منابر معطَّلة إلى حين
طلال مرتضى
على أحرّ من الشعر وصلت هنا، لربما قبل الموعد بقبلتين ووردة، فعاشق الياسمين لا تضيره هفهفات الحبق المخاتلة للهواء. ظلّ يرندح ملء الدندنة: بيدي حبة «نارنج» وعلى كتفي أوجاع.
اليوم… اليوم وليس غداً، رأيت معشر الشعراء يتهافتون على مقامات الشعر. كلّ يغرف من البحور على ليلاه، ليس مهماً إن استقام الوزن أو هجع، ليس لزاماً أن يقفّى الحكي، «فأبي الأسود» مات بعد ألف ألف قصيدة ونيّف.
اليوم… اليوم وليس غداً، يحق للشعراء ما لا يحق لكاتب القصة… لا عجب!
لست شاعراً… لست قاصّاً… لست كاتباً بما فيه الكفاية، لكنني لست أعمى أيضاً كي لا أميّز الغثّ من الثمين، وهذا ما يجعلني متشدّقاً ملء حنجرتي، متمرّداً حتى على أناي. رأيت اليوم… اليوم وليس غداً، جمهور القصة منكفئاً على ذاته، كلّ لملم خيبته تحت إبطه وانزووا فرادى كلٌ ينبش هوامش دفاتر مخيلته السالفة.
لا ألومهم… هي حال الحياة، ليصدح الشعراء، ليقيموا للشعر قيامته.
اليوم… اليوم وليس غداً، في دمشق، في بيروت، في الوطن الكبير، رأيت عن كثب منابر القصة والرواية يتيمة.
ولما لا؟ يحق لها الصمت. يحق لها البكاء جهاراً، هذه المرّة لن يكون البكاء شبهة كي تثقل المعنى، آلية السرد المكين تعطّلت، والحبكة المنتقاة أضحت مفتوحة الأشرعة على قصص التأويل المواربة الخواتيم.
الفقد كبير. الوجع أكبر. ما أصعب يُتم الحبر والورق!
مات «أبو القصة» ياسين رفاعية، يحقّ للمنابر أن تنكس أعلامها حداداً.
كاتب سوري ـ فيينا