قنديل لـ«بي بي سي»: تفاهم أميركي ـ إيراني في العراق والقصف رسالة سياسية
رأى النائب السابق ورئيس تحرير جريدة «البناء» ناصر قنديل أن «على المستوى السياسي هناك إرادة أميركية للتخلص من الحالة التي ولدت نتيجة الاجتياح المعنوي والسياسي والعنفي الذي مثله ظهور دولة الخلافة أو دولة داعش، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن الضربات العسكرية الأميركية تلعب دوراً حاسماً في إنهاء ظاهرة داعش بقدر ما سيكون تأثيرها سلبي في المعركة التي تخاض ضده انطلاقاً من الحالة الازدواجية التي تخلقها في صفة داعش، بين قوة إرهابية جرى الإجماع على التخلص منها من مكونات المجتمع العراقي التي تترجم بآليات إعادة إنتاج المؤسسات الدستورية، وبين منح داعش صفة المقاومة الوطنية. وهذا يعطي القوى التي قاتلت الاحتلال في فترة ما قبل انسحابه وخصوصاً البعثيين وبعض القادة في الجيش العراقي حافزاً لمواصلة التحالف مع داعش، بينما يتوقف إلحاق الهزيمة به بعزله عن المكون الشعبي والسياسي الذي حمل السلاح بصفة مقاومة».
واعتبر قنديل: «أن الأميركي يعيش حالة من الارتباك العام في فلسفة استخدام القوة بعد التجارب الفاشلة التي خاضتها الولايات المتحدة الأميركية، وهناك نقاشات لأكثر من رأي وكل منها يعبر عن شكل من أشكال العجز والارتباك»، وأكد أن «القدرة النارية ثبت أنها ليست هي العامل الحاسم في صناعة الانتصارات في المواجهات الجديدة في القرن الواحد والعشرين مع قوى غير نظامية، كما هو الحال في غزة وكذلك جنوب لبنان، بل ثبت أن العامل السياسي هو الحاسم»، وأشار قنديل إلى أنه «في بنيان الضربات الأميركية الفقرة التي اعتُقد أنها الأهم ليست فقرة الحديث عن ضربات مستهدفة لحماية الأقليات، إنما الفقرة الأهم هي اشتراط ولادة حكومة عراقية جامعة لأن الأميركي يعلم أنه بولادة هذه الحكومة يمكن الحديث عن تجفيف المستنقع الشعبي والسياسي الذي يوفر الخلفية التي تمد القوى الإرهابية بالمزيد من القدرات البشرية للمزيد من الدماء»، وتابع: «هناك تفاهم أميركي ـ إيراني عميق لاستنهاض مكونات المجتمع العراقي بجميع طوائفه لإعادة إنتاج المؤسسات الدستورية، وهناك تعاون حثيث جرى بين إيران وأميركا من أجل عودة الأكراد عن فكرة الانفصال».
وأكد قنديل أن «هناك ترابطاً بين جميع ساحات المواجهة والملفات المفتوحة بالمنطقة ولا أعتقد أنه هناك مجالاً للترف في استخدام القوة وفي التعامل مع قضايا شائكة بحجم التي نراها»، واعتبر: «أننا في نهاية هذا العام سنشهد حدثين كبيرين: الأول هو إعلان التفاهم الإيراني ـ الغربي على الملف النووي في شهر كانون الأول، والثاني بدء الانسحاب الأميركي من أفغانستان في كانون الثاني، وخلال هذه الفترة أميركا كانت معنية بمتابعة حرب غزة لإعطاء «إسرائيل» الفرصة الأخيرة لاستمرار قدرة الردع قبل ترصيد حسابات موازين القوى في المنطقة التي سترسم وفقها الخريطة الإقليمية الجديدة، ولكن «إسرائيل» فشلت، فالأميركي قادر الآن أن يقول لـ»إسرائيل» كوني جميلة واصمتي، أي أن حمايتك وتمويلك أميركيين، ولكنك لن تكوني لاعباً أساسياً وفاعلاً في المعادلات الإقليمية».
وأوضح رئيس تحرير جريدة :البناء»: «أن داعش ذو وجه مزدوج ، من جهة هو طلب ورغبة أميركية ليشكل نقطة تقاطع مصالح بين القوى المتخاصمة بالمنطقة لكي لا تخرج بمعادلة منتصر ومهزوم، فالمنطقة لا تحتمل أن تخرج إيران منتصرة والسعودية مهزومة وبوجود داعش الكل رابح». وأكد: «أن الأميركي يعلم جيداً أنه في اللحظة التي يعلن فيها التوصل لتفاهم حقيقي بين إيران والسعودية الكثير من الأشياء في المنطقة ستتغير من العراق إلى سورية ولبنان لأن المكونين السني والشيعي كافيان لتشكيل القوة البشرية القادرة على بذل الدماء والتي من دونها لا يمكن تحقيق الهزيمة لداعش، فهذا المكون لا يمكن هزيمته إلاّ بقوة أقدر منه على بذل الدماء وأكثر منه ثباتاً في خطوط المواجهة، فهذا ما جرى بعرسال، وكذلك ما جرى في أطراف تكريت عندما دخلت القوى المنظمة، ولكنها كانت من دون غطاء سني فكان هناك الخوف من الحرب الأهلية، وأدى إلى فرملة التقدم»، وأشار إلى أن المشاركة الأميركية هي لحجز مقعد على مائدة الشرق الأوسط ما بعد داعش، وليست إسهاماً بإنهاء داعش، فهي فرصة لها لتوجيه الرسائل السياسية من خلال البيان العسكري ستقول قامت طائرتنا بقصف أهدافاً، إننا نؤكد على الوقوف مع الأكراد، إننا ندعو إلى حكومة جامعة، وفي الجولة الثانية من القصف سنسمع رسائل من نوع آخر لكن القيمة العسكرية محدودة والقيمة المعنوية سيكون تأثيرها سلبياً وليس إيجابياً».