ذكرى النكسة ودروسها
عباس الجمعة
تأتي ذكرى النكسة في ظلّ ظروف دقيقة، على المستوى العربي والفلسطيني، وهذا يدعو الجميع إلى مراجعة شاملة في ظلّ الانقسام، ما يتطلب التوصل إلى استراتيجية متوافق عليها واعتماد منهج جديد يُبنى على مشروع الانتفاضة والمقاومة بأشكالها كافة، وعدم العودة إلى المفاوضات تحت أيّ ضغوطات واعتماد الحماية الدولية الموقتة بديلاً عنها، حتى تقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، مع ضمان حقّ العودة للاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شُرّدوا منها، وفق القرار الأُممي 194.
إنّ الوضع الفلسطيني المتردّي نتيجة تمسُّك البعض بحالة الانقسام التي أدّت إلى إضعاف مقاومة دولة الاحتلال وسياساتها وممارساتها العنصرية ضدّ الشعب الفلسطيني، ما يتطلب توحيد طاقات وقوى الشعب الفلسطيني من أجل مواجهة الغطرسة الصهيونية وتوحيد موقف الفلسطينيين تجاه الأهداف الوطنية في العودة والحرية والاستقلال.
الزمن ما بين عام 1967 وعام 2016 يحمل مسافة طويلة من مأساة حقيقية حيث لم تتحرّر الأرض العربية المحتلة في فلسطين والجولان، ومزراع شبعا وتلال كفر شوبا لا تزال محتلة، بينما تهرول العواصم العربية من أجل التطبيع مع هذا الكيان العنصري الاستيطاني الصهيوني، وهنا السؤال: أي سلام يتم الحديث عنه رغم الرفض الجدي والحقيقي لتلك الهزيمة التي لا يمكن محو آثارها كما يبدو سوى بالقوة التي تسند إلى الحقّ العربي الذي تؤمن به الشعوب العربية وقواها الحية؟
ومن خلال قراءتنا للمبادرة الفرنسية نبدي تخوفنا من أن تؤدي هذه المبادرة وهذا اللقاء الدولي الإقليمي إلى تمرير صفقة على حساب الحقوق الوطنية المشروعة وفي مقدمتها القدس وعودة اللاجئين، وأن لا تضمن بوضوح وقف الاستيطان، والضغط من أجل العودة إلى المفاوضات التي لا شكل لها ولا مرجعية، لهذا نرى أنّ النكسة تعيد نفسها بشكل آخر، ما يستدعي مزيداً من التمسُّك ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية والإجماع الوطني وإنهاء الانقسام الكارثي وتطبيق اتفاق المصالحة وبدء معركة ديبلوماسية كبرى في الأمم المتحدة، مع تواصل انتفاضة الشعب الفلسطيني ومقاومته الشعبية بمواجهة الاحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه.
إنّ توفرالإرادة لدينا الآن أفضل فرصة ممكنة لإحراز انتصارات كبيرة على الصعيد السياسي وعلى صعيد الرأي العام العالمي، ولكن حذار من الذين يقولون إنّ وقت البندقية قد انتهى وإنّ هذه المرحلة هي مرحلة العمل السياسي. هذه المرحلة مرحلة النضال والمقاومة، واستمرار الانتفاضة وحمايتها وتصاعدها في كلّ بقعة من الأرض المحتلة هذه هي المهمّة التي تلي مهمة الوحدة الوطنية.
وفي ظلّ هذه الظروف التي تأتي فيها ذكرى النكسة لا بدّ أن نستذكر كلّ الدروس التي قدمتها لنا 49 سنة من النضال من أجل محو آثارها واستعادة الأراضي العربية والفلسطينية، تلك الدروس التي أنتجها النصر أحياناً والفشل والهزيمة أحياناً أخرى، لكنها في المحصلة تتجمع في دروس كبيرة أحرزتها المقاومة الوطنية والإسلامية في لبنان بانتصاراتها، حيث نؤكد اعتزازنا وافتخارنا بوقوفها ودعمها للشعب الفلسطيني.
لهذا نقول إنّ الوحدة الوطنية وأداة الفعل الوطني والقومي ضرورة لا غنى عنها لتحقيق الهدف الذي يجب أن يجتمع عليه الجميع، وأي خلل في المعادلة، خاصة من دول الطوق، ستفقدنا القدرة على توحيد الإرادة السياسية التي تبدو الآن مشتتة في أكثر من اتجاه وحدث، ونحن ننتظر تداعيات الأحداث في الدول العربية في سياقاتها العادية من دون أن نتحرك بشكل جدي لتغيير هذا السياق باتجاه تماسك الجبهات الداخلية والوقوف في مواجهة الهجمة الإمبريالية الاستعمارية الإرهابية التي تتعرض لها دول المنطقة بهدف تقسيمها وتفتيتها إلى كانتونات طائفية ومذهبية وإثنية، وهذا يتطلب من الأحزاب والقوى العربية كافة تسخير طاقات الشباب وجماهير الأمة من خلال العودة إلى البوصلة الحقيقة فلسطين التي يواجه شاباتها وشبابها اليوم العدو المدجّج بالسلاح وبالدعم الأميركي.
أمام كلّ ذلك نرى أنّ صيانة الحرية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية والحفاظ على الخط القومي لا يمكن أن يتم تحقيقهم إلا من خلال المواجهة المستمرة مع المشروع الصهيوـ أميركي لمنطقتنا، هذه المواجهة التي تأخذ أبعاداً مختلفة لا تستثني العمل العسكري ودعم الانتفاضة والمقاومة الشعبية بمواجهة الاحتلال الصهيوني، ومواجهة الهجمة الإمبريالية الاستعمارية، والوقوف إلى جانب المقاومة العربية التي تخوض معركة الأمة من أجل تحرُّرها واستعادة حقوقها، وهذا واجب كلّ مواطن عربي اليوم أن يرفع الصوت عالياً بمواجهة كلّ هذه المخاطر.
ومن موقع تقديرنا للشعب الفلسطيني والعربي الذي هبَّ قبل سنوات في ذكرى النكسة ليرسم بدمائه طريق الكفاح والنضال في هضبة الجولان وعين التينة ومارون الراس وقلنديا وغزة، حاملاً مشاعل التحدي والإصرار ليثبت نقول إنّ فجر الحرية قريب وإنّ الحقوق العادلة لا تخضع للمساومة وحقّنا في العودة يأبى النسيان.
واليوم تثبت انتفاضة الشعب الفلسطيني المتواصلة والفعل الشعبي من أجل دحر الاحتلال وتحقيق الحقوق الوطنية الثابتة، أنّ الشعب الفلسطيني ما زال ينبض بالحياة متشبثاً بجذوة المقاومة وحقه العادل الذي لا يخضع للمساومة.
ختاماً، في ذكرى النكسة نؤكد أنّ الانتفاضة والمقاومة الشعبية بأشكالها كافة هي خيار الشعب الفلسطيني وحرصاً منا أن تبقى بوصلتنا موجهة نحو فلسطين، لهذا يجب أن تتوحّد الأهداف وأن ترتفع القبضات والهامات والحناجر لتهتف سوياً أناشيد العودة والنصر والتحرير، فشباب وشابات الانتفاضة بتضحياتهم يرسمون خارطة الوطن وهم يختزنون طاقات ثورية هائلة، وقادرون على تحقيق المستحيل…
فألف تحية لكلّ قطرة دم سالت قبل سنوات في الجولان وعين التينة وقلنديا وغزة واليوم من خلال الانتفاضة الباسلة، فهذه الدماء حتماً لن تذهب هدراً وستكون وقوداً لمسيرة العودة والتحرير.
كاتب سياسي