هل يُعاد إنتاج الأزمة السياسية بمكوّناتها!
هتاف دهام
لا نضوج إقليمياً يؤمّن الديمومة وقدرة الإنضاج لصفقة سياسية في الداخل اللبناني أو إحداث الاختراق المطلوب. أتى ردّ الرئيس سعد الحريري على كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر شكلياً. أراد من خلاله رئيس تيار المستقبل المعنيّ الأول بتلقف المبادرة أن يناكف بالسياسة. لم يأخذ الأمور إلى بحث جدي في أعماق الأزمة ومحاولة الوصول إلى مشتركات في الأشهر المقبلة.
شرعت دول المنطقة في صياغة أو تعديل دساتيرها وأنظمتها. فكيف للنظام السياسي الحالي في لبنان أن يعيد إنتاج نفسه من جديد بعد تمديدين غير دستوريين؟ شكل قانون الانتخاب أهمّ مضمون سياسي داخلي لكلمة الأمين العام لحزب الله. تحدث السيد نصرالله عن القانون الانتخابي للمرة الرابعة في إطلالاته الأخيرة. ركز على النسبية الكاملة كعامل ينقل الحياة السياسية من ضفة إلى ضفة، ويسمح بتمثيل الجميع ويلغي دولة الطوائف القائمة حتى لو خسرت كتلة الوفاء للمقاومة نائباً أو نائبين، أو خسر حلفاؤه عدداً من النواب. تُوسِّع النسبية أطر التحالفات وتُخرجها من البعد الطائفي والمذهبي إلى البعد الوطني. قانون الانتخاب هو المرتكز الحقيقي للعبور إلى الدولة أو إنتاج السلطة على أسس صحيحة. والربط بحتمية إجراء الانتخابات وضرورة إقرار قانون انتخابي على أساس النسبية يرسم معالم ومعادلات المرحلة المقبلة سياسياً.
لا مشكلة عند حزب الله، كما قال السيد، بحصول «النيابية» قبل «الرئاسية» أو العكس. لا يقدم عنوان انتخاب رئيس للجمهورية الحلول لأزمة البلد. الأزمة هي أزمة حكم وأزمة كيان وليست أزمة سلطة أو انتخاب رئيس. بالتالي فإنّ المعالجة الحقيقية مدخلها الطبيعي اعتماد النسبية كأساس في مقاربة أيّ قانون انتخابي. وهذا قطع لدابر ما فهم من مواقف مسؤولي حزب الله في المرحلة الماضية بشكل خاطئ، وكأنّ هذا الحزب يقبل أن تُجرى انتخابات 2017 وفق قانون الستين.
رفع السيد نصرالله السقف سياسياً إلى الحدّ الأقصى في هذا المضمار. تحدث عن حتمية الانتخابات النيابية إذا انتهت مدة المجلس الحالي نحن مع إجراء الانتخابات النيابية بأيّ شكل لأن لا مجال لتمديد جديد . أكدت الانتخابات البلدية أن لا مانع من إجراء «البرلمانية». تملك الدولة القدرة على إدارة استحقاق كهذا. ومكوناتها السياسية شاركت في الانتخابات البلدية والاختيارية.
أعاد كلام السيد القضية الأساسية إلى نطاقها الصحيح خارج محاولات خلق وقائع وسرقة اللحظة السياسية، وخارج منطق التهويش القائل بأنّ العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية باتا خارج المعادلة الرئاسية، وأنّ قانون الستين لا يزال نافذاً لتجرى الانتخابات على أساسه، وأنّ عشاء السفير السعودي أظهر حزب الله وكأنه معزول عن الواقع السياسي اللبناني.
لكن ماذا لو تقاطع كلام «النبي شيت» مع مبادرة عين التينة، فهل نذهب إلى دوحة جديدة توضع على طاولتها عناوين قانون الانتخاب، الرئاسة، الحكومة، الثلث الضامن وغيرها من المضامين السياسية ونعود إلى مفهوم السلة؟
يدرك الجميع أن لا قانون انتخاب بمعزل عن تنازلات وعناوين أخرى، لكن الأكيد أيضاً أنّ حزب الله لن يغطي اللعبة الداخلية التي تقول على «الستين يا بطيخ» لتعيد إنتاج هذا المجلس الموجود من دون أيّ تغيير، ويبقى «بيك المختارة» بيضة القبان، ويُعاد إنتاج الأزمة السياسية بمكوناتها.
فهل يولد قانون انتخابي يعطي رئيس التيار الأزرق والنائب وليد جنبلاط حجميهما الحقيقيّين؟ إنّ التعثّر الحاصل في المفاوضات الجارية حول قانون جديد للانتخابات لا يخدم إلا التوجّه الحريري والجنبلاطي. في هذا الصدد، هدّد النائب عن اللقاء الديمقراطي مروان حمادة أمس، بتفجير جلسات اللجان المشتركة. توعّد بانسحاب التقدمي الاشتراكي من النقاش لو جرى المسّ بصيغة انتخاب 68 نائباً على أساس الأكثري و60 نائباً على أساس النسبي، أو بعدم الأخذ بما تريده المختارة في تقسيمات الجبل. قرّر حمادة بطريقة غير مباشرة إنهاء النقاش مطالباً بتأجيل الاجتماعات إلى ما بعد جلسة الحوار الوطني في 21 حزيران كي تتحدّد وجهة الحلّ، فبري ينتظر أجوبة على مبادرته.
لكن ماذا لو وصلت «مبادرة الأستاذ» إلى طريق مسدود؟
أثارت المبادرة جدلاً واسعاً. تؤكد تعليقات المتحاورين أن لا تحوّل نوعي في المواقف الآخذة بعين الاعتبار حسابات الربح والخسارة. ستبقى الأمور تراوح مكانها. ما حصل داخل جدران القاعة العامة أمس، مجرد تكرار لنقاش دار في اجتماعات لجنة التواصل حول الاقتراحين المختلطين، اقتراح الرئيس بري القائم على انتخاب 64 نائباً على أساس النسبي، و 64 نائباً على أساس الأكثري، والاقتراح الثلاثي القائم على انتخاب 68 نائباً على أساس الأكثري و60 نائباً على أساس النسبي. لم يتعدّ البحث الملاحظات العامة مع الدخول في بعض النقاشات التفصيلية. تمثلت نقطة الخلاف الأساسية في كلام النائبين أحمد فتفت وجورج عدوان. ما فرّقته الرئاسة الأولى شكلياً، يجمعه القانون الانتخابي. أكد نائبا المستقبل والقوات أنّ قانون الانتخاب هو قانون سياسي في كلّ العالم، خصوصاً في لبنان. يسعى «الأزرق» و«الزيتي» إلى تجاوز المعايير الواحدة التي تحكم النقاش. القانون وفق النائب علي فياض يجب أن يراعي صحة التمثيل وعدالته. يبدي حزب الله استعداده لمراعاة المطالب الحيوية للطوائف. يوافق على أنّ القانون ذو بعد سياسي، لكنه يرفض مقولة إنّ القانون سياسي. ورغم كلّ ما يحصل يمضي في النقاش كي لا يُساء فهمه، وجدّد فياض تمسك كتلته بنظام انتخابي نسبي يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة أو اعتماد المحافظات التاريخية دوائر انتخابية. لكنه انطلاقاً من توجهات حزب الله فهو أبدى ويبدي الاستعداد لنقاش المختلط كي تستكشف فرص التوافق حوله، لكنه لا يتبناه. وطالب إذا كان هناك من نيات جيدة أن تتمّ الموافقة على صيغة 64/64 وعلى توحيد توزيع النسب بين نسبي وأكثري بين الطائفتين السنية والشيعية لأنه لا يجوز أن تكون هناك فروق، لأنّ الفروق القائمة في المشروع الثلاثي تمسّ بحقوق الطائفة الشيعية.
أكدت جلسة التباينات أمس، أنّ التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية يختلفان على شكل القانون الانتخابي وتقسيماته. أيد رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان فياض في طرحه وطالب أصحاب الصيغتين المختلطتين بشرح مشروعه، وأكد النائب ألان عون أنّ الحلّ الوحيد للوصول إلى قانون الانتخاب هو الاتفاق على معايير موحدة.
وإذا كان النائب علي عمار خرج من الجلسة، معتبراً أنّ النقاش لا يراعي أصول النظام الداخلي في نقاش جدول الأعمال الذي يجب أن يبدأ بنقاش الموضوعات حسب تواردها الزمني، فإنّ مشروع الحكومة القائم على نظام انتخابي نسبي يعتمد 13 دائرة، وضع جانباً لأنّ حزب الله وحلفاءه لا يريدان لهذا المشروع أن يسقط.