قالت له
قالت له: كُن صديقي. فقد فاضت بي معك كأس الحبّ والفرح، وأشبعتني حتى الثمالة في صناعة ابتسامات تكفي لأوزّعها على الناس. بينما في قلبي حزن قديم مقيم يخجل من الظهور في حضرتك كحبيب، وليس له سبب منك أو معك، ولا أجد من يستحقّ أن ألقي برأسي على كتفه وأبكي سواك، أو لا يحسّ قلبي بالأمان لولاك. فهل كنت صديقي ليوم أفرغ دمعي فيه قبل أن تعود حبيباً صانعاً للفرح؟ وهل كففت بعضاً من الوقت عن إسعادي وتركتني أقطع تعبك ومثابرتك التي لا تملّ ببعض من الألم؟ وأمضينا معاً ساعات للتأفف والقلق والخوف والحزن؟ فلا شك في داخلك مثل ما في داخلي ويكابر كي لا يظهر ضعفك. ولا يثير قلقك ذعر في صدري أو حزنك مأساة عمري. فهل عشنا يوماً طبيعياً كبشر يتعبون ويحزنون ويهاجمهم اليأس ويضعفون؟ وتنازلتَ عن ثوب القوة وتركتني أفقد الشعور بالأمل والإحساس بأن كل شيء تحت السيطرة، وأن الغد لا محالة أشدّ جمالاً من اليوم. فأنا ذلك الوجه الذي يعطي الانطباع بالفرح والشخصية التي توحي بالقوة والعيون التي تلمع بالأمل. أحمل في داخلي ضعفاً وحزناً وقلقاً بما يكفي لتسقط روما في يد الغزاة بلا مقاومة.
فقال لها: هاك كتفي ودعيني أكفكف دمعك عندما يتملّح به مجرى الحزن على خدّك. لكنني لست مثلك أقاوم حزناً وضعفاً ويأساً. فالفرق بيننا أنني أبدأ من الضعف وأنتهي بالقوة وأبدأ من اليأس وأنتهي بالأمل وأبدأ من الحزن وأنتهي بالفرح. لأن الابتسامة التي تشرق على ثغري هي الوردة التي تفتّحت من بذرة كانت دمعة، لكنك تفعلين العكس.
فقالت له: خذ دمعتي المصنوعة من ابتسامات مغدورة، وهاتِ ابتسامتك المتفتحة من دمعة مهدورة.
فتلاقت الشفاه على المآقي، وأغمضا لبرهة قبل أن يتستفيق كلّ منهما على فراشه وهما يتساءلان كيف حدث أن شاهدا الحلم ذاته في وقت واحد، وكلّ منهما في مكان بعيد عن الآخر. ومن أين سقطت على وسادة كلّ منهما قطرة دمع بينما تشرق ابتسامة واحدة على ثغريهما.