هل نفضت أميركا يدها من تركيا؟

د. خيام الزعبي

لم يعد يخفى على أحد اشتعال الخلافات بين الإدارة الأميركية برئاسة أوباما، وتركيا بزعامة أردوغان، حيث اشتدت الخلافات بين الطرفين منذ دعم واشنطن للمقاتلين الكرد، وهو الخلاف الذي اعتبرته تركيا بمثابة تغيّر في السياسة الأميركية وإعطاء الرئيس الأميركي ظهره لمصالحة مع أنقرة، لتتبعه المزيد من الخلافات بشأن سورية والمواقف والتصريحات التركية المعادية لأميركا، الأمر الذي وصل بالعلاقات الأميركية التركية إلى حالة غير مسبوقة من التوتر والاضطراب، وفي هذا التطور الجديد أعلنت الرئاسة التركية عزمها على إعادة تقييم ومراجعة العلاقات التركية مع أميركا.

يبدو أنّ أميركا لا تعوّل كثيراً اليوم على تركيا لأنها بدأت تنظر باستراتيجية جديدة في الشرق الأوسط ولربما توسيع نفوذها من خلال سيطرتها على بعض دول المنطقة، من الواضح هنا أنّ أميركا تواجه جملة منغّصات، وفي مقدّمة هذه المنغّصات هي الدولة التركية وعدائها المتواصل ضدَّ الكرد، فقد أثار دعم واشنطن للمقاتلين الكرد في سورية، خلال قتالهم لتنظيم داعش، غضب تركيا، خاصة بعد الصور التي نشرت لعناصر من القوات الأميركية الخاصة يرتدون شارات وحدات حماية الشعب الكردي، التي تعتبرها تركيا «إرهابية»، دعمت أميركا هذه القوات حيث قدّمت لها أكثر من 55 طناً من المساعدات العسكرية الفتاكة، من أجل أن تحارب «داعش» في منطقة الرقة، مع المحافظة على بقاء حزب الاتحاد الديمقراطي بعيداً عن خط جرابلس – اعزاز، وقد أعرب بوضوح الرئيس التركي عن انزعاجه من هذه المساعدات الأميركية، وهو ما دفع الرئيس التركي الى إعلان حرب مضادّة من خلال توجيه انتقادات مستمرة لأميركا والرئيس أوباما، فقد ندّد أردوغان بشدّة بدعم البيت الأبيض عسكرياً لأكراد سورية الذين تعتبرهم أنقرة «إرهابيين»، مؤكداً أنّ سياسة واشنطن حوّلت المنطقة الى «بركة دماء»، كما اتهم واشنطن «بعدم الصدق»، وأعرب وزير خارجيته عن أسفه للتأخير في تسليم أميركا منصات صواريخ خفيفة لتركيا، لنشرها على الحدود بين تركيا وسورية لمواجهة تنظيم «داعش»، إذ أكد أنّ «الولايات المتحدة لا تفي بوعودها للأسف…، نحن مستعدّون تماماً، أميركا هي المسؤولة عن التأخير وليس نحن».

وعلى صعيد متصل حذر أردوغان أميركا واشترط عليها التخلي عن المسلحين الأكراد للمشاركة في الحرب ضدّ داعش في سورية، وقد أكد وزير الخارجية التركي، في مؤتمر صحافي عقده في اليابان: «ما نتحدّث بشأنه مع الأميركيين هو إغلاق جيب منبج في أقرب وقت ممكن، وفتح جبهة ثانية»، في إشارة إلى منطقة يسيطر عليها داعش وهي محاذية للحدود التركية، وأضاف: «إذا جمعنا القوات التركية والأميركية يمكننا بسهولة التقدم باتجاه مدينة الرقة الوقعة تحت سيطرة داعش. صحيح انّ سورية صامدة في وجه داعش والمجموعات المسلحة الأخرى، إلا أنّ تدخلات تركيا واضحة وجلية تهدّد بتقسيم وتفكيك سورية والتي تسعى من خلالها الى استقطاع أجزاء واسعة منها أو ابتلاعها بشكل كامل في خارطة الشرق الأوسط الجديد، وفي هذا الاتجاه تعتبر المسألة السورية هي القضية المؤرقة حالياً على الساحة ولكنها أيضاً لها علاقة بالقضية الكردية، فبرغم أنّ الحكومتين التركية والأميركية يشتركون في السعي على إسقاط وتقسيم سورية، الا أنّ وجهة نظر أميركا تختلف تماماً عن وجهة تركيا في ما يصلح للحكم، فتركيا تميل الى الحكومة ان تكون إسلامية، وهذا ينافي تماماً ما يراه الغرب، وأيضاً لا تريد تركيا أيّ حكومة سورية يكون الأكراد جزءاً منها.

كحاصل نهائي، إنّ تركيا تعيش في الوقت الراهن أسوأ مراحلها من حيث خسارتها لأكبر شبكة تحالف صنعتها لعقود طويلة، ومن المعروف أنّ أنقرة تسعى لإقامة منطقة عازلة على خط جرابلس واعزاز ونشر المجموعات التابعة لها، وأميركا تتعاون بشكل مباشر مع قوات سورية الديمقراطية ضدّ داعش بشكل خاص في مناطق دير الزور والرقة، ولكنها في مناطق أخرى مثل اعزاز تساند المجموعات المتطرفة التي تقاتل ضدّ قوات سورية الديمقراطية بمساندة تركيا، أيّ أنّ هناك إزدواجية في المعايير، بالإضافة الى خوف تركيا من نشوء دولة كردية كبرى تشمل أكراد العراق وسورية، خصوصاً بعد ان حصل أكراد العراق على حكم ذاتي له صلاحيات كبرى، وهذا سيؤثر بالتأكيد على أكراد تركيا الذين خاضوا حروباً كثيرة مع تركيا للحصول على حقوقهم.

مجملاً… إنّ أردوغان يدفع بتركيا الى حرب قد تكون عواقبها وخيمة، خاصة بعد أن نظرت أميركا بريبة الى ما تسمّيه «تمرد أردوغان»، لهذا سيعزز استمرار التراجع والتوتر في العلاقات بين واشنطن وأنقرة، مع استمرار تقديم أميركا المساعدات العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، وعدم تفهّم أميركا حقيقة مصادر القلق لدى تركيا في ما يتعلق بحزبي العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي، وهذا سيمهّد الطريق لتحوّل هذا الملف إلى مشكلة حقيقية وأساسية بين الطرفين، وهذا يعزز القول بأنّ العلاقات الأميركية التركية غير مبشرة نهائياً، وباختصار شديد انّ الصمت الدولي يرجع الى حالة التغيير التي تشهدها المنطقة ونحن بانتظار تبلور نظام عالمي جديد، خصوصاً مع عودة روسيا والصين وغيرهما، وفي هذا السياق يجب التأكيد على انّ مصلحة أميركا وتركيا وحلفائهما تكمن في تحقيق مصالحهم وأهدافهم في المنطقة، وللأسف فالجميع مستفيد من الحرب على سورية واستمرارها، ونحن لا نراهن إلا على صمود شعبنا وعلى قدرة الجيش السوري في تحقيق التقدّم العسكري على الأرض.

كاتب سياسي

khaym1979 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى