الانقلاب الأبيض على المالكي

عامر نعيم الياس

نوري المالكي خارج المعادلة السياسية العراقية، نوري المالكي حتى ليل الأحد الماضي هو رئيس الحكومة العراقية المقبلة شاء من شاء وأبى من أبى، الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل ثلاثة أيام أعاد في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» تأكيد ضرورة تأليف حكومة عراقية جامعة تساعد في قتال داعش، الغرب والمعارضة العراقية ربطا تمدد داعش بالمالكي وليس بالحكومة هو ثأر شخصي على شاكلة ما يجري في سورية منذ 41 شهراً، هو ربط الأزمة وشخصنتها بهدف تكثيف الضغوط للبدء بالتغيير المتوافق مع توجهات الغرب وحلف الأطلسي، فما الذي حصل في العراق وما طبيعة هذا الانقلاب؟ هل ما جرى هو رضوخ كلي للأميركيين أم أن الأمر هو مناورة سياسية لدفع واشنطن للتحرك بفعالية أكبر في مواجهة تنظيم داعش على الأراضي العراقية؟

نبدأ بالانقلاب على المالكي، فالديني في عراق ما بعد الاحتلال الأميركي صاحب كلمة مؤثرة في مباركة المرشح لمنصب رئيس الوزراء، هنا تحضر المرجعية الدينية ممثلةً بالسيستاني لتبارك توقيع الرئيس العراقي فؤاد معصوم مرسوم تكليف النائب حيدر العبادي من حزب الدعوة، الذي يترأسه نوري المالكي، بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ما أدى إلى انتقاد هذا الأخير للسيستاني والتوجه إلى المحكمة الاتحادية للطعن بتكليف العبادي. سياسياً رشحت كتلة التحالف الوطني رئيس الوزراء الجديد باعتبارها الكتلة الأكبر في البرلمان، تطور برز على السطح بعد سلسلة انشقاقات شملت تكتل دولة القانون صاحب الثقل المؤثر في الخرطة البرلمانية العراقية، وانشقاقات في صفوف حزب الدعوة، هنا لا يمكن إسقاط الدور الإيراني وإن كان لم يصدر بيان عن طهران يرحب بتكليف العبادي حتى لحظة كتابة هذا المقال، لكن تعكس درجة اهتمام الإعلام الإيراني بالأمر ضمنياً بوجود ضوء أخضر لإزاحة المالكي عن السلطة، تحرّك تلقفته الإدارة الأميركية سريعاً ورحبت على الفور بتكليف العبادي، وهو ما يعكس ارتياحاً أميركياً لهذه الخطوة وبداية التقاء مصالح مع طهران في بغداد في تكرار لسيناريو 2006، وهو ما من شأنه أن يطوّر العملية الأميركية التي بدأت ضد داعش في شمال العراق والتي لا تزال حتى اللحظة عملية دفاعية لا تستهدف ضرب مراكز قوة التنظيم وبناه التحتية وصولاً إلى إنهائه، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى من شأن هذه الخطوة في حال جرت بهدوء وتم تجاوز عقبات تشكيل الحكومة العراقية أن تفسح في المجال أمام التعامل بإيجابية مع ملفات إقليمية أخرى عالقة بين طهران وواشنطن في عدد من دول المنطقة وعلى رأسها لبنان.

بنظرة على السيرة الذاتية لرئيس الحكومة العراقية المكلف حيدر العبادي من نشأته إلى سياساته والمناصب التي شغلها وتحالفاته السياسية وحتى طريقة تكليفه برئاسة الحكومة يمكن تسجيل الملاحظتين التاليتين:

ما جرى يوم أمس في العراق هو انقلاب أبيض بامتياز على نوري المالكي الذي خسر موقعه وأصبح عبئاً على داعميه في لحظة ساهم هو بشكل أو بآخر بالوصول إليها، ولعل في الانشقاقات داخل حزب الدعوة وكتلة دولة القانون ما يشير إلى وجود ثغرة واضحة في سياسات المالكي.

هذا الانقلاب لا يعدو عن كونه مناورة سياسية تعكس براغماتية ومرونة محور المقاومة الذي يعد العراق جزءاً منه، في مقاربة الأمور وإدارة المعركة مع واشنطن والغرب. فتغيير المالكي وإن كان مؤشراً على الاستجابة لأحد أهم مطالب الغرب وواشنطن، إلا أنه لا يعدو عن كونه تغييراً في الأسماء، أما السياسات والأهداف وتموضع العراق ضمن المحور المقاوم هي أمور ثابتة لا تغيير فيها، بانتظار رد فعل المحور الآخر على الأرض بدءاً من العراق وليس انتهاءً بدول الإقليم، فالكرة اليوم في ملعب الإدارة الأميركية وأدواتها الخليجية.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى