تقرير
نشرت «إيكونومست» تقريراً جاء فيه: بالنسبة إلى البلدان الغربية التي ترى في ترويج حقوق الإنسان والحرية الدينية على وجه الخصوص جزءاً من سياستها الخارجية تمثل الجمهوريات السوفياتية سابقاً في آسيا الوسطى مأزقاً دبلوماسياً تاماً. فمن جهة نجد أن كل الأنظمة الاستبدادية التي لها نفوذ على تلك البلدان مذنبة بالاضطهاد الديني. ومن جهة أخرى منحت الحرب في أفغانستان تلك البلدان أهمية استراتيجية ضخمة عندما جعلتها نقاط تمركز للقوات الدولية التي تقاتل طالبان. كما أصبحت «الستانات» حلبات للتنافس الجيوسياسي بين روسيا والغرب: فلماذا، كما قد يسأل البعض، يجب علينا تقييد أنفسنا عبر جلب حقوق الإنسان إلى داخل الميزان عندما لا تريد روسيا ذلك بالتأكيد؟
كل ذلك يشكل جزءاً من الخلفية لبعض الإعلانات الأخيرة للوكالات الأميركية المكلفة برصد الحرية الدينية. وفي الشهر الماضي قالت وزارة الخارجية الأميركية إنها بصدد إضافة طاجكستان إلى قائمة المنتهكين الفظيعين للحرية الدينية. فالقمع في ذلك البلد أخذ التواءة جديدة منذ السنة الماضية عندما حظر حزب النهضة الإسلامية في طاجكستان، واعتقل وأساء معاملة مئات الناشطين بمن فيهم ساسة مرموقون وعلماء ممن يعارضون فرض قيود على إطلاق اللحى وتأدية فريضة الحج وحضور الأطفال الصلوات في المساجد. وتعني خطوة الوزارة أن ثلاثة من البلدان العشرة التي عرفت بالقمع بشكل خاص تقع في آسيا الوسطى.
وتجدر الإشارة إلى أن تركمانستان كانت أضيفت في العام 2014 بينما ما تزال أوزباكستان مدرجة على القائمة منذ عقد. ويستحق كلا هذين البلدان بشكل بارز الماركة في ضوء الطريقة التي يقمعان من خلالها الجميع ما عدا الطرق الدينية المقرة رسمياً بما في ذلك مجموعات تعتبر سلمية على نحو ثابت. ومما يشار إليه أن ثمة 12000 مسلم قد يكونون راهناً سجناء في أوزباكستان بسبب اعتقاداتهم الدينية.
لكن، وفي الوقت نفسه الذي أدرجت فيه طاجكستان، حدّدت وزارة الخارجية الأميركية أن الجمهوريات الثلاث من آسيا الوسطى والمدرجات في القائمة، ستستثنى من فرض عقوبات عليها بموجب تشريع الحرية الدينية الأميركي.
إلى ذلك، تستطيع الإدارة منح هذا التنازل استناداً إلى دواعي الأمن القومي. ولقد جلب كل هذا ردّ فعل سريعاً من لجنة الولايات المتحدة حول الحريات الدينية الدولية، الجسم الاستشاري الذي يخضع لهيمنة الكونغرس والإدارة. وعندما نشرت تقريرها السنوي عن الاضطهاد الديني قبل أيام قليلة حثت اللجنة الأميركية الإدارة على استخدام «صندوق الآليات» بالكامل في إشارة للعقوبات ضدّ الدول المنتهكة في آسيا الوسطى. وبشكل خاص اقترحت اللجنة وجوب أن تسعى أميركا للتوصل إلى اتفاقية مع أوزبكستان على برنامج من شأنه إخراجها من قائمة الدول المقلقة بشكل خاص، وإن لم تتبع خطواتها فإن التنازل عن العقوبات يجب أن ترفع.
وفي عزّ ضوء النهار تبدو الإدارة الأميركية غير مرجحة لمصادرة جوائز جيوسياسية من أجل مثلها المتعلقة بالحرية الدينية. وفي وقت متأخر من السنة الماضية، عندما جال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في المنطقة وعقد اجتماعات رفيعة المستوى مع نظرائه في آسيا الوسطى كان التشديد على الشراكات الاقتصادية والأمنية كلية مع أنّ المسؤولين الأميركيين أصرّوا على أن المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان أثيرت خلف أبواب مغلقة .
لكن حتى بالنسبة إلى الساسة والدبلوماسيين الأكثر عناداً، ثمة عامل جديد دخل إلى الحساب: القبول المحتمل لـ«داعش» وغيره من «القوى الجهادية» عند المواطنين المسلمين في آسيا الوسطى. وقد يفاقم القمع الديني الخشن تلك المشكلة لأنه يمنح المصداقية لادّعاء «داعش» بأن المسلمين لا يتمتعون بالحرّية في ممارسة دينهم. وكان لهذه الدعاية بعض الصدى رغم أنّ نبرته وفعاليته تتفاوت من بلد لبلد، وفق بعض البحوث الكاشفة التي قام بها نوح تكر، المحلل لآسيا الوسطى والمدير العام لموقع ريجيستان نت، خدمة إخبارية.
وتجدر الإشارة إلى أن نحو 500 من مواطني أوزبكستان قد ذهبوا للقتال في العراق أو سورية، غالباً في صفوف مجموعات جهادية غير «داعش» مثل «جبهة النصرة». وكمفارقة، استطاع «داعش» تجنيد مئات الناس من طاجكستان حيث وجودهم على الخطوط الأمامية والحقيقة التي تقول إن بعضهم قد قتل معروف تماماً جداً في الوطن. يضاف إلى ذلك أن مواطنين من كازاخستان ظهروا في
دعاية «داعش» على رغم أنّ الهدف لم يكن لتجنيد بني جلدتهم، كما تم عرض صور لنساء وأطفال كازاخيين في أشرطة فيديو لـ«داعش» لإثبات أن الحركة متعدّدة الإثنيات ومتعدّدة الأجيال.
وممارسةً للقمع كما هي أظهرت حكومة أوزباكستان بصيص تفهم للفكرة التي تقول إن لجم الدين في هذه الأوقات يمكن أن يفضي لنتائج معاكسة. وفي السنة الماضية أفرجت عن شخصية إسلامية تحظى بالشعبية، هايلارو حميدوف بعد أن كان قد أمضى في السجن خمس سنوات من أصل حكم مدّته ستّ سنوات. ومع مزجه بين تغطية الأخبار الرياضية وبين التعاليم الإسلامية الخفيفة يعتبر السيد حميدوف ربما أفضل في فضاء حماية الناس العاديين بعيداً عن «داعش» من أيّ متخصّص حكومي أخرق في اللف والدوران.
لعله رهان نزيه يشير إلى أن الدبلوماسيين الأميركيين يتأملون هذه النقطة أيضاً. وفي المستقبل عندما يحاضر الزائرون من واشنطن أمام نظرائهم من آسيا الوسطى في حقوق الإنسان لن يكونوا بحاجة إلى الاعتماد على الطروحات المجردة حول استحقاقات الديمقراطية والرأي الحرّ. وفي عصر «داعش» ثمة طرح براغماتي بتطرّف لمنح الحرية الدينية، وحرمان الإرهابيين من مكسب دعائيّ سهل.