هل «عُيّن» ليبرمان لإدارة حرب أم وقع في محرقة وزارة الحرب؟
روزانا رمّال
انتقادات شديدة اللهجة تحيط بالشارع «الإسرائيلي» وتساؤلات دقيقة من منطلق الحذر الذي أرسته قرارات الحكومة «الإسرائيلية» الجديدة، فتعيين اسم من أكثر ساسة «إسرائيل» تطرفاً وإثارة للجدل وزيراً للحرب «الدفاع» افيغدور ليبرمان ليس قراراً حكومياً مطمئناً في مرحلة من هذا النوع، حيث تجتمع عناصر التطرّف والتصعيد كلها في المنطقة، بما يعنيه هذا من قوى تكفيرية وأزمات متنقلة تحيط بكيان العدو وصولاً إلى الانتفاضة الفلسطينية البيضاء التي لا تزال مفاعيلها تطغى على المشهد في الأراضي المحتلة.
أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتطرّف، وزيراً للحرب بعد موشيه يعالون، الخبير العسكري الواسع التجربة، في وقت لم يخدم ليبرمان في الجيش «الإسرائيلي» حسب صحيفة «هآرتس» إلا سنة واحدة. يتحدّث وزير الدفاع «الإسرائيلي» الأسبق موشيه أرنس عن خطأ كبير في هذا التعيين، آملاً ألا يتمّ تنفيذه، لأنّ منصب وزير «الدفاع» يجب أن يتقلّده رجل مؤهّل ذو خبرة طويلة.
مخاطرة أمنية بدون شك تأخذها حكومة نتنياهو على عاتقها، والحديث الدائر اليوم بين جنرالات الكيان يتمحور حول وجوب منع المغامرة بوزارة «الدفاع»، لأنّ النقاش لا يدور حول كون ليبرمان مدنياً أو عسكرياً، وإنما عن نقص الخبرة لديه.
امتاز ليبرمان بالشعارات التي كان قد أطلقها في أكثر من مناسبة بوجه الفلسطينيين وبشعارات «بطولية أخرى» بوجه إيران وحزب الله، وهذا وحده شكل قلقاً من سلوك اعتاد «الإسرائيليون» عليه جزافاً، معتبرين أنّ على ليبرمان أن يتعلم فور دخوله مقرّ وزارة الحرب «أنّ مسألة الأمن ليست إطلاق شعارات في الهواء».
السؤال اليوم عن مدى جدية «إسرائيل» في التجربة التي تتجه إليها وعن مدى استعدادها لمجازفة من هذا النوع وعما إذا كانت جاهزة لدفع ثمن هذا القرار أو حتى عما إذا كان الثمن الذي ستدفعه بتعيين ليبرمان كيفية إدارة الأجهزة العسكرية أكبر من المتوقع، ما يعني أنّ الأراضي المحتلة على موعد مع شحن وتوتر واضحَي المعالم بين المستوطنين والفلسطينيين.
يتسلّم ليبرمان مهامه بعد مساعي سلطات الاحتلال منع التصعيد إثر أحداث الانتفاضة الأخيرة التي لم تتضح معالم اختتامها بعد، وهنا لوحظ الحرص «الإسرائيلي» والقلق من امتدادها أن تصبح حالة عامة قابلة للتطوّر وخلق واقع جديد أو نقلة نوعية بالعمل الفلسطيني الشبابي المقاوم غير «المكودر» او المنظم، بالتالي فإنّ تعيين ليبرمان المتطرف يعني تضحية بهذا الواقع أولاً، وتوجهاً نحو قبول إمكانية التصعيد الأمني في الداخل ثانياً، هذا كله من دون تجاهل الاستقرار النسبي الحاصل اليوم في غزة والتنسيق الأمني مع القوى الفلسطينية بالضفة الغربية، إضافة إلى ملفات أساسية أرساها وجود موشيه يعالون الذي سيخلفه ليبرمان على رأس الوزارة الأمنية التي اشتركت بالتعاون مع مصر والأردن في ربط المعارك بين سورية والجولان والحدود مع كيان العدو، إضافة إلى تعاون بين كافة الأطراف الاستخبارية المعنية بالمنطقة وتل أبيب في مسألة داعش وجبهة النصرة وضبط تحركها لجهة تنفيذ المخطط العسكري «الإسرائيلي» بكلّ مراحله منذ بداية الأزمة ويعالون أحد رموزها.
تتوقع «هآرتس» بعض السياسات المفترضة من ليبرمان فور توليه منصب وزير «الدفاع»، ومن أهمّها فرض قرار دولي على قطاع غزة، وممارسة سياسة أكثر تشدّداً تجاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وإمكانية تحقيق وعوده التي أعلنها في السنوات الماضية حول طرد أعضاء الكنيست العرب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
مخاوف «إسرائيلية» بمكانها وغير منسجمة مع مرحلة تطلب «إسرائيلياً» هدوءاً وتنسيقاً على الجبهات كافة، خصوصاً مع حزب الله الذي يبدو أنه مستعدّ في أيّ لحظة يجدها مناسبة للانتقام لحسابه الطويل منذ عملية اغتيال قائده الشهيد عماد مغنية وصولاً إلى القائدَين الشهيدين القنطار وبدرالدين، ولو أنّ الحزب لم يُشِر إلى الدور «الإسرائيلي» المباشر في الاغتيال الأخير، فكيف ستكون توجيهات ليبرمان في أيّ لحظة يقرّر فيها حزب الله الردّ أو بالأحرى هل سيجرؤ ليبرمان على التمادي في مسألة استغلال الأزمة السورية وما لها من أبواب استنزاف واستهداف المزيد من قادة حزب الله والاستعداد لأيّ تدهور دراماتيكي للوضع الأمني على الحدود مع لبنان أو حتى سورية؟
سياسياً، اسم مثل افيغدور ليبرمان يكاد يذكّر ببعض الأسماء المقرونة بأدوار لا تحسب لها المؤسسة السياسية والأمنية «الإسرائيلية» حساباً طويل الأمد، وفي بعض الأحيان يكون أحد التعيينات «مقتل» الوزير المقصود الذي من المفترض أن يؤدّي مهمة تصعيدية تتكفّل وحدها بإنهاء حياته السياسية، فهل تتكرّر تجربة «عامير بيرتس» وزير الحرب «الإسرائيلي» عام 2006 الذي قاد حرب تموز وفشل فاحترق وانسحب مع رئيس حكومته آنذاك ايهود أولمرت من العمل السياسي بعد مقاضاة الأخير؟
هل يتهرّب نتنياهو وبعض صقور الكيان الأمنية مثل يعالون من مهمة تصعيدية ما باتت مطلوبة متماشية مع التطورات بالمنطقة، خصوصاً في سورية وضرورة الحسم لانطلاق مفاوضات جدية؟ أم أنّ «إسرائيل» تريد الإطاحة بمن يسمى «صانع الملوك» افيغدور ليبرمان في محرقة الأسماء «وزارة الدفاع» التي تكفّلت في غير مرة بقلب الواقع الانتخابي برمّته لكتل «إسرائيلية» كبيرة بعد تسلّمها إياها وإدارة حروب فاشلة مثل «العمل» و«كاديما»؟
ليبرمان من رئيس مكتب نتنياهو وعضو في حزب الليكود إلى منشق ومؤسس حزب «إسرائيل بيتنا» وشعبية كبرى، فهل يقود حرباً تصيبه والمتشدّدين بمقتل؟