العراق: العوامل التي أدّت إلى إبعاد المالكي
حميدي العبدالله
ثلاثة عوامل أساسية كان لها الدور البارز في إبعاد نوري المالكي عن رئاسة الحكومة العراقية الجديدة، على الرغم من أنه يتزعّم أكبر كتلة برلمانية في مجلس النواب الحالي.
ـ العامل الأول، رفع الغطاء الأميركي عنه. ومعروف أنّ المالكي كان يحظى بدعم أميركي على الرغم من أنّ الولايات المتحدة كانت تفضل إياد علاوي في الدورة البرلمانية السابقة، لكنها لم تجاهر بوقوفها ضدّ المالكي، وكانت حريصة قبل رحيل قوّاتها عن العراق على إرضاء المالكي لكي لا يعرقل توقيع اتفاق الإطار الاستراتيجي الذي كانت تراهن عليه في الحفاظ على مصالحها الحيوية في العراق.
ـ العامل الثاني، تخلّي إيران عن دعم المالكي ووقوفها إلى جانب فصائل وقوى التحالف الوطني الأخرى التي تطالب بإبعاد المالكي عن رئاسة الحكومة. وبديهي أنّ إيران لديها نفوذ كبير في العراق، وتحديداً في صفوف قوى التحالف الوطني، ولولا تخليها عن المالكي لما تجرّأ التحالف على تسمية حيدر عبادي بديلاً عنه وهو ليس لديه أية كتلة برلمانية تدعمه، وحتى حزب الدعوة الذي ينتمي إليه تبرّأ منه.
ـ العامل الثالث، تخلّي المرجعية ممثلة بالسيد على السيستاني عن المالكي ودعواته الصريحة في خطب الجمعة التي تلقى بالنيابة عنه إلى تسمية شخص آخر غير المالكي.
وبديهي عندما تجتمع هذه الجهات الثلاث، بما لها من نفوذ في العراق وعلى مستوى المنطقة، فإنه سيكون من الصعب على المالكي الصمود في وجه كلّ هذه القوى، حتى وإنْ كان الدستور في مصلحته، وحتى لو كان لديه تأييد واسع في مؤسسات الدولة في ضوء بقائه على رأس الحكومة لدورتين متتاليتين.
لكن من الواضح أنّ ردّ فعل المالكي وأنصاره على قرار إبعاده يؤشر إلى مرحلة جديدة من الصراع الداخلي في العراق سِمتُه البارزة اشتداد المواجهة بين الأطراف العراقية جميعها على نحو يعكس استحالة وجود إرادة وطنية جامعة تؤهّل العراقيين للصمود في وجه الأخطار التي تتهدّدهم، سواء خطر التقسيم أو خطر الفتنة المذهبية، وسيطرة «داعش» على المزيد من المناطق العراقية، فالأكراد يواجهون صراعات بين مكوّناتهم، وكذلك الأطراف الأخرى، أيّ الجماعات السياسية المرتبطة بالسعودية وتركيا والأردن وتنظيمات «القاعدة» وعلى رأسها «داعش»، وصراعات هذا التنظيم مع المكوّنات الأخرى وجنوحه نحو الاستئثار.
والآن جاء اندلاع الصراع بين أطراف التحالف الوطني ليفقد العراق أيّ قوة كبيرة متماسكة يمكنها أن تشكل العمود الفقري الذي تتشكل حولـه مؤسسات الدولة، ويوفر لها الغطاء السياسي والأخلاقي لتقوم بالتصدّي للأخطار المحدقة.
إنّ ما ينتظر العراق بعد اندلاع الصراع بين مكوّنات الائتلاف الوطني أخطر بكثير مما واجهه حتى الآن، وليست هناك قوة قادرة على وقف الانحدار باتجاه هذا الدرك السحيق.