بين الرقة والفلوجة: استراتيجية الهجوم الأميركي
عامر نعيم الياس
تعمل الإدارة الأميركية في حربها ضدّ الإرهاب الجديد ممثّلاً بـ«داعش» على جبهتين مختلفتين وبأدوات مختلفة. فلا رابط عسكرياً يحاول التغطية على الفصل السياسيّ القائم بين سورية والعراق لجهة تعاطي الإدارة الأميركية مع الملفّين، حيث يبدو جلياً الافتراق في ما يخصّ جدّية الحرب على «داعش» بين الميدانين السوري والعراقي.
الفلوجة والرقة:
يدرك الأميركيون قبل غيرهم أنّ القضاء على تنظيم إرهابيّ مدرج على قرارات الأمم المتّحدة كتنظيم «داعش» يتطلب أولاً وقبل كلّ شيء قطع طرق إمداد هذا التنظيم وقواعده الخلفية التي تعتبر، إضافةً إلى بعدها الحيوي كشريان إمداد، خزاناً استراتيجياً وبشرياً للتنظيم. وهذا ما يبدو واضحاً ومطبّقاً بشكل جيّد في العراق. فنحن اليوم أمام معركة الفلوجة قبل الدخول في معركة تحرير الموصل، إحدى «عاصمتَي داعش». وهنا يبدو أن المُخطّط الأميركي للمعركة في العراق يضع في الحسبان إضعاف «داعش» وضرب أحد أهم روافده البشرية في العراق، وتأمين العاصمة العراقية بغداد قبل الشروع في معركة الموصل الفاصلة، والتي تبدو مؤجّلةً إلى ما بعد انتهاء ولاية إدارة أوباما، أو أقلّه، لا رهانات على انتهائها قبل نهاية ولاية الرئيس الأميركي الحالي.
في سورية يختلف الوضع عن العراق. فواشنطن لا تريد أن تريح أحداً من أقطاب اللعبة في الداخل السوري، سواء من الحلفاء أو من الأعداء. كما أنّها لا تريد الخروج بقرار واضح يتعلّق بتحديد الأدوار في الميدان السوري وتقاسم المسؤوليات مع موسكو أو مع أنقرة حتى. حيث يحضر الفيتو التركي على توجّه قوات سورية الديمقراطية إلى الرقة، واكتفاء هذه الأخيرة بالتوجّه نحو ريف المحافظة الشمالي. والهدف المعلن من العملية حتى اللحظة هو «تأمين الشدادي في الحسكة وتل أبيض في الرقة وعفرين في محافظة حلب»، من دون خرق الخطوط الحمراء التركية بشكلٍ ملموس.
بدأ الهجوم على الرقة إنما من دون تبنٍّ رسميّ واضح أن الهدف هو عاصمة المحافظة الشرقية. وبغضّ النظر عن هذا الأمر الذي ينقسم حوله المراقبون حالياً، والذي يحاول أوباما أن يمرّره قبل نهاية ولايته الرئاسية. إلا أن طريقة التعاطي الأميركي في الميدان السوري تهدف أولاً إلى عدم مسّ جذور التمدّد الإرهابي في البلاد، وترك الحروب تولّد نفسها بنفسها. وإلا لكان من الأجدى تطبيق استراتيجية الهجوم الأخير في العراق على سورية. بمعنى العمل على قطع طرق إمداد «داعش» في ريف حلب، والتعاون مع الروس لبدء معركة دير الزور، ثمّ الهجوم على الرقة التي تعدّ معركتها الأقل تعقيداً نظراً إلى طبيعة المدينة المنبسطة في وسط البادية، والتي لا يمكن لأحد الدفاع عنها في ظل قطع طرق الإمداد وضرب الخزان البشري والحيوي لـ«داعش» في ريف حلب الشرقي وفي محافظة دير الزور.
ماذا عن التنسيق مع موسكو؟
منذ بدء العملية الأميركية الداعمة لـ«قوات سورية الديمقراطية» في الرقة وزيارة قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط جوزف فوتيل إلى عين العرب في سورية، كان من الواضح أن واشنطن لا تريد في سورية التنسيق مع موسكو إلا في إطار احتواء الأخيرة في شمال البلاد وفي شرقها حيث تقع «سورية المفيدة». هذا ما جرى في حلب، وما جرى في تدمر، وما يجري اليوم في الرقة. فمقابل نداءات وزيرَي الدفاع والخارجية الروسيين «للتنسيق» مع واشنطن في الرقة، نرى رفضاً أميركياً واضحاً لهذا الطرح، مردّه إلى وجود توجّه لدى قوات التحالف لتكريس فكرة تقسيم البلاد إلى مناطق عمل ميدانيّ مستقل تمهيداً لما هو سياسي في مرحلة لاحقة، فضلاً عن أمر آخر وهو الحفاظ على مناطق نفوذ «داعش» وقواعده الخلفية التي ستدافع عنه بشكل أكثر قوة في حال تم تقديم دير الزور إلى موسكو ودمشق مقابل غضّ الطرف عن الرقة ومعركتها.
واشنطن ليست في وارد تقديم اتفاقات رسمية ملزمة للإدارة الأميركية القادمة مع موسكو. وسير العمليات العسكرة الأميركية في الرقة وحجم مقاومة «داعش» لتقدّم «قوات سورية الديمقراطية» ربما يقدّمان صورة واضحة عن أولويات القوى المختلفة بما فيها تنظيم «داعش».
كاتب ومترجم سوري