استحقاق الوجود

كان أحد النحويين مسافراً على متن سفينة، فسأل أحد البحارة: هل تعرف النحو؟

فقال له البحار: لا. فقال النحوي: قد ذهبَ نصف عمرك.

بعد عدة أيام، هبّت عاصفة وأوشكت السفينة على الغرق. فجاء البحار إلى النحويّ وسأله: هل تعرف السباحة؟ قال النحوي: لا. فقال له البحار: قد ذهب عمرك كلّه!

تعلّمنا النحو وحفظنا قواعده كلّها، وخضنا مباريات لا تنتهي في حفظ الشعر ونَظمه. حشوا أدمغتنا بكل المناطق الجغرافية في العالم وكل التضاريس والثروات المعدنية والحيوانية، وكدّسنا في عقولنا الفيزياء والكيمياء والفلسفة والتاريخ والكتب الدينية. جعلونا نعتقد منذ الطفولة أننا نعيش في عالم تسوده القيم والأخلاق وتحكمه العدالة. تركونا أسرى أحلام وردية لا حروب فيها ولا قتل ولا اغتصاب. فكنا نقرأ عن الحروب وكأنها أساطير بطولية فقط، ولم يكن يُذكر الجانب الأسوأ وما يجري من جرائم وحشية. علّمونا أننا خُلقنا شعوباً مختلفة لنتعارف ونتآخى ونتبادل المعارف وكبرنا ونحن نحكي بالأخوّة والصداقة وعن الحضارات التي تُبنى بالعِلم والعمل وعن الارتقاء بالأخلاق.

في غمرة محاولاتنا لنستحق إنسانيتنا، ونستحق الارتقاء، نسينا أن في العالم وحوشاً تنتظر لحظة غفلة لتوغل أنيابها ومخالبها في لحمنا. تجاهلنا آلاف الإشارات عن الظلم والقهر والتطرّف في العالم. لم نرَ الجانب الأسوأ الذي كان يجب أن نتحضر له، ليس فكرياً فحسب، فهذا لا يكفي، ففي مواجهة الوحوش من الجيد أن تكون ذكياً ومطّلعاً، ولكن كسب المعركة يستلزم أن يكون سلاحك جاهزاً وقبضتك قوية وترمي خوفك وراء ظهرك. فالخوف يُنهي أيّ معركة قبل أن تبدأ.

صحيح أننا لم نحمل السلاح من قبل، ولم يكن يخطر في بالنا أن نخوض حرباً وحشية بكلّ ما تعنيه الكلمة، ولكن الخوف من خسارة الوطن الذي لا نملك سواه جعلنا ننتفض على سماحة نفوسنا، وعلى براءتنا وطيبة قلوبنا. مناظر الوحوش التي استباحت أرضنا واقترفت ما لم نكن نتصوّره جعلتنا ندرك أننا سنزول إن لم نواجههم ونردّ الرصاصة ببرميل والضربة بألف. كل ما عايشناه من ألم لم يتركنا فريسة للخوف، لأننا لم نكن مُقاتلين من قبل، بل رمينا الخوف وراء ظهورنا ونواصل القتال لنثبت أننا نستحق الحياة.

صباح من يصارعون الوحوش وما زالوا على قيد الإنسانية. صباح من يقاتلون لأجل وطن يستحقّ كلّ التضحيات. صباح الجيش السوري الأسطوري!

وفاء حسن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى