بدمنا يكتبون… وعلى أجسادنا يرتفعون!
جمال العفلق
ما أن يخرج أحد لترشيح نفسه أو لتقديم نفسه لجمهوره إلا ويذكر شعوب المنطقة، فهذه الكعكة التي أطلقوا عليها اسم «الشرق الأوسط» هي مصدر إلهامهم وورقة نجاحهم، ومن يستطيع حصد أكبر عدد من الأرواح البريئة يضمن لنفسه مقعداً في الصف الأول.
هم تجار الدم وبائعو السلاح ومشعلو الحروب، لا تختلف أفعالهم مهما اعتقدنا أنهم مختلفون، ديمقراطي جمهوري، عمال محافظون، إسلامي علماني، ليكود عمل كاديما كلها وجوه لعملة واحدة.
إذا كنت في أميركا وقرّرت دخول عالم السياسة وهدفك أن تسكن البيت الأبيض، فالشرط الأول هو تقديم الولاء للوبي الصهيوني، وأن تعترف بما يسمى «إسرائيل» وتمرر عبارة القدس عاصمة أبدية للكيان الغاصب… حينها ستكون قد قطعت أكثر من نصف المسافة وأثناء حملتك الانتخابية لا بد أن توافق على عمليات القتل المنظم التي تقوم بها قطعان المستوطنين في فلسطين المحتلة وتغض الطرف عن جرائم المرتزقة الذين انتشروا بالمنطقة والأسماء كثيرة جند الشام جبهة النصرة داعش كتيبة أبو عمر…. الخ فالجميع يعمل في إطار واحد هو خدمة أميركا والغرب بما يضمن دائماً الأمن لـ «إسرائيل» ويزيد من عدد الضحايا الذين يصبحون بقدرة قادرة حالات إنسانية لا بد من مساعدتها. في بعض الحالات وبما يخدم الهدف. ولا بد أن تشدد على متانة العلاقات مع ممولي تلك الجماعات ولا تذكر طريقة حكمهم ولا استبدادهم ولا تراجع حقوق الإنسان في بلادهم أو ذكر عدم وجود تلك الحقوق أصلاً».
اليوم تتناقل الصحف العربية وباهتمام كبير تصريحات وزيرة الخارجية السابقة والمرشحة للرئاسة 2008 هيلاري كلينتون حول سورية والتي قالت فيها: «إن قرار الولايات المتحدة عدم التدخل مبكراً في الحرب الدائرة في سورية أخفاق كبير»، ليكمل المسرحية المتحدث باسمها بتصريح آخر أن السيدة كلينتون اتصلت بالرئيس أوباما وشرحت وجهة نظرها بأنها لا تهاجم سياسته ولكنها شرحت أسبابها التي نشرتها في مذكراتها التي صدرت منذ وقت قصير، حيث اعترفت فيها بأن ما يحدث اليوم في العراق وسورية ولبنان هو ممهور بعبارة «صنع في أميركا»، فالسيدة كلينتون ما زالت تسعى للسكن في البيت الأبيض ولكن هذه المرة ليس كسيدة أولى مخدوعة إنما كرئيس للولايات المتحدة الأميركية. فالتحضير للانتخابات المقبلة لا بد أن يبدأ من الآن ووقود حربهم السياسة هو شعوب المنطقة ودماء أطفالها، فلا يمكن أن تسمع اليوم من سياسي يريد البقاء في منصبه أي تصريح أو إدانة للأعمال الوحشية التي تقوم بها قطعان المستوطنين في فلسطين المحتلة حتى القرار الأميركي المـتأخر فعلاً في وضع داعش والنصرة على قائمة الإرهاب ليس إلا خطوه نحو إعادة التدخل في شؤون المنطقة بما يتناسب مع مصالح الصهيونية العالمية. وليس كما يشاع أن أميركا تحارب الإرهاب.
وهذا لا ينطبق فقط على السياسيين الأميركيين فدماء الشعب الفلسطيني كانت ورقة رابحة بيد أردوغان الذي استثمر العدوان الصهيوني على غزة أفضل استثمار وقدم هدية أخيرة بعد فوزه أن ينقل بعض الجرحى إلى تركيا للعلاج لإيهام البسطاء بمدى أهمية فلسطين عنده وحقيقة الأمر أن أردوغان أراد أن يلعب دور البطل من جديد في محاولة لإحراج قيادة مصر التي يشعر أنها تنافسه، خصوصاً بعد قرار المحكمة المصرية حل حزب العدالة التابع لحركة الإخوان المسلمين الإرهابية، أما في أوروبا وجد الرئيس الفرنسي ونظيرته الألمانية بوجوب التدخل «الإنساني في العراق» فلا يريد الرجل تضييع فرصة في أخذ حصته من كعكة العراق كما فعل شيراك سابقا».
في كل تصريحاتهم لا نجد ما ينسجم مع تطلعاتنا، ولا نجد ما يخدم أدنى مصالحنا فنحن بالنسبة لهم وقود لمعاركهم السياسية، يختلفون على إدارة هذه المعارك ولكنهم متفقون دائماً أن قتلنا لا ينقص من إنسانيتهم ولا يقلل من بريق حريتهم التي أوهموا العالم فيها.
بدمنا يكتبون مذكراتهم وعلى أجساد الضحايا ترتفع أسهمهم دائماً. وليس هذا لقوة فيهم بل لوجود من يضعف مشروعنا التحرري بيننا، وإن كنا مؤمنين أننا والحق أكثرية ولكن يبقى السؤال من المسؤول عن تقديمنا لمذابح الصهيونية العالمية أفراد وجماعات؟