لماذا يتجاهل الأميركيون طلب الروس التنسيق في معركة الرقة؟
شارل أبي نادر
بالرغم من الطلب الروسي الواضح من الولايات المتحدة الأميركية ولأكثر من مرة، إلى درجة كاد يبدو الأمر وكأنه إلحاح، وذلك لتنسيق التحركات العسكرية الجوية والميدانية بين جيشيهما لدعم قوات سورية الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردي في معركتهما ضدّ «داعش» في شمال شرق سورية بشكل عام وفي معركة استعادة الرقة بشكل خاص، لا يزال الأميركيون يتجاهلون جدية هذه الطلبات الروسية ويردّون على ذلك بأجوبة لا تخرج عن ديبلوماسيتهم المعهودة في الغموض وفي عدم الوضوح وفي الردّ بطريقة مبهمة.
في المبدأ… لا تخرج الطلبات الروسية خارج سياق الاستراتيجية الأميركية مبدئياً في محاربة الإرهاب، فالهدف المطلوب تنسيق الجهود لمحاربته هو التنظيم الإرهابي «داعش»، والذي تقود الولايات المتحدة الأميركية تحالفاً دولياً واسعاً لمحاربته، وهي تستنفر إمكاناتها الديبلوماسية والعسكرية في العالم وفي الشرق خاصة لذلك، كما أنّ الذين مطلوب دعمهم من خلال طلب التنسيق الروسي هم الاكراد وحلفاؤهم في الشمال والشمال الشرقي السوري، والذين يجمعهم أيضاً مع الأميركيين هدف محاربة «داعش» ومعارضتهم لنظام الرئيس الأسد، فلماذا تتجاهل الولايات المتحدة الأميركية الطلب الروسي؟
ينظر الأميركيون دائماً بعين الخوف والخشية من تعاظم النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة على المياه الدافئة في عمق المحيط الملتهب ما بين العراق وسورية وتركيا، وكانت استراتيجيتهم تقضي دائماً بالعمل على إبعاد أيّ تقارب روسي مع دول أو مع مجموعات فاعلة في هذا المحيط، فهم في الأساس الأميركيون يخوضون حرباً باردة مع روسيا من خلال سباق تسلّح نووي استراتيجي، ومن خلال سباق على السيطرة وعلى الحصول على مناطق استراتيجية في أمكنة يحاول كلّ منهما اختيارها على مقربة من منطقة نفوذ الآخر، بحيث تؤمّن له موقعاً يعطيه نقاطاً لصالحه في هذا السباق. ونتكلم هنا عن السباق المحموم على أوكرانيا وعلى جزيرة القرم، وعن الاعتراض الروسي العنيف على تركيز الأميركيين منظومات صواريخهم المتطورة على سواحل دول أوروبا الشرقية على البحر الأسود في رومانيا ومحاولاتهم لتركيز منظومات أخرى في كلّ من بلغاريا ومولدوفيا.
في هذا الإطار، وحول التنافس المحموم في الحرب الباردة، فقد انزعجت الولايات المتحدة الأميركية أيضاً بعد النقلة الروسية الخارقة لبوتين في سورية، وحصوله من خلال تحالفه التاريخي الدائم مع الدولة القوية في سورية، ومن خلال تحالفه الحالي معها في محاربة الإرهاب، على نقطة استراتيجية مهمة في قلب منطقة الشرق الأوسط الملتهب وعلى الحدود الحيوية براً وبحراً وجواً مع الوسط القوي لنفوذ حلف شمال الأطلسي على شواطئ تركيا ما بين بحري المتوسط والأسود.
أيضاً، من الطبيعي أن لا ترتاح الولايات المتحدة الأميركية من محاولة الدخول الروسي بطريقة ذكية وناعمة ومن خلال استغلال الحاجة الدولية لمحاربة «داعش» في سورية، في تحالف يجمع الروس مع الأكراد، حيث رأت في أنّ ذلك سوف يعطيهم نفوذاً قوياً مع هذه القوى الكردية وحلفائها يضاف إلى نفوذهم وتحالفهم القوي والثابت مع الدولة الشرعية السورية، فيكون بذلك قد فاز بوتين بأكثر من نقطة إيجابية تقوّي استراتيجيته البعيدة المدى في الحرب الباردة ضدّ الولايات المتحدة الأميركية، من خلال التقارب مع الوحدات الكردية على اختلاف مشاربها، والتي أصبحت سيطرتها واضحة وشبه ثابتة في الشمال والشمال الشرقي السوري، هذه السيطرة التي ستبعد تركيا وستلغي تلقائياً تأثيرها على الداخل السوري، وسوف تعطي الروس على الأقلّ مساحة غير معادية إنْ لم تكن صديقة بالكامل، تربطها وتجمعها مع نفوذها الثابت مبدئياً في النقطة الأكثر استراتيجية بين سورية وتركيا والمتوسط.
إنها الاستراتيجية الأميركية البعيدة المدى، التي تجعلهم يتجاهلون الطلب الروسي بتنسيق الجهود الميدانية والعسكرية في إكمال الضغط على داعش في معقله الحيوي في سورية، تقابلها الاستراتيجية الروسية البعيدة المدى أيضاً في إلحاحهم وإصرارهم للحصول على موافقة الأميركيين على هذا التنسيق، فهل ستستطيع الولايات المتحدة الأميركية الثبات على موقفها في تجاهل طلب روسيا، خصوصاً أن الأخيرة من اللاعبين المحترفين في لعبة الشطرنج، واستراتيجيتها في ذلك دائماً كانت تقوم على إظهار نقلة معينة تظهر للخصم أنها جدية ومثالية، ولكنها تهدف من ورائها للتأسيس لنقلة أخرى بحيث تكون الأخيرة هي المقصودة، وماذا لو كانت النقلة الروسية الخفية هي دعم الجيش العربي السوري وحلفائه بفعالية لتنفيذ عمل عسكري واسع من خلال هجوم مفاجئ على داعش في دير الزور اعتباراً من تدمر، بالتوازي مع هجوم مفاجئ آخر على الرقة اعتباراً من شرق حلب عبر دير حافر ومطار الطبقة العسكري، بحيث يأتي هذا العمل العسكري المزدوج مترافقاً أو سابقاً لهجوم الأكراد على الرقة؟
عميد متقاعد