يوم ليس مثله يوم
ناصر قنديل
– في مثل هذا اليوم عام 2006 غرقت الطرقات المؤدية إلى الجنوب بطوفان بشري مرعب، فقد زحف الناس بمئات الآلاف لترجمة نصر مقاومتهم التي بايعوها على القتال والصمود حتى آخر قطرة دم، وترجموا عهدهم بتحدي ملايين القنابل العنقودية الني انتشرت بين بيوتهم وطرقات بلداتهم وحقولهم، وكانوا التتمة التي من دونها ما كان النصر ليكتب بمثل ما كتب، حتى إن قيض لأحد أن يروي رواية النصر في حرب تموز، لقال لو التزم الناس بالروزنامة التي حاولت رسمها غونداليسا رايس لعودتهم، ووردت في القرار 1701 عودة النازحين كمرحلة بذاتها لا تستحق إلا كتتمة لمرحلة نشر اليونيفيل والجيش اللبناني في الجنوب، ربما تحوّل النصر إلى هزيمة.
– العودة المليونية للناس قالت إنّ المقاومة هي الناس، وإنّ محاولة إمساك الجنوب بلا ناس في مرحلة انتقالية من وقف النار، لمحاصرة المقاومين من القوات الدولية ووضع مصفاة على المعابر والجسور للتحكم بعبور الناس إلى بلداتهم وتصنيفهم بين من يمكنه العودة ومن يجب أن يخضع للتقييم، كانت تعني في حال حدوثها تحول الجنوب إلى غزة ثانية محاصرة، واستطراداً حدوث حروب متتالية كتلك التي تعيش غزة تحت وطأتها ويصير عنوانها فك الحصار الدولي، الذي يشكل اليوم المشروع الذي يطرحه الإسرائيليون لغزة بديلاً عن حصارهم المباشر.
– انتصرت المقاومة وفرضت قدرتها الرادعة بوجه مشاريع الحروب، لأنها امتلكت قيادة سياسية بمستوى تضحيات شعبها ومقاوميها، ولأن الإرادة السياسية لهذه القيادة لم يكن لديها مشروع خاص يتخطى ما تعتبره أمانتها التاريخية على ترجمة انتصار المقاومين بنصر خالص للناس، الذين ولدت من بيوتهم وحقولهم ومدارسهم هذه المقاومة، ورفض تحويل النصر إلى سلعة سياسية يحلم هذا أو ذاك من الحلفاء لترجمتها حساباً في رصيد انتخابي أو مقايضة لدور سياسي.
– انتصرت المقاومة لأن حلفاءها كانوا يشبهونها ويحرصون مثلها على نقاء وعذرية نصرها، فقدموا كلّ ما استطاعوا بلا مقابل، ومن دون أن يرد في سرهم أن يوظفوا ما تنجزه بتضحياتها لحساب مواقعهم كدول لها مصالح، فإيران رسمت تراجعها عن خط التفاوض لحساب ما تراه قيادة المقاومة، وسورية وضعت جيشها في حال الحرب وتركت للمقاومة تقدير توقيت الساعة عند الحاجة.
– غزة تنتصر عسكرياً ويراوح نصرها السياسي في عقدة العجز «الإسرائيلي» عن تحويله إلى هزيمة، وبالمقابل عجز قيادة المقاومة عن ترجمته نصراً في السياسة، لأن القيادة السياسية أخطأت البوصلة في رسم المكافئ لتضحيات شعبها ومقاوميها، فالنصر العسكري والشعبي هو رصيد بعملة خاصة ماسية لا يجري تداوله في مصارف الدول الكبرى على رغم أنه أغلى العملات الصعبة، المصرف الوسيط بين العملات المقاومة والعملة العالمية يعود للدول، والمقاومة تختار حلفاءها بينهم، أحسنت المقاومة اللبنانية خيارها فجرى بسلاسة تحويل رصيدها لنصر متكامل، ويتوه النصر الذي أنجزته غزة شعباً ومقاومة لأنّ النصر في سوق سوداء ومصرف تبييض سياسي، القطري والتركي ليسا حليفي مقاومة ببساطة والأعلام «الإسرائيلية» تلوث سماء الدوحة وأنقرة، بلا دمشق وبلا طهران لا يتحوّل النصر العسكري والشعبي إلى نصر سياسي.