، الذي التحق به المستقبل، لا يمكن لأحد مواجهته، وأظهرت الاستطلاعات التي أجريت في بداية العام الجاري حول الانتخابات النيابية أنّ هذا التحالف يهزم تيار المستقبل إذا خاضها ضدّه»، مضيفاً أنّ «هذه الانتخابات ستظهر حجم المتشدّدين في طرابلس الذين سيصوّتون الى لائحة «قرار طرابلس» الخيار الوحيد أمامهم» الى جانب بعض أنصار المستقبل.
وتطرّق سعد الى قانون الانتخاب، حيث أعرب عن اعتقاده بأنّ «حزب الله سيصرّ على النسبية، وإذا لم يقرّ سيرضى مكرهاً بأيّ قانون آخر، ولن يصوّت على أيّ قانون إلا النسبي، وفي كلّ الأحوال لن يعطل حزب الله الانتخابات، حتى لو أجريت على أساس الستين»، ودعا القوى التي تتباكى على الفراغ في الرئاسة «أن تذهب الى المجلس النيابي وتؤمّن أغلبية الثلثين وتعدّل الدستور ليصبح انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب وحينها تحلّ الأزمة، لكنه استبعد أن تمنح القوى السياسية الحالية الشعب أيّ قانون انتخاب جديد يمثل تطلعاته، داعياً الشعب الى الاعتصام أمام المؤسسات ومنازل الذين يرفضون القانون النسبي».
وفي ما يلي نص الحوار كاملاً
من خلال نتائج الإنتخابات البلدية على صعيد لبنان، هل لاحظتم تغييراً جذرياً في أحجام وأوزان القوى السياسية بعد خمس سنوات من الحرب على سورية وانطلاق ما يسمّى الربيع العربي، أم أنّ المراوحة شعبياً وسياسياً هي السائدة؟
لا شك أنّ هذه الانتخابات حملت بعض التغييرات في أحجام القوى السياسية، وخصوصاً لدى تيار المستقبل، حيث أظهرت هذه الانتخابات تراجعاً ملحوظاً في شعبيته وتجلى ذلك في عدة مناطق، في بيروت مثلاً عام 2010 خاض المستقبل انتخابات بلدية وكانت المشاركة 19 في المئة وحصل على نحو 70 في المئة من أصوات المقترعين في مقابل حصوله على نحو 43 في المئة في انتخابات 2016، وهذا تراجع واضح، كما لم يستطع المستقبل خوض الانتخابات في باقي البلدات والقرى بلوائح تحت عنوان «المستقبل» بل كان يدعم من تحت الطاولة، هو خاض جولتين باسمه الأولى في بيروت والثانية في صيدا، وفي المدينتين لا يستطيع المستقبل أن لا يشكل لائحة ويكون على رأسها ويعلن ذلك، لأنه لو لم يفعل ذلك لتسبّب بمشكلة كبيرة، لأنّ صيدا مسقط رأس الرئيس الراحل رفيق الحريري وبيروت العاصمة السياسية للبنان، لذلك شكل ائتلافاً عريضاً يضمّ كلّ المكونات السياسية الموجودة على الساحة البيروتية من حركة أمل والجماعة الاسلامية وتيار المهندس فؤاد مخزومي والتيار الوطني الحر والكتائب و«القوات» و«الطاشناق» ليضمن الفوز والأرقام تثبت أنه لو جرى تحالف بين هذه القوى المعارضة للمستقبل لحصدت 24 مقعداً مقابل لا شيء للمستقبل، لذلك فوز تيار المستقبل كان بطعم الهزيمة.
هل فعلاً شكلت هذه الانتخابات مساحة ديمقراطية للمواطن؟
لا، في لبنان لنا حق التصويت وليس حق الانتخاب بسبب قانون الانتخاب المتخلّف الذي يزوّر إرادة الناخبين ولا مثيل له في العالم المتحضّر، هناك نظامان انتخابيان في العالم النسبي والأكثري مع متفرّعاته، في الأكثري صوت واحد وفي النسبية دائرة واحدة كما تطالب القوى التي تريد التغيير هو القانون الأمثل، من يعارض النسبية لا يريد مصلحة لبنان واللبنانيين ولا يريد بناء دولة، لذلك الذهاب إلى صندوق الإقتراع لا يعني ممارسة ديمقراطية لأنّ تجلياتها غير موجودة في لبنان.
الانتخابات الحالية أظهرت تراجع شعبية المستقبل، وثبتت متانة التحالف الشيعي أمل – حزب الله الذي حقق الفوز في كلّ البلديات رغم بعض الخروقات في بعض البلديات التي خاض فيها معارك إنتخابية في البقاع الأوسط والغربي والشمالي وفي الجنوب والنبطية، وبالتالي تعدّد القوى التي خاضت الانتخابات في البقاع والجنوب أسقطت مقولة البعض بأنه لا يمكن تطبيق النسبية في الإنتخابات النيابية في ظلّ سلاح حزب الله، وتبيّن أنه مجرد شعار ترفعه بعض الطبقة السياسية، بل العكس هو الصحيح أنّ استعمال السلاح في القانون الأكثري أجدى لأنّ إرغام أيّ قوة سياسية عدداً من الأصوات يمكّنها من الفوز، أما في النسبية فتحتاج الى إرغام 15 ألف صوت للحصول على مقعد واحد ولا يمكن للسلاح أن يرغم هذا العدد ويحصد المقعد، في بعلبك حصلت معركة انتخابية وكان عدد المرشحين هائل وشكلت لوائح ضدّ تحالف حزب الله وأمل ولم يتعرّض لها أحد، وكذلك في بريتال لم يلجأ حزب الله الى السلاح أو أيّ من أدوات الضغط على المرشحين أو المقترعين.
لا مشروع لدى «المستقبل»
السلاح الذي تتحدّث عنه ربما يقلق أهل بيروت أكثر، هل سبب تراجع المستقبل في بيروت وانخفاض نسبة المشاركة هو عدم وجود معركة حقيقية وحشد مذهبي وعدم مشاركة حزب الله؟
المشكلة لدى تيار المستقبل هي غياب القضية السياسية التي تحاكي طموحات وتطلعات الشعب اللبناني وحتى أهل السنة، لم تجر معارك انتخابية سياسية في لبنان ولم تجر سوى في ثلاث مناطق، في بيروت وعرسال وفي صيدا، لا مشروع تغييرياً لدى المستقبل بل هناك طبقة سياسية تعتبرها الناس فاسدة وخاضت ضدّها معارك انتخابية سياسية، أعضاء لائحة «بيروت مدينتي» والوزير شربل نحاس لا ينتمون إلى أحزاب، وأطلقوا شعارات تغييرية، ما دفع القسم الأكبر من الناخبين للتصويت ضدّ القائمين على السلطة في بيروت، هناك فرق بين المعارك الحزبية والمعارك السياسية، في معظم المناطق كانت معركة عصبية حزبية او عائلية وليست سياسية، الجمهور تعب من التحريض الطائفي والمذهبي الذي أعقب جريمة اغتيال الحريري وعمل المحكمة الدولية والاغتيالات السياسية، ولذلك تراجعت نسبة المشاركة في بيروت وصيدا فضلاً عن غياب الإغراءات المالية.
عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان هذه المرة لم تكن مستفزة بل اتسمت بالاعتدال في مقابل خطاب تحريضي ضدّ حزب الله من بعض كوادر أو حلفاء المستقبل كحالة وزير العدل أشرف ريفي، لماذا لا يريد المستقبل استفزاز الشارع؟
ـ قبل أن يأتي الحريري الى لبنان كان يعرف أنّ شعبية المستقبل تتراجع، لذلك أجرى تفاهمات مع كلّ القوى السنية في لبنان باستثناء رئيس التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد، كي لا يخوض الحريري معارك لعدم قدرته على دفع المال، الحريري لم يخض معارك سوى في صيدا وبيروت، وحتى طرابس لن يخوض معركة فيها، وفي كلّ البلدات السنية التي حصلت فيها معارك لم يتصدّر المستقبل لوائح رسمية بل دعمها سراً، وفي الشمال صحيح هناك أكثرية سنية ساحقة لكن المستقبل لن يخوض معركة بإسمه كما خاض الانتخابات السابقة.
إذا كان المستقبل يخشى خوض انتخابات في طرابلس هل هذا مؤشر على توسع قاعدة المتطرفين؟
في المقارنة بين الـ2010 والـ2016 في صيدا كانت النتائج أقلّ سوءاً على المستقبل من بيروت، في صيدا نال المستقبل 60 في المئة من أصوات المقترعين وكانت نسبة الإقتراع 57 في المئة في ال2010 أما الآن 44 في المئة، مقابل تقدم للتنظيم الناصري نسبة 11 في المئة، حيث حصل في 2010 على 22 في المئة والآن 33 في المئة، وهذا يشكل انتصارا للتنظيم الناصري، في صيدا كانت معركة سياسية لوجود مشروع سياسي لإسقاط السلطة المتواجدة المحلية والسياسية في المدينة، أما عرسال هي أهمّ معركة سياسية في لبنان بنتائجها السياسية، لانّ هذه المدينة كانت محتلة من قبل المجموعات التكفيرية ورئيس بلديتها شكل حاضنة لهذه المجموعات التي عاثت فساداً وقتلاً وكلّ سلطته كانت في خدمتها، وجاء أهل عرسال الى صناديق الإقتراع بهدف تغيير السلطة القائمة والقول بأنّ عرسال ليست بيئة حاضنة للتكفيريين بل هي مدينة لبنانية وعادت إلى أهلها وجوارها وبيئتها، 81 في المئة من العراسلة قالوا لا للبلدية القائمة.
تأثير انتخابات عرسال…
هل ستؤثر هذه النتائج على المعركة القائمة في عرسال في ردع المسلحين؟
بالتأكيد سيؤثر ذلك، لأنّ البلدية السابقة كانت حاضنة رسمية لهم، ورئيسها السابق علي الحجيري صادر بحقه مذكرات توقيف وكان يمرّ على الحوجز الأمنية دون ايّ اعتراض، واستقبله الحريري في بيت الوسط ثم عاد الى عرسال.
تتغنى وزارة الداخلية بإجراء الانتخابات من الناحية الامنية ولا تتحدث عن نزاهة الانتخابات في ظلّ مشاهد الرشاوى في بيروت؟
في الأصل لا يجوز لوزارة الداخلية أن تتدخل في الانتخابات، بل يجب أن يكون هناك هيئة مشرفة تدير الإنتخابات البلدية، وهذا ما يحصل في الدول المتحضّرة، وعلى رغم ذلك فإنّ أداء الداخلية جيد بتوفير الأمن، وليس من صلاحية الداخلية ضبط المخالفات بل هذا عمل القضاء، ولا تستطيع الحدّ من استعمال الرشاوى الانتخابية إلا بتغيير قانون الانتخاب وحينها لا جدوى للمال، النسبية دائرة واحدة يبطل فعالية المال، أما القانون المختلط سيّئ جداً وله مفاعيل القانون الأكثري.
انتخاب الرئيس من الشعب…
هل هناك إمكانية لتطبيق القانون النسبي وهل سيصبح مطلباً ويتمسك به حزب الله كما تمسك بمرشحه للرئاسة رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، وبالتالي ذلك سيؤدّي الى معضلة في قانون الانتخاب كما حصل في الرئاسة؟
– أتمنى أن لا تجرى الإنتخابات النيابية إلا بعد إقرار النسبية، لا صلة بين انتخابات الرئاسة والنيابية، حزب الله يصرّ على النسبية وإذا لم يقرّ سيرضى مكرهاً بأي قانون آخر، ولن يصوّت على أيّ قانون إلا النسبي، لكن هناك أكثرية في المجلس لا تريد النسبية وستقرّ قانوناً آخر لن يصوّت عليه الحزب، إما العودة الى قانون الـ60، وفي كلّ الاحوال لن يعطل حزب الله الانتخابات. القوى التي تتباكى على الفراغ في الرئاسة عليها أن تذهب الى المجلس النيابي وتؤمّن أغلبية الثلثين وتعدّل الدستور ليصبح انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب وحينها تحلّ الأزمة، لكن القوى السياسية الحالية لن تمنح الشعب أي قانون انتخاب جديد يمثل تطلعاته ولا غير ذلك بل على الشعب أن يتحرك ويعتصم أمام المؤسسات ومنازل الذين لا يريدون القانون النسبي.
هل شكلت القوى الشبابية خطراً على القوى السياسية ما دفعها الى تشكيل التحالفات التي جرت في الانتخابات الحالية وهل سيتكرّر ذلك في الانتخابات النيابية كالتحالف الرباعي للتخلص من هذه الظاهرة؟
القوى المدنية ساهمت بإجهاض نفسها، بعض المجموعات الشابية رفعت شعارات عالية وحاولت أن تستأثر بالحراك، العمل الشبابي يحتاج الى تراكم والى وقت.
ما هي توقعاتك لانتخابات الشمال لناحية شعبية المستقبل وحضور التطرف والتكتلات الأخرى مثل ريفي والنائب السابق مصباح الأحدب والرئيس نجيب ميقاتي وآل كرامي؟
هناك تحالف عريض لا يمكن لأحد مواجهته، لائحة «لطرابلس» تتشكل من تيار العزم وآل كرامي والوزير السابق محمد الصفدي والجماعة الاسلامية والأحباش، والمستقبل الذي التحق بهم أخيراً، ولديها كتلة ناخبة تشكل أكثر من نصف عدد الناخبين أيّ أكثر من 20 الف صوت وأظهرت الاستطلاعات التي أجريت في بداية العام الجاري حول الانتخابات النيابية أنّ هذا التحالف يهزم تيار المستقبل إذا خاضها ضدّه، والآن المستقبل جزء منه ولكن هناك جزءاً من الطرابلسيين سيصوّتون للائحة المدعومة من ريفي «قرار طرابلس»، وستظهر هذه الانتخابات حجم المتشدّدين في طرابلس وليس بالضرورة أنّ كلّ الأصوات التي ستنالها اللائحة المدعومة من ريفي هم متشددون من بينهم أنصار ريفي ومؤيدين له من المستقبل، لكن كلّ المتشدّدين سيصوّتون للائحة «قرار طرابلس» لأن لا خيار لهم غير ذلك.