مكتبة «البناء»

صدر حديثاً عن «مؤسّسة الدراسات الفلسطينية» كتاب «السياسة الإسرائيلية تجاه الأغوار وآفاقها. القضية الفلسطينية: آفاق المستقبل 7». من تأليف أحمد حنيطي.

وتتناول هذه الدراسة سياسة «إسرائيل» في منطقة الأغوار التي تمارس فيها سياسة الضمّ بالأمر الواقع، فتقيم عليها المستوطنات وتستفيد من مواردها المائية لسدّ حاجتها، وتنشئ على أرضها الخصبة المَزارع والمصانع الخاصة بتصنيع الإنتاج الزراعي وإعداده للتصدير. لذلك تدرج «إسرائيل» منطقة الأغوار في صلب استراتيجيتها الاستعمارية، الأمنية والاستيطانية، باعتبارها جزءاً من المنطقة «ج» التي تخضع، بحسب «اتفاق أوسلو»، لسلطات الاحتلال الكاملة، وتعتبرها بوابة الدفاع عن «حدودها الشرقية».

المؤلف أحمد حنيطي حائز درجة ماجستير في علم الاجتماع من جامعة بيرزيت، مهتمّ بدراسة المسائل الاجتماعية والثقافية للتجمّعات الزراعية والبدوية الفلسطينية، خصوصاً في المنطقة «ج». ويقع الكتاب في 141 صفحة.

«أهل السُرى»

صدر للروائي إبراهيم الكوني حديثاً كتاب جديد بعنوان «أهل السُرى» عن «دار سؤال» اللبنانية، يؤسّس فيه رؤيته الفكرية والوجودية لظاهرة أهل السُّرى أو تلك الملّة من البشر المسكونة دوماً بالترحال والتنقل في أقطار الأرض الواسعة وفي رحاب النفس الشاسعة بحثاً عن الحقيقة. إذ يشمل الكتاب رؤى فكرية ومقاربات نظرية وتأملات وجودية تستجلي البواعث النفسية والروحية العميقة التي تجعل فئة قليلة من الناس مسكونة بالترحال الأبدي بين الأمكنة والأزمنة ومحكوم عليها بالاغتراب الدائم ثمناً للبحث عن الحقيقة.

وقد جاء كتاب «أهل السُرى» في حوالى 320 صفحة توزّع بين 26 موضوعاً جاءت على شكل دراسات نظرية ومقالات فكرية وتأملات وجودية وحوارات مع المؤلف. إلا أن الرابط بينها هو الحفر المعرفي الاستقصائي العميق لظاهرة السُرى والترحال باعتبارها ظاهرة وجودية في المقام الأول، يمكن في ضوئها مقاربة فهم تاريخ العالم كانقسام بين مسارَين واضحين منفصلين عن بعضهما ومتصارعين في آن. وهما مسار أمة الرحيل الموصوفين بأهل السُرى والمسكونين دوماً بالقلق والتوتر الخلّاق الذي يشدّهم باتجاه الأفق البعيد، ونحو البعد المفقود وأمة الاستقرار والمقام المتشبثين بالأمكنة والملكية والسلطة والسيطرة، حيث يوضح الكُوني كيف يخلق مسلك السُرى والترحال قيمه وثقافته القائمة على الزهد والتأمل والتخلي حيث لا يملك الإنسان ذلك العالم الروحي في البعد المفقود ما لم يزهد ويتخلى عن التعلق بالموجود. بينما يخلق الاستقرار والثبات في مكان بعينه قيم الملكية والسلطة والعبودية ونسيان سؤال الكينونة.

يقول الكُوني في افتتاح كتابه «أهل السُرى»: كل إنسان في هذا الوجود هوية مزدوجة: كيان مركّب منقسمٌ بالفطرة، يحمل في صلبه بذاراً تشدّه إلى أرضٍ هي بالطبع أمّ وبذاراً أخرى تحثّه على الانطلاق، وشدّ الرحال إلى الأمام، نحو البُعد المفقود المحتجب خلف الآفاق، توقاً لارتياد الحرية. انقسام هو ترجمة تراجيدية لمِحنة. مِحنة مبرمة بناموس صفقة. صفقة بين جسد يهفو للركون إلى حضيض المكان، وروح تتطلّع إلى الأفق، وتأبى إلّا أن تطلب الأب تلبيةً لنداء السماء، تلبيةً لنداء الحرّية.

وتشكّل أطروحات الكُوني في كتابه الجديد «أهل السُرى» مدخلاً نظرياً هاماً لفهم عوالمه الروائية. إذ إن بؤرة الصراع والتجاذب المركزي في الكثير من رواياته تتولد عن ذلك التنازع الضاري أحياناً بين الانشداد للمكوث في الواحات الصحراوية حيث الاطمئنان للملكية والذهب والسلطة وبين تلبية النداء البعيد والخفي، نداء الواجب الروحي، الذي يحث مريديه للتخلي عن المقام في المكان والانطلاق في فيافي الصحراء المقفرة رغم قساوة الطبيعة وخطر الهلاك بالظمأ والضياع بحثاً عن واو المفقودة أو الجنة الضائعة التي تتخايل أسطورة وحلم في أذهان مريديها لتتكشف في النهاية أحياناً أن الجنة المفقودة لا وجود لها إلا في العالم الداخلي للإنسان ما يجعل أدب إبراهيم الكوني وإن تمظهر أنه أدب عوالمه الصحراء الكبرى إلا أنه في عمقه أدب وجودي محوره كينونة الإنسان والصحراء ما هي إلا مسرح لأحداث رواياته ورمز ربما للبعد الوجودي المفقود.

ومثلما رسم الروائي إبراهيم الكُوني في عوالمه الروائية أبعاد البحث عن كينونة الإنسان وآفاقه من خلال أحداث وحكايات سردية وأفكار وتوجهات إنسانية تجسدها شخصياته الروائية يؤسس الكُوني في كتابه الجديد «أهل السُرى» الأفكار البدئية التي يمكن انطلاقاً منها مقاربة وفهم الآفاق والأبعاد الوجودية والروحية التي تنشدها رواياته وتشكل دائماً مركز الجذب لأهل السُرى الراحلين دوماً بحثاً عن هذه الأبعاد والآفاق الإنسانية الروحية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى