جوقة الفرح تغنّي للوطن والإنسان
لمناسبة إطلاق كتاب يروي مسيرة 39 سنة منذ تأسيسها، أقامت جوقة الفرح أمسية غنائية على مسرح دار الأوبرا في دمشق وسط حضور رسميّ وفنّي وحشد من عائلات المغنّين في الجوقة وذويهم.
ووزّعت الجوقة على الحاضرين خلال الأمسية الكتاب الذي وضعه الأب إلياس زحلاوي بعنوان «جوقة الفرح من دمشق إلى العالم»، والذي يروي فيه حكاية تأسيس هذه الجوقة عام 1977 بعدد ضئيل من الأطفال وانطلاقتها من إطار الكنيسة لتقيم حفلاتها على مختلف البقاع السورية، وتنطلق منها لتجوب العالم حاملة معها رسالة سورية في المحبة والسلام.
وألقت الدكتورة بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية كلمة أكبرت فيها ما قدّمه الياس زحلاوي لبلده ووطنه عبر جوقة الفرح، كواحد من رجالات سورية الكبار. وقالت إن سورية التي تنجب أبناءً أمثال الأب الياس زحلاوي عصيّة على الانكسار. ذلك لأن سورية، ورغم الاستهداف المركّز على حضارتها وقيمها وشعبها، تنتج الفرح وتحمله رسالة إلى كلّ أنحاء العالم.
وأضافت شعبان إن الأب زحلاوي قامة سورية استثنائية تؤمن بقانون المحبة والعطاء وزرع البسمة على شفاه الإنسان أيّا كان. أولى اهتماماً خاصاً للطفولة. وعكس إيمانه وروحه على هذه الجوقة فكانت مدرسة لاكتشاف مواهب الأطفال وطاقاتهم الهائلة كعناصر قادرة وفاعلة في مجتمعها.
وتابعت: إن الأب زحلاوي لامس موضوع الطفولة بأسلوب مدروس يشكّل فيه فريق العمل أساس مشروعه والعلاقات التي نسجت بين الأطفال أصبحت قاعدة صلبة لأدائهم وفرحهم ولإبداعهم، حيث الإيمان والإرادة كانا الحصن المنيع الذي يمنع هذه القلعة من الاهتزاز.
وزادت أنّ إيمان الأب زحلاوي برسالته مكّنه من أن يقود فرقته خارج سورية إلى عدد من القارات ليساهم في إغناء هوية سورية التي عشقها بشخصه وعطائه وأن يكون مصدر فخر لهذه البلاد التي يفخر هو بها ويعتزّ بها، مقدّماً مثلاً في العمل الصالح والمواطَنة الحقة والانتماء العميق والإخاء النموذج والمحبة. خاتمةً كلمتها بأن سورية تحتاج إلى أمثال الأب زحلاوي في وطن يناشدنا أن نزرع الفرح والمحبة على كل ذرة من ترابه ردّاً سورياً على آلات القتل والفتك.
واعتبر الأب زحلاوي خلال كلمته أن تأسيس الجوقة كان دعوة للشباب السوري إلى أن يحمل رسالة وطنه بدلاً من حصر تفكيره بالسفر، وأن يستثمر ما فيه من طاقات ويتحدّى الظروف. موضحاً أن فكرة تكوين الجوقة بدأت تراوده منذ حضر حفلاً غنائياً لجوقة فرنسية في دمشق عام 1962 حيث تساءل حينذاك فيما إذا كان أطفالنا لديهم مواهب توازي أو تفوق ما لدى هؤلاء.
وقال زحلاوي إنه بدأ بتشكيل الجوقة أثناء رسامته ككاهن في كنيسة سيدة دمشق عبر اختبار أصوات مدرسة راهبات المحبة الخاصة، لتنمو الجوقة باضطراد بعدما منح الأطفال المنتسبين إليها الثقة والإيمان بقدراتهم. موضحاً أنه تواصل مع الفنان الكبير الراحل وديع الصافي في تلحين نصوص عربية بطريقة شرقية واستجاب الراحل وزوّد الجوقة بعدد من أجمل الأغاني حتى قبيل وفاته.
وأشار الأب ذو 64 سنة إلى أنّ الجوقة في جولاتها كلّها خارج سورية كانت تسترعي انتباه الجمهور بأغانيها وترانيمها البيزنطية والشرقية. مؤكداً أن الفرنسيين تساءلوا خلال جولة جوقة الفرح الأخيرة في فرنسا قبل شهرين عن الكيفية التي تمكّن عبرها هؤلاء الأطفال من تجاوز آثار الحرب على بلادهم والغناء بمحبة، فأجابهم زحلاوي بأنكم ترسلون القتلة إلى بلادنا لكننا سنبقى مؤمنين متحابّين وسنغنّي دوماً رسالتنا في الحبّ والإيمان.
ولفت الدكتور حبيب سليمان أحد أعضاء جوقة الفرح القدماء إلى أن الجوقة تحوّلت بعد سنوات قليلة من تأسيسها على يد الأب زحلاوي إلى تجمّع موسيقي ضمّ أطفالاً ويافعين تلقوا عبرها دروساً في الرياضة والغناء والموسيقى، وباتت كعائلة كبيرة تشدّ أواصر أُسَر المنتسبين إليها.
في حين تحدّث أحمد الخطيب من أصدقاء الجوقة قائلاً إنّ الجهود التي بذلها زحلاوي على مدى عشرات السنين أثمرت عن ظهور وطن صغير يختصر سورية ويحمل اسم جوقة الفرح، والتي لم تقتصر في نشاطها على الترتيل الديني، بل تعدّته إلى الغناء بمختلف القوالب الموسيقية وبصورة طوعية من دون أي مقابل.
واعتبر الإعلامي غسان الشامي خلال كلمته أن عراقة دمشق عبر التاريخ انعكست جليّة في جوقة الفرح والتي أثبتت مجدّداً أن هذه المدينة تحمل في أزقّتها وأوابدها معنى المحبّة والتسامح والاستمرارية ورفض الظلم.
وتخلل إلقاء الكلمات وصلات غنائية للمغنين في جوقة الفرح حسب الفئات العمرية من الطفولة مروراً باليفاعة والشباب والكهولة، وبإشراف كل من كلوديا توما نخلة وكارول نزر ورجاء الأمير شلبي وحبيب سليمان، حيث قدّموا أغاني «الوردة الجورية» و«في صباح الألف الثالث» و«اشتقنا كتير يا حبايب» و«يا بلادنا» و«أتهلل يوم تناديني»، مثبتين خلالها قدراتهم الصوتية وانسجامهم الواضح في الأصوات الذكورية والأنثوية وحُسن توزيعها وإبراز قدرة المجاميع الصوتية في تقديم أغانٍ فردية. وقُدّم خلال الحفل فيلمان قصيران تضمّن الأول صوَراً من ذاكرة جوقة الفرح وتدريباتها ومسيرتها الفنية والحفلات التي أحيتها في سورية ومختلف دول العالم، والتي كان آخرها على مسرح تدمر الأثري بعد استعادتها من الإرهابيين. فيما احتوى الفيلم الثاني شهادات لمغتربين سوريين كانوا في طفولتهم أعضاء في جوقة الفرح، رووا خلالها تأثرهم بالعمل فيها وعلاقتهم بالأب زحلاوي.
وقدّم أعضاء الفرقة والذين استمروا معها منذ تأسيسها درعاً تكريمية للأب زحلاوي على ما بذله من جهود لتطوير الفرقة ونشر رسالتها في سورية والعالم طوال هذه العقود، ليختم أعضاء جوقة الفرح بمختلف أعمارهم الحفل بأغنية «مهما تجرّح بلدنا» ثم بأداء النشيد العربي السوري.
حضر الحفل وزير التنمية الإدارية الدكتور حسان النوري.