تقرير لجنة تقصّي الحقائق حول سورية: حربٌ مفبركة ضدّ دولة مستقلّة

ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

كتب كاليب مورين في «Information Clearing House»:

على شعوب العالم كافة توجيه الأسئلة التالية إلى القادة الغربيين وحلفائهم: لمَ تعمدون إلى إطالة أمد الحرب؟ لمَ تستمرّون في دعم الإرهابيين وتمويلهم؟ ألا تكفيكم خمس سنوات طويلة من الحرب؟ هل صحيح أن الإطاحة بالحكومة السورية يستحق كلّ هذا العناء والموت؟

أعلن الرئيس باراك أوباما، في نيسان الماضي أنه سيعمل على نشر 250 جنديّ أميركي من العلميات الخاصة في سورية. وخلافاً للقوات الروسية والإيرانية المساعِدة على مكافحة الإرهاب في البلاد، فإن أفراد الجيش الأميركي دخلوا البلاد خلافاً لرغبة الحكومة المعترف بها دولياً.

وبموجب القانون الدولي، فإن الولايات المتحدة قد اجتاحت سورية، الدولة ذات السيادة وعضو في الأمم المتحدة. ومع ذلك، فهي ليست المرّة الأولى التي يعبر فيها حاكم آريزونا السيناتور جون ماكين إلى الأراضي السورية من دون تأشيرة دخول للقاء «الفصائل المعارضة» للحكومة والتشاور معها عام 2013. وفيما تحطّ القوات الأميركية ـ ظاهرياً ـ رحالها على الأراضي السورية، بهدف قتال تنظيم «داعش»، إلّا أنها في الحقيقة تعمل على تحقيق هدف واحد لسياسة البنتاغون الخارجية، والمعتمدة منذ فترة طويلة: الإطاحة بالحكومة السورية بوسائل عنفيّة. وفي الوقت الذي ينمو فيه إرهاب «داعش» وغيره من الجماعات المتطرّفة، أضحى الملايين من السوريين لاجئين، فلا بدّ لنا من التساؤل حول الكلفة الباهظة التي تكبّدتها الحكومة الأميركية في سبيل تغيير النظام السوري.

التعليم، الرعاية الصحية والنهضة الوطنية

وُلدت الحكومة الوطنية السورية المستقلّة، المستهدفة حالياً من قبل السياسة الخارجية الأميركية، من رحم النضال ضدّ الاستعمار. فقد عانى الشعب السوري على مدى عقود طويلة، لتحرير البلاد من سيطرة الهيمنة الأجنبية ـ بدءاً من الامبراطورية الفرنسية، ثمّ مع القادة الدمى. وفي العقود القليلة الماضية، برزت سورية كدولة قوية، مستقلّة، تعتمد على نفسها في منطقة شرق أوسطية غنيّة بالنفط، وتعيش سلاماً هادئاً عمّ أراضيها لسنوات عدّة.

ومنذ تحقيق الاستقلال، عمدت قيادات حزب البعث في سورية إلى تحقيق إصلاحات ضخمة لتحسين مستوى المعيشة لدى السكان. وبين عامَي 1970 و2009، ارتفع متوسط العمر المتوقّع حوالى 17 سنة، فيما انخفضت معدّلات وفيّات الرضّع بشكل دراماتيكيّ من 132 بالألف إلى 17.9. ووفقاً لمقال نشرته مجلة «إبن سينا» الطبيّة، تؤكد فيه أن هذه التغيّرات الملحوظة في المجال الصحي، قد جاءت نتيجة لجهود الحكومة السورية في تقديم الرعاية الطبيّة المطلوبة في الأرياف. وفي دراسة حول سورية، نشرتها مكتبة الكونغرس عام 1987، تصف فيها الإنجازات الهائلة في المجال التربوي، وورد فيها أنه إبان الثمانينات من القرن الماضي، وللمرة الأولى في تاريخ سورية، حقّقت البلاد التحاقاً كاملاً من قبل الذكور في المدارس الابتدائية، في مقابل 85 في المئة من الإناث المسجّلات في المدارس نفسها. وبحلول عام 1991، كانت سورية قد حقّقت أهداف برنامج محو الأميّة بالكامل من خلال حملة محو الأميّة الجماعي الذي قادته الحكومة.

يُدعى الحزب السياسي الرئيس في سورية «حزب البعث العربي الاشتراكي». والترجمة الحرفية لكلمة «بعث» هي «ولادة جديدة» أو «قيامة». أما لناحية معايير مستويات المعيشة، فقد مارسها حزب البعث حدّ الثمالة، خالقاً بلداً جميلاً مخططاً اقتصادياً ومنظماً بإتقان. وكانت الدراسة حول سورية والتي عملت عليها مكتبة الكونغرس قد وصفت هذا البناء الواسع في سورية خلال الثمانينات على أنه: «نفقات هائلة لتطوير الريّ، الكهرباء، المياه، مشاريع بناء الطرقات، والتوسع في الخدمات الصحية والتعليمية إلى المناطق الريفية ما ساهم في ازدهارها».

وبالمقارنة مع اليمن الخاضع للسيطرة السعودية، فإن أجزاء عدّة من أفريقيا، وغيرها من أنحاء العالم لم تستطع تحقيق استقلال اقتصاديّ وسياسيّ، لذا، تبدو الإنجازات التي تمكنت الجمهورية العربية السورية من تحقيقها، جذابةً للغاية. وعلى الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على استثمار شركة «شل» النفطية وغيرها من الشركات الغربية، فإن تقرير كتاب حقائق العالم الصادر عن وكالة الاستخبارات المركزية يشير إلى أن نحو 60 في المئة فقط من النيجيريين يعرفون القراءة والكتابة، إضافةً إلى محدودية حصولهم على السكن والرعاية الطبيّة. هذا فضلاً عن وجود أكثر من 18 في المئة من الأميين في غواتيمالا، البلد الذي تهمين الولايات المتحدة على اقتصاده منذ عقود… أيضاً وفقاً لتقرير كتاب الحقائق.

فشل المستعمرون الغربيون على مدى عقود من الهيمنة في تحقيق ما تمكنت الجمهورية العربية السورية من القيام به سريعاً، بمساعدة الاتحاد السوفياتي وغيره من الدول المعادية للإمبريالية. فقد قدّم الاتحاد السوفياتي قرضاً لسورية بقيمة 100 مليون دولار لبناء سدّ الطبقة على نهر الفرات، الذي يشكل العمود الفقريّ للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية. حيث عمل حوالى 900 من التقنيّين والفنيّين السوفيات، على مشروع البنية التحتية التي أدّت إلى إيصال التيار الكهربائي إلى أجزاء كبيرة من البلاد. كما سمح السدّ بريّ جميع أنحاء الريف السوري.

أقامت الصين في الفترة الأخيرة عدداً من المشاريع المشتركة مع شركات الطاقة السورية. ووفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة جورج تاون، فقد استثمرت الصين فعلياً عام 2007 مئات الملايين من الدولارات في سورية في إطار جهودها الرامية إلى تحديث البنية التحتية المتهالكة للنفط والغاز في البلاد.

من غير المقبول، رفض أو شطب هذه المكاسب الهائلة للسكان السوريين، كما يحلو لبعض المعلّقين الغربيين القيام به بشكل روتيني، حيث يشدّدون في أدبياتهم على ترسيخ مفهوم «الأسد الدكتاتور». أما بالنسبة إلى أولئك الأشخاص الحاصلين على الاهتمام العلمي والصحي، فإن هذه الإنجازات تهون. لكن، بالنسبة إلى الملايين من السوريين، خصوصاً الذين يعيشون في المناطق الريفية، وعانوا من الفقر المدقع طوال عقود، فإن أموراً كمثل وصول المياه الجارية، التعليم، الكهرباء، العناية الصحية، والتعليم الجامعي، ستشكل حكماً تغييراً كبيراً وجذرياً نحو الأفضل.

وكأيّ نظام سياسيّ آخر، يقع في مرمى السياسة الخارجية الأميركية، فإن سورية تتمتع باقتصادٍ محليّ قويّ. سورية ليست «دولة عميلة» كغيرها من الدول الخليجية الاستبدادية المحيطة، وغالباً ما تتجلّى سياساتها كتحدٍّ في وجه الولايات المتحدة و«إسرائيل». هذه هي تحديداً الأسباب، لا الخوف والقلق على حرّيات الإنسان هناك، هي ما يحدو بالغرب إلى تكثيف هجماته على البلاد.

تحتاج سورية إلى الإصلاح لا الإرهاب

صادقت سورية عام 2012 على وضع دستور جديد للبلاد، وفي إطار استجابتها لاحتجاجات «الربيع العربي». ووفقاً للدستور الجديد، عقدت سورية انتخابات متنازع عليها عام 2014، وذلك بوجود مراقبين دوليين من 14 بلداً. وما يميز سورية عن غيرها من دول عربية أخرى كالسعودية، قطر، البحرين، وغيرها من الأنظمة العربية الحليفة للولايات المتحدة، هو اعتماد الحريات الدينية في كافة أنحاء البلاد. ففي سورية جماعات دينية سنيّة، مسيحية، علويّة، درزيّة، يهودية، وغيرها من الجماعات الدينية التي تمارس شعاراتها ومعتقداتها الدينية بحرّية كاملة. فالحكومة السورية هي حكومة علمانية، وتحترم حقوق الغالبية السنيّة والأقليّات الدينية الأخرى على حدّ سواء. وإضافة إلى الحرّية الدينية المسموح بها في البلاد، فإن سورية تتسامح بشكل علنيّ مع وجود طرفين قويين ممثلَيْن لمفاهيم الماركسية اللينينية، والمتمثلة في الحزب الشيوعي السوري، والحزب الشيوعي السوري بكداش ، واللذين يعملان كمناهضين علنيَيْن للإمبريالية، كما تعمل النقابات ومنظمات المجتمع الشيوعي بشكل علني في جميع أنحاء البلاد.

وعلى الرغم من أن الرئيس السوري بشار الأسد ينتمي إلى الطائفة العلويّة، فإن زوجته أسماء، سنيّة كغالبية سكان البلاد. وتاريخياً، لطالما كانت المكوّنات الرئيسة المعارضة للحكومة السورية من الإخوان المسلمين، ولا يمكننا التغاضي عن الحلقة الدموية التي شهدتها البلاد بين الطرفين عام 1982. وعلى أمل أن يخفّ هذا التوتر طويل الأمد، فإن للرئيس الأسد عدداً من الوقفات التضامنية مع الطائفة السنيّة في السنوات الماضية. فقد حرص على الانخراط في الممارسات الدينية كما لم يفعل أحد قبله من العلويين، كالصلاة في الجامع ودراسة القرآن. وبعد فترة وجيزة من بدء القتال عام 2011، منحت الحكومة السورية نوعاً من الحكم الذاتي للمناطق الكرديّة، فضلاً عن نقل السلطة السياسية إلى المنظمات القومية الكرديّة اليساريّة. لا شكّ في أن النظام السياسي السوري في حاجة إلى إصلاح وتحديث، والى ممثلين عن الحكومة في الأمم المتحدة كالسفير بشار الجعفري الذي يصرّ دوماً على ذلك. علماً، أن الحرب المستعرة نيرانها ومآسيها في سورية منذ خمس سنوات، لم تشتعل بهدف الإصلاح، او إحلال الديمقراطية أو حتى التحديث.

نشرت شبكة «BBC» ما سمّته «دليل المتمرّدين السوريين» عام 2013. وكان من بين هؤلاء تنظيم «داعش» الشهير، الذي يُرعب العالم الآن، كذلك «جبهة النصرة»، التي كانت تعرف بتنظيم «القاعدة في سورية». أما المنظمات الأخرى مثل «جبهة الإسلام»، «الجبهة الإسلامية للتحرير»، و«كتائب أحفاد الرسول»، فقد أُدرجت أيضاً ضمن القائمة. وبينما يُظهر الإعلام الغربي الحرب الدائرة في سورية على أنها «معركة من أجل الديمقراطية يقودها الثوار»، فإن الهدف الرئيس لجميع هذه التنظيمات، إقامة «خلافة سنيّة» ـ «خلافة» لا يمكن أن تتناسب مع التطلعات السنيّة، إذ من الواضح أنها ستكون نسخة منحرفة مسيّسة عن المذهب السنّي الإسلامي التي أنشاته السعودية بهدف السيطرة على المنطقة إيديولوجياً. إن المنظور الديني الموحد لـ«المتمردين» السوريين، يُفسّر في إطار الإسلام السنّي الذي يُمارَس ويُروّج له في المملكة العربية السعودية، والمعروف بِاسم «الوهابية».

المقاتلون الأجانب الأسلحة الكيماوية والجنود الأطفال

إن العدد الأكبر من «المتمرّدين» ليسوا سوريين. فقد تمّ توظيف الفقراء من جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط للقتال ضدّ الحكومة السورية. وفي البحرين، تجنّد المرافق الرئيسة وتدرّب هؤلاء وترسلهم إلى القتال في سورية. كذلك، تتوفّر معسكرات تدريب مشابهة في عدد دول الخليج المتحالفة مع الولايات المتحدة الأميركية، إضافةً إلى العثور على بعض المقاتلين القادمين من مناطق بعيدة كالفيليبين وماليزيا والمنخرطين في صفوف الوهابيين المصمّمين على دحر الحكومة السورية.

إن هذا التدفّق السريع للمقاتلين «المتمرّدين» إلى سورية، لم يكن أبداً وليد الصدفة. لا بل سهّلت حصوله ووافقت عليه الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها. أنفقت وكالة الاستخبارات الأميركية البلايين من الدولارات على المخيمات التدريبية في الأردن والتي تدرّب المقاتلين المناهضين للحكومة.

تدعم الأنظمة المتحالفة مع الولايات المتحدة، مثل السعودية وتركيا «جبهة النصرة» بشكل علنيّ، كما قتلت المنظمة المرتبطة بـ«القاعدة» عشرات الآلاف من الأبرياء في سورية. ودعا الجنرال دايفيد بترايوس الولايات المتحدة للانضمام إلى هذه الجهود والبدء في إرسال الأسلحة مباشرة إلى «جبهة النصرة».

وقد بذلت الحكومة «الإسرائيلية» جهوداً من خلال مساعدة المتطرّفين الوهابيين وإمدادهم بالعناية الطبيّة اللازمة في أراضي الجولان المحتلّ. كذلك، فإن «إسرائيل» ساهمت أيضاً في مساعدة الولايات المتحدة على تحديد أهداف ضرباتها الجويّة ضدّ الحكومة السورية. وبينما شدّدت وسائل الإعلام الغربية على استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيماوية، فإن مبعوثة الأمم المتحدة كارلا دل بونتي، أكدت أن الأسلحة القادمة إلى المسلحين من الخارج تحتوي منذ بدء القتال على غاز السارين وغيره من الأسلحة الكيماوية.

وبينما يحوّل «المتمرّدون» الحياة في سورية إلى جحيم لا يُطاق، حيث الاختطاف المستمرّ للحصول على فدية، قصف المدارس والمستشفيات، قطع الرؤوس، تعذيب الناس، فإنهم يقومون بذلك بمساعدة الأطفال المجنّدين والموظفين ضمن مجموعاتهم. فالأطفال الفقراء والمحرومون في أنحاء العالم العربي، يُجنّدون للعمل على إسقاط الحكومة بكافة الوسائل العنفيّة، وذلك وفقاً لتقرير نشرته منظمة «يونيسف».

يعيش بين 50 إلى 72 في المئة من السكان السوريين، في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية. وقد أكدت «USAID»، في الوقت عينه، أن المشاركة في الانتخابات البرلمانية في سورية عام 2014، كانت أكثر من 70 في المئة.

وبينما تصطفّ قلّة من السكان المحليين إلى جانب وابل المقاتلين والمتطرّفين الأجانب، المموّلين من القوى الغربية وحلفائها، فهم ملتزمون أيضاً بإسقاط الحكومة السورية، الأمر الذي لا يوافق عليه الشعب السوري. وفي الواقع، فإن الحكومة السورية بقيت قوية، بعد حرب دامية تخطت السنوات الخمس، لأنها مصممة على الاحتفاظ باستقلالها الأمر الذي حدا بالإعلام الغربي البارز كصحيفة «تايمز»، على سبيل المثال، إلى الاعتراف بأنه من الصعب بمكان التوصل إلى خلع الرئيس بشار الأسد.

كيف يمكن للحرب أن تنتهي؟

فيما كان المقاتلون الأجانب يتدفقون إلى سورية، لقِيَ مئات الآلاف من السوريين مصرعهم في السنوات الخمس الماضية، كما استمرّ الإعلام الغربي بإلقاء اللوم على الميديا الغربية وتحميلها مسؤولية الصراع. ومع ذلك، يمكن للحرب أن تكون قصيرة جداً لو لم يستمرّ الدعم الأجنبي للمتطرّفين. فسورية، كدولة مستقلّة ومتمتعة بخططها المحلية لتحقيق كفاياتها الاقتصادية، يمكن أن تشكل نموذجاً يُحتذى في العالم. فقد أثبتت أنها لولا النيوليبرالية والهيمنة الاقتصادية الغربية، لكان من الممكن تحسين ظروف الحياة وتطوير استقلاليتها. فالحكومة السورية قدّمت تضحيات هائلة لمساعدة الشعب الفلسطيني في مقاومته الاحتلال «الإسرائيلي»، ما شكّل عاملاً رئيساً مساهماً في إدراج سورية على لائحة الدول الراعية والداعمة للإرهاب في العالم. فاختارت سورية تدعيم علاقاتها الاقتصادية مع روسيا وجمهورية إيران الإسلامية.

لا يمكن حصر الحرب السورية في الصراع الداخلي. فهي حربٌ فُرضت على سورية من قبل «إسرائيل»، الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من القوى الغربية الرأسمالية. وكانت المروّج الأساس للتطرّف الإسلامي الوهابي حول العالم المملكة العربية السعودية، عميلة الولايات المتحدة. أما تركيا والأردن، حليفا الولايات المتحدة الأميركية وجارا سورية الحدوديين، فأبقيا حدودهما مفتوحة على تدفق الأسلحة وتهريبها، فضلاً عن المعدّات والأموال التي استمرّت بالوصول إلى «داعش» وغيره من الفصائل «المعارضة» للحكومة.

قُتل ما لا يقلّ عن 470.000 شخص، وأُجبر الملايين على ترك مدنهم وقراهم ومنازلهم ليصبحوا لاجئين، كلّ هذا لم يدفع القادة الغربيين وحلفائهم إلى إنهاء حملتهم. فالترنيمة المجنونة التي استمروا ينشدونها «على الأسد أن يرحل» أصبحت حلقة صغيرة محلية فارغة من مكوّناتها الإنسانية واسعة النطاق. فلا شأن للحرب في الدعوة إلى الإصلاح الديمقراطي والاحتجاجات السلمية عام 2011.

وبينما يهدّد «داعش» الآن العالم بكامله، فإن التداعيات المترتبة على حملة تغيير النظام في وول ستريت، والتي روّجت لها منظمات «حقوق الإنسان»، أصبحت الآن أكثر تطرّفاً. حيث تتسابق الحكومة السورية حالياً على إقامة تحالفات مع المسيحيين، الشيوعيين، الثوريين الإسلاميين، وغيرهم من القوى التي تقاتل للحفاظ على الاستقرار ولهزيمة الإرهاب التكفيري. يعود مصطلح «تكفيري» إلى الجماعات السنيّة التي تنظر إلى غيرها من المسلمين على أنهم مرتدّين، وهم يسعون إلى إقامة الخلافة عن طريق العنف .

إن خطة السلام الوحيدة والحقيقية لسورية هي أن تعمل كلّ من الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، بريطانيا، السعودية، تركيا، الأردن، وغيرها من القوى على إنهاء حملتهم الصليبية النيوليبرالية. إذ يمكن لهذه الحكومة المنظمة تنظيماً جيداً، والتي أُعيد انتخابها من قبل الشعب أن تلحق الهزيمة ـ بسهولة ـ بتلك الجماعات المتطرّفة وأن تدحض أولئك «المتمرّدين» إذا توقف التدخل الأجنبي.

وبينما تتحسّر الولايات المتحدة الأميركية على الأزمة الإنسانية، وتلوم الحكومة السورية ورئيسها، ها هي ترسل قواتها العسكرية إلى البلاد، أوليس على شعوب العالم أن تسأل القادة الغربيين وحلفاءهم: لمَ تمدّدون أمد هذه الحرب؟ لمَ لا تتركون سورية بسلام؟ لمَ تستمرّون في تمويل الإرهابيين؟ أليست سنوات خمس من الحرب كافية؟ هل تستحق الإطاحة بالحكومة السورية كلّ هذا الدم وهذا الموت وهذه المعاناة؟

كاليب مورين، كاتب ومحلّل صحافي مقيم في نيويورك سيتي، ويركّز اهتماماته على تغطية أخبار السياسة الأميركية والنظام العالمي للرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية ونتائجها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى