نظام أردوغان بين السندان الألماني والمطرقة الروسية

د.تركي صقر

رغم أنّ بعض المتابعين يعتبر قرار البرلمان الألماني رمزياً وغير ملزم للحكومة، غير أنّه هام في إضافة دولة بحجم ألمانيا إلى قائمة المعترفين بالإبادة الارمينية. وتكمن أهمية ذلك أيضاً في توقيته و المقدمات التي سبقته وتفاعلته داخل الرأي العام الألماني، مما يؤكّد على تدهور العلاقات الألمانية التركية ودخولها إلى مرحلة من التوتر والتصعيد، سيّما بعد التصريحات والتهديدات الهستيرية الصادرة عن رجب طيب اردوغان ورئيس حكومته الجديد علي يلدريم ففي التوقيت تمر العلاقات التركية الألمانية بوجه خاص والتركية الأوروبية بوجه عام بظرف حساس للغاية، نتيجة أزمة اللاجئين التي افتعلها النظام التركي كقنبلة موقوتة قابلة للإنفجار بوجه الدول الأوروبية بأي لحظة، مهددة وحدة الاتحاد الأوروبي ومزعزعة لاستقراره. إضافة إلى استخدام ورقة اللاجئين لابتزاز أوروبا ماليا وسياسيا بشكل دائم، ومن حيث المقدمات فقد ساد موجة من الاستياء على الرأي العام الألماني قبل التصويت، وعلى القرار من سياسات اردوغان الحمقاء الحاضنة لداعش والداعمة لمختلف المنظمات الإرهابية، في سورية ومصر والعراق ومنطقة الشرق الأوسط عموماً .

لقد ظهر التعبير عن هذه الموجة من الاستياء والغضب الألماني من خلال مقالات في الصحف الألمانية، التي توجه فيها انتقاداً حاداً لممارسات حكومة أردوغان من قمع للحريات وسجن الصحفيين وإغلاق بعض وسائل الإعلام، والحرب المجنونة التي تشنّها ضد الأكراد وأخيراً قرارها برفع الحصانة البرلمانية عن أكثر من 130 نائباً والمضي بتحويل النظام البرلماني في تركيا، إلى نظام رئاسي فضلاً عن التحول من العلمانية إلى الأسلمة، وتغيير القوانين التركية في هذا الاتجاه إلى أن وصل الأمر بتناول أردوغان شخصياً بالكاريكاتوريات الساخرة والبرامج الهزلية في التلفزيونات الألمانية ما استدعى قيام أردوغان بإقامة دعاوى شخصية بإسمه في برلين ضد فنانين ألمان.

والسؤال المطروح ماذا ينتظر العلاقات التركية الألمانية بعد قرار البرلمان الألماني .. ؟؟.. هل ستأخذ منحاً تصعيدياً أم أنّه يمكن احتوائها على إيقاع شبكة المصالح الاقتصادية والتجارية الكبرى بين البلدين ؟؟.. يبدو واضحاً من المؤشرات الحالية أنّها لن تبقى كما كانت عليه من الإزدهار، وأنّ هناك إجراءات حادة ضد ألمانيا تتحضر لها حكومة اردوغان، وإنّ حكومة ميركل وضعت في حسبانها الردود التركية العنيفة على القرار والمصالح الكبيرة بين البلدين التي ستتأثر بشكل أوباخر، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بينهما أكثر من خمسين مليار يورو سنوياً وإن هناك أكثر من خمسة ملايين سائح ألماني يأتي إلى تركيا كل عام. إضافة إلى مئات الشركات والمصانع المشتركة، ووجود تعاون عسكري ثنائي متقدم كونهما عضوين في حلف شمالي الأطلسي، حيث اشتركت ألمانيا بالدرع الصاروخي وأرسلت صواريخ باتريوت لحماية الحدود التركية خلال الفترة الماضية، وفتحت انقرة قاعدة انجر ليك شمال تركيا أمام القاذفات الألمانية.

ولعلّ القرار الألماني على رمزيته وفي هذا الوقت بالذات، يحمل رسائل متعددة الاتجاهات ذات تأثيرات سلبية عميقة على نظام أردوغان في مقدمها:

رسالة بإنهاء أيّ فرصة سانحة أمام الحكومة التركية بتجديد طلبها بإلانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وبذلك يتم قتل حلم تركي قديم عمره أكثر من نصف قرن في سعي تركيا لتكون جزءاً من أوروبا والغرب.

رسالة لأردوغان معناها إنهاء فكرة التمادي في الأحلام الإمبراطورية، وعودة السلطنة العثمانية والخلافة الإسلامية وتأجيج الصراعات الدينية، ونقل فيروسها إلى المجتمعات الأوروبية التي تحتضن جاليات مسلمة كبيرة كفرنسا وألمانيا.

رسالة لأردوغان لإيقاف تماديه في رعاية الإرهاب ودعم العصابات الإرهابية، وتحويل الأراضي التركية إلى ساحة تسرح وتمرح بها «داعش» وغيرها وتتمدد نشاطات الإرهابيين إلى الساحة الأوربية تحت سمع وبصر النظام التركي.

رسالة من برلين على تهديدات أنقرة الأخيرة بالتنصل من تنفيذ اتفاقية تسوية أزمة اللاجئين المبرمة، بين تركيا والاتحاد الأوروبي وبذلك يتبدد حلم أردوغان في فرض الحصول على رفع تأشيرة دخول الأتراك إلى منطقة الشنغين.

رسالة لأردوغان توحي بإمتعاض ليس ألمانياً فقط، وإنما معظم دول العالم من سلوك نظام أنقرة في حربه ضد الأكراد، والاستمرار في عقلية الإبادة والتوحش وممارسات القمع والقهر والاستبداد، وتحويل الحكم التركي إلى حكم فردي مطلق .

يضاف إلى هذا وذاك أنّ القرار الألماني يأتي في وقت انكسر انكساراً تاماً المشروع الأردوغاني الإخواني في المنطقة، وتصاعدت خلافات أنقرة مع مصر على نحو غير مسبوق، كما تنحدر علاقاته مع كل دول الجوار، إلى ما دون الصفر بسبب تورطه في الحروب الإرهابية على الآخرين وبناء مشروعه على الأعمال الإرهابية واعتماده الأساسي عليها .أما حليفته الولايات المتحدة الأميركية لم تقبل مشاركته في الحرب على تنظيم داعش في سورية وفق شروطه بتخلي واشنطن عن الأكراد، إضافة إلى شعور حكومة أنقرة بأن الحليف الأميركي قد يتخلى عنها في دفع خطر قيام إقليم كردي على حدودها الجنوبية.

كما يأتي قرار برلين في وقت وصلّت فيه العلاقات الروسية التركية إلى ذروة التأزم، وضربت العقوبات الاقتصادية الروسية – الاقتصاد التركي في الصميم، بعد حادثة إسقاط طائرة السوخوي الروسية على مقربة من الحدود السورية التركية في أواخر العام الماضي. وإذا ما أدى القرار الألماني إلى تدهور في العلاقات الاقتصادية الألمانية فيكون من المحتمل ظهور تعاون روسي ألماني ضد تركيا على قاعدة عدو عدوي صديقي، ويكون الاقتصاد التركي قد وقع بين سندان العقوبات الألمانية ومطرقة العقوبات الروسية، وتكون حماقات أردوغان قد قدمت أكبر خدمة للمعارضة التركية ولكل من ينتظر سقوط وشيك لهذا النظام الإجرامي الأحمق.

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى