مبادرة الرئيس بري لحماية أمن البلد!

أسامة العرب

في خضمّ حياتنا اليوميّة، لا يتسنّى لأغلبنا أن ينظر إلى بعض المسائل المصيرية أو أن يتفكّر في قضايانا الوطنية، في حين أنّ تلك الأمور تتعلق بنا جميعاً، وتمسّ بمصالحنا المعيشية. لذلك فإنّ سلّم قيمنا، هو عمود مجتمعنا الفقري الذي نحن بحاجة إلى أن نتوافق عليه، وهو يدور اليوم حول انتخاب الرئيس أو تجديد الدم بالمجلس النيابي، فيما أيّ سلوك سلبي مغاير يجافي القواعد الخلقية ويسفر تباعاً عن تشويه مُحيّا البلد وملامحه. أما انتظار الحلول الدولية للأزمات، أو التعويل على تسويات خارجية تأتي ضمن إطار مؤتمر دولي يُعقد في الخارج، فهذا الأمر يبدو أقرب للخيال منه للحقيقة، لا سيما أنّ لبنان يتعرض أصلاً لضغوط سياسية ومالية تمارس على بعض مكوّناته السياسية.

فيما يُسجّل لرئيس مجلس النواب نبيه بري بأنه صاحب المبادرات للخروج من الأزمات كلّما تحولت الأمور إلى مصدر تهديد للاستقرار والوحدة وميثاق العيش المشترك.

فالرئيس بري هو من أطلق طاولة الحوار الوطني في العام 2006، وهو مَن وضع السيناريو المحلي لتسوية الدوحة عام 2008، وهو من أخرج الحكومة الحالية من مأزق تشكيلها. وها هو اليوم أيضاً يحاول إخراج الانتخابات الرئاسية من مأزقها ومن الطريق المسدود الذي وصلت إليه، وذلك بعد ما تأكد من أنه لا انفراجات في الأفق المنظور، لا على المستوى الداخلي ولا على مستوى المعادلات والتوازنات الإقليمية. وبالتالي، فإن الحاجة باتت ملحّة لكسر هذه الحلقة المفرغة من الجمود والمراوحة، عبر خلط جديد للأوراق وإعادة ترتيب للأولويات.

ولهذا طرح الرئيس بري مبادرة تقوم على ثلاثة خيارات، الخيار الأول هو أن يتمّ الاتفاق على قانون انتخابي جديد يتمّ تحديد أسسه وطبيعته، وعلى هذا الأساس يتمّ تقصير ولاية المجلس النيابي الحالي، ومن ثم تلتزم القوى كافة بصورة مسبقة بتعهّد أن تمضي إلى جلسة لانتخاب الرئيس في أول يوم بعد انتخاب هيئة مكتب المجلس.

أما الخيار الثاني فهو الذهاب إلى الانتخابات النيابية وفق القانون النافذ حالياً وهو قانون 1960، وعلى أن يتم أيضاً تقصير ولاية المجلس واعتماد الآلية السابقة نفسها بغية انتخاب رئيس جديد للجمهورية. أما الخيار الثالث فهو الذهاب إلى دوحة جديدة لكي تُستحضر على الطاولة كل الملفات العالقة من الرئاسة إلى قانون الانتخاب إلى الحكومة. وقد نالت المبادرة منذ لحظاتها الأولى تأييد النائب وليد جنبلاط وحزب الله ورئيس الحزب الديمقراطي، والحزب السوري القومي الاجتماعي، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، والنائب ميشال المر، كما أنّ التيار الوطني الحر أعلن عن قبوله بالمبادرة، مركّزاً على ما أسماها التمثيل المسيحي القوي والوازن كمعيار للانتخاب.

كما أنّ مبادرة الرئيس بري جاءت في وقتها المناسب، لا سيما أننا دخلنا في العام الثالث من الفراغ الرئاسي، وبالتالي فلا يستطيع أحد أن يرفضها، وإلا فإنه سوف يتّهم بالتعطيل. كذلك فإنّ شبه الشلل الذي يصيب الحكومة والمجلس النيابي لم يعد مقبولاً بتاتاً الاستمرار فيه، ولا التعايش معه، خصوصاً أنّ المأزق السياسي يتعمّق أكثر فأكثر، والفروق كبيرة وحادّة، ومساحات التوافق ضيقة جداً. ففي الثلاثاء الماضي استبعد كافة المواطنين نهائياً إمكانية توصل النواب إلى صيغة مشتركة بين اقتراح الرئيس بري المقدّم من النائب علي بزي 64 أكثري و64 نسبي واقتراح المستقبل والقوات والتقدمي 68 أكثري و60 نسبي ، هذا عدا عن الإحباط الذي خيّم على الأجواء بسبب الخلافات المتعلقة بتقسيم الدوائر، لا سيما في محافظة جبل لبنان ودائرتي عاليه والشوف، وبسبب مطالبة الكتائب أيضاً باعتماد قانون الدائرة الفردية 128 دائرة مصغرة ، وتباين آرائهم مع التيار الوطني الحر وحزب الله، اللذين طالبا بدورهما بوجوب تطبيق النظام النسبي وجعل لبنان دائرة واحدة، أو اعتماد النسبية في المحافظات. وهكذا تأكد الجميع من أن حسم هذه الملفات الرئيسية بحاجة إلى قرار سياسي كبير، وهذا ما عزّز وجهات نظرهم بوجوب إيلاء جلسة الحوار الوطني ومبادرة الرئيس بري كامل اهتمامهم.

ومن هذا المنطلق، فإن مبادرة الرئيس بري تعتبر المبادرة الوحيدة الجدية وذات القيمة بمضمونها، لأنها تهدف لتحصين ساحتنا الداخلية من خلال تشكيل شبكة أمان سياسي واجتماعي داعمة للجيش والمقاومة في التصدي للإرهاب الصهيوني والتكفيري، ورافضة للتوطين بكافة أشكاله، على أن يتمّ ذلك عبر إفساح المجال أمام القوى السياسية لإعادة تكوين السلطة بدءاً من المجلس النيابي وصولاً إلى رئاسة الجمهورية، وذلك حتّى تستعيد بعدها المؤسسات الدستورية الأخرى نضارتها وعافيتها وتنتظم معها دورة الحياة السياسية في البلاد.

ولذلك، فإننا بأمس الحاجة اليوم إلى ملاقاة المبادرة بأجواء صادقة ونيات مخلصة وبإرادات وطنية وبمسؤولية كبيرة وبحسّ سليم من أجل أن نحسن القراءة مرة جديدة في كتاب واحد، كما أن وطننا يستدعي منا جميعاً أن نتنازل عن كل الحسابات الصغيرة وعن كل التفاصيل الضيقة من أجل أن يبقى وطناً للعزة والشهادة والمقاومة والكرامة والحرية والاستقلال. كما أنه من الملائم أن نتوقّف عند أهمية حجب الاهتمام حول تقاسم الحصص السياسية والطائفية، إضافة إلى اعتنائنا بالوحدة الوطنية، وتوجيهنا السكة نحو التخطيط السليم لتشييد الدولة تشييداً صحيحاً في القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة.

وقد يتعرّض الحوار عند قيامه لضغوط خارجية من شأنها أن تشوّهه وتفشل مساعيه، بيد أنّ هذا الخطر يعتبر من معطيات الأزمة وعوارضها، وما هو إلا جزء من اللعبة السياسية. ولكن بمجرد أن نسلّم بأنّ مشكلاتنا داخلية وخارجية في آن، نستطيع أن نبدأ بالتفكير بحلول مثمرة. كما أنّ الواقعية السياسية تفرض حكماً من كافة القوى التوصل إلى تسوية توافقية تؤمّن للبنان الحدّ الأدنى من الاستقرار، لا سيما أنّ الفوضى لا تصبّ في مصلحة أحد.

ومن البديهي أنّ الحلّ السياسي للأزمة يكمن في إجراء انتخابات نيابية مبكّرة، تهدف للتوافق مستقبلاً حول شخص الرئيس. لهذا، فإنّ أول إيجابية تسجّل لمبادرة الرئيس بري بأنّ كافة القوى السياسية التمست بأنّ كلمة السرّ المتعلقة بالملف الرئاسي شارفت على الصدور. وهذا ما لمسناه أيضاً في السابق عندما تبنّت القوى السياسية كافة ترشيح شخصين من قوى الثامن من آذار، في حين كان هذا الأمر محظوراً بالسابق، وكان التوجه وقتها صدامياً.

من ناحية أخرى، فإنّ الاهتمام الدولي مؤخراً بموضوع الرئاسة الأولى بات على أشدّه، لا سيما أنّ مستوى الزيارات الرفيعة الوافدة إلى لبنان لم نشهد لها مثيلاً من قبل، فيما يتزامن ذلك مع حملة شرسة تمارس على المقاومة، بغية جعلها تستسيغ فكرة الرئيس الحيادي الخارج عن اصطفافات الثامن من آذار.

ولذلك، نخشى ما نخشاه في المستقبل القريب، من أن يكون هنالك مشروع فتنوي خارجي مبطّن للبنان، يهدف لضرب وحدته الداخلية وصيغة العيش المشترك فيه، بغية جعله يتخلّى عن سياساته الداعمة للعمل المقاوم. ولهذا، فإننا نثمّن حكمة الرئيس بري الرامية للسعي لتقريب المسافات بين ساسة لبنان حول قضايانا المصيرية، خصوصاً لناحية ضرورة الاتفاق المسبق على تبني كافة الفرقاء لمعادلة الجيش والشعب والمقاومة، بمن فيهم الرئيس الجديد، ذلك أنّ أمن البلد فوق كلّ اعتبار، حفظ الله الرئيس بري رجل المهمات الصعبة.

محام، نائب رئيس

الصندوق الوطني للمهجّرين سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى