الهلال الخصيب.. أوّل النصر أوّل الحرير

نظام مارديني

ليست صدفة الحروب القائمة والمتنقلة على أرض الهلال السوري الخصيب، وليس خافياً على أحد، أنّ الحرب على هذا الهلال هي حلقة من الحلقات المتسلسلة المَنْويّ اتباعها في سبيل إنجاح المخطط «الصهيوني» بالاستيلاء على الأمة وإقامة دولة «إسرائيل» من الفرات إلى النيل.

بعد إطلاق مشروع «سايكس ـ بيكو» نهاية الحرب الأولى، والذي قسم جغرافية الهلال الخصيب إلى كيانات متواجهة، شهدت هذه المنطقة تحوّلات جذرية بدأت مع إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، الذي جلب جراد المستوطنين من كل أصقاع العالم، بناءً على أسطورة توراتية خرافية، وانتهت بأن شهدت كيانات هذه المنطقة انقساماً عمودياً على صعيد المجتمع الذي بدأ يتحوّل من كونه ذا هوية واحدة في وطن واحد، إلى «مجتمعات» و «هويات» متعددة. وما ساعد على ذلك أن حكومات هذه الكيانات غيّبت مفهوم المواطنية بشكل صارخ ما أوصل البلاد إلى ما يشبه حروب مشاريع تفتيتية وفكرية وصولاً إلى الحروب الأهلية المتنقلة، من دون أن تكترث بإرساء قواعد جديدة لوحدة الحياة بين الجماعات أو البحث في إمكانية ترسيخ وحدتها في دولة قومية وهوية سورية واحدة.

ونظراً لموقع الهلال الخصيب الجيواستراتيجي كنقطة التقاء ثلاث قارات، وعقدة طرق برية وبحرية وجوية تربط العالم، فقد شكّلت المنطقة بكياناتها الهشة وتعدديتها الشديدة الحساسية، عرقيًا ودينيًا ومذهبياً، محور العقل اليهودي منذ السبي البابلي وحتى الآن، حيث تكثر المشاريع ونحن في الألفية الثالثة، ومنها مشاريع الطاقة التي كانت سبباً في احتلال العراق والحرب على سورية، غير أن هذه الحرب فتحت الباب واسعاً أمام سقوط سمات المنظومة الاستعمارية القديمة في المنطقة ورسم واقع جديد، يعتمد على خطوط الدم والغاز.

ولكن ماذا يمثّل الهلال السوري الخصيب بالنسبة لـ «إسرائيل» كي تختاره أميركا مسرحاً جديداً للصراع؟ وما أهمية موقع الهلال الخصيب الجيوسياسي في نظر «الجيوبوليتيكيين» وفي استراتيجيتَيْ روسيا وأميركا؟

بحسب الكاتب محمد حسنين هيكل، فإنّ عين «إسرائيل» على الصراع كله وعلى منطقة الهلال الخصيب التي تُعَدّ سورية «قلبها… حتى أيام العثمانية كانت سورية باستمرار هي قلب الصراع على مستقبل العالم العربي». وقد اعتبر هيكل، أن التركيز على سورية مرده للتركيز الغربي على هذه الدولة، «لأنها الجائزة الكبرى الموجودة في شرق البحر الأبيض المتوسط».

الآن أفرزت حرب الطاقة ومساراتها التي تخاض في الهلال الخصيب وعليه سقوط النظام العربي الذي كان أصلاً وليد الاستعمار بعد استنفاد مهمته، وسقوط الأنظمة الكيانية وسقوط الإسلام السياسي بشقيه الإخواني والتكفيري بعد أن أصبح عبئاً على مشغّليه.

إن مَن سيعرف السر الكامن في الغاز السوري سيعلم حجم الصراع على هذا المصدر، لأن مَن سيملك سورية سيملك «الشرق الأوسط» وبوابة آسيا ومفتاح روسيا وأول طريق الحرير وبتوقيع دمشق اتفاقاً لتمرير الغاز الإيراني عبر العراق إليها ومن ثم للبحر المتوسط يكون الفضاء الجيو سياسي انفتح على شريان العالم من البحر السوري، مختصراً الممرات البحرية من مضيق هرمز في مدخل الخليج العربي، إلى باب المندب فقناة السويس التي اختصرت سابقاً الدوران عبر الأطلسي إلى الهندي حول رأس الرجاء الصالح الأفريقي.

كم من الميتولوجيات القديمة المشروع اليهودي أو الحديثة القوى التكفيرية شهدت مثل هذه الحرب الدائرة على أرض الهلال السوري الخصيب؟

ولأن الحكمة الوحيدة التي يتقنها التاريخ هي أن «القوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره»، كما يقول المعلم أنطون سعاده.. رغم أن بعضنا يراهن على بيع جثثنا ليهوذا والوهابية أو أن يقدّمها لأفران حروبهم علينا مجاناً!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى