حكاية بطولة
معن بشور
حين احتجزت سلطات الاحتلال الصهيوني «سفينة الأخوة اللبنانية» التي انطلقت من مرفأ طرابلس كانت أول سفينة لكسر الحصار تنطلق من مرفأ عربي وآخر سفينة ، في أوائل شهر شباط/ فبراير عام 2009، واقتادت ركابها الثمانية إلى ميناء أشدود، وقبل إطلاق سراحهم قلنا في وسائل الإعلام التي كانت تواكب الحدث، وبين الركاب المحتجزين أربعة إعلاميين أوغاريت دندش، سلام خضر، مازن ماجد، ومحمد عليق ، إذا احتجز الصهاينة اليوم سفينة فسيواجهون «أسطولاً» يتحرك من عدّة مرافئ في العالم.
لم يكن كلامنا شاعرياً، كما لم تكن دعوتنا شاعرية قبل سنوات لإرسال طائرات لكسر الحصار الجوي على العراق ابّان الحصار الظالم الذي مهّد للحرب والاحتلال والمحنة التي مرّ بها العراق، بل حملنا الاقتراح، الأخ الدكتور هاني سليمان منسق سفينة الأخوّة وأنا، إلى اسطنبول، حيث كان يعقد في أواسط شباط/ فبراير 2009، مؤتمر «نصرة غزّة» بدعوة من «الحملة العالمية لمقاومة العدوان»، في المؤتمر طرحنا الاقتراح فلاقى قبولاً، لا سيّما من رجل الأعمال الجزائري عبد الكريم رزقي، وأحد أركان هيئة الإغاثة الإنسانية IHH بولند يلدريم الذي أصبح قائد أسطول الحرية وسفينة «مافي مرمرة»، ومن المهندس محمد صوالحة من لندن ، والمهندس وائل السقا الأردن ، والنائب وليد الطبطابائي الكويت ، الذين كانوا نواة لجنة تحضيرية للمشروع الكبير.
تبنّت «الحملة الدولية لكسر الحصار على غزّة» التي انطلقت من بيروت برئاسة الرئيس الدكتور سليم الحص أطال الله عمره ، وبمشاركة عدد من أبرز الناشطين الفلسطينيين في أوروبا، فكرة الأسطول، وأجرت اتصالات بنشطاء من كلّ أنحاء العالم، وحدّد 31/5/2010، موعداً لتلاقي السفن في ميناء ليماسول للانطلاق إلى غزّة…
كانت حصة لبنان في تلك الرحلة ثلاثة هم الدكتور هاني سليمان، والأخوان نبيل حلاق، وحسين شكر أبو محمد أبو الشهداء ، الذي فقد عائلته خلال حرب تموز 2006…
أما المطران البطل إيلاريون كبوجي مطران القدس في المنفى، وأحد رواد سفينة «الأخوّة اللبنانية» مع الشيخين داود مصطفى وصلاح الدين العلايلي، فاتصل بنا من روما مؤكداً على ضرورة مشاركته في رحلة العودة إلى فلسطين التي أبعد عنها قسراً قبل عقود، ولم تنفع معه كلّ محاولات إقناعه وهو ابن السادسة والثمانين من العمر للعدول عن المشاركة، خصوصاً أنه قام بواجبه قبل أشهر…
كان المطران محقاً في إصراره، وباتت صورته وهو يصلي الفجر حاملاً الإنجيل المقدس مع رفاق الرحلة البطولية، رمزاً تاريخياً لوحدة أبناء الأمّة على طريق فلسطين…
لم يتحمّل العدو مشهد السفن الست المتوجهة إلى غزّة، وقرّر اقتحام السفينة الأكبر مافي مرمرة وعلى متنها حوالي 600 مشارك من دول عربية وإسلامية وأجنبية، فقام بإنزال وحشي اصطدم خلاله بالمشاركين وأطلق النار على متن السفينة فاستشهد ثلّة من المشاركين الأتراك الأبطال ومعظمهم من الأخوة الأكراد ، وجرح عدد آخر بينهم رئيس البعثة اللبنانية الدكتور هاني سليمان الذي أصيب في ساقيه إصابة قاسية ما زال يعاني منها حتى الآن…
تحرّك العالم غاضباً للمجزرة الصهيونية في البحر، وأضطر العدو إلى إخلاء سبيل الركاب بعد احتجازهم ليومين، واتضح للعالم حجم المأساة الفلسطينية في غزّة، وحجم الإجرام الصهيوني في البحر…
منذ ذلك اليوم التاريخي، جرت مياه كثيرة تحت جسر العلاقات بين أبناء الأمّة وتياراتها، وتحوّل الصدام ضدّ العدو إلى صدامات داخل أوطاننا ومجتمعاتنا، وبات واضحاً أنّ أحد قوانين الصراع مع العدو يقوم على أنّ تلاقي تيارات الأمّة وقواها هو مصدر قوتها وقدرتها على الفعل، وأنّ تصادم هذه التيارات، تحت هذا الشعار أو ذاك، هو خدمة مجانية لأعداء الأمّة.
رحم الله الشهداء، ونصر المجاهدين في سبيل الله وتحرير الأرض.