الأسطورة.. الله أخذ بطله
نظام مارديني
كنا قد ودّعنا مرحلة الطفولة عندما بدأنا نتعرف على محمد علي كلاي كاسيوس مارسيلوس كلاي جونيور سابقاً عبر المذياع، ولا أزال أتذكّر كيف كنا نستيقظ فجراً لمتابعة مباراة له مع أحد أبطال العالم، وننتظر إعلان فوزه بشغف وكأننا نحن مَن كنا نلاكم وليس هو، وفي إحدى مبارياته مع جو فريزر خذلنا وسقط البطل.
وكلاي، هو حفيدٌ لعبد، ولد في لويفيل، وأصرّ فيها على تعلّم الملاكمة، عندما كان لا يزل طفلاً، لينتقم من مجهولٍ سرق دراجته.
لقد أتقن هذا الملاكم الأسطوري بأسلوب المراوغة كالفراشة والهجوم كالنحلة، كما أنه اشتهر خلال مشواره الاحترافي بسرعة اليد في توجيه اللكمات، وقدمه الراقصة وأسلوب «التحويم»، كما كانت له ذقن قوية وأظهر شجاعة وقدرة على تحمل اللكمات خلال مسيرته العظيمة وكانت له طريقته الخاصة في مهاجمة رأس الخصم، وعادة ما كان يتجاهل ضرب الأجسام.
كان محمد علي محور الاهتمام في خضم الحديث عن الحقوق المدنية، حرب فيتنام، والقوة السوداء، ففترة تألقه بين عامي 1964 و1980 كانت بمثابة القصة التي لم يكن لأي كتاب أن يستوعبها، نظراً لكثرة ما شهدته تلك الفترة من انتصارات، أزمات، نهايات، نهايات زائفة، تحولات، اعتداءات مضحكة، محاكمات ومشاهد مأساوية.
ولكن بعدما أصبح بطل العالم بلا منازع في الوزن الثقيل، صدم الرجل «الأعظم»، كما كان يصف نفسه، الولايات المتحدة في 1967، برفضه أداء الخدمة العسكرية والقتال في فيتنام، وإثر ذلك، سُجن وجُرّد من الألقاب التي حصل عليها، ومُنع من ممارسة الملاكمة لثلاث سنوات ونصف السنة.
ولطالما دافع كلاي عن المسألة الفلسطينية وناصر قضايانا ضد الكيان الصهيوني. ولعل صرخته بأن «أميركا هي معقل الصهيونية وراعيها الأكبر» لا يزال يتردد صداها حتى الآن.
لقد احترف اللعبة بعد فوزه بالميدالية الذهبية في دورة 1960 الأولمبية بروما، وتمكّن وعمره 22 بعد 4 أعوام من إقصاء سوني ليستون عن عرش الملاكمة العالمي بالوزن الثقيل في الجولة السابعة. وفلسفته منذ البداية كانت أن يصيب خصمه بالدوار، وحتى بالهذيان قبل إسقاطه بالضربة القاضية.
لقد أجمع قادة العالم على نعيه، إلا أن بطل الملاكمة الأميركي مايك تايسون كان الأكثر تأثيراً في نعيه: إن «الله جاء ليأخذ بطله».. أما جورج فورمان، وهو أحد أبطال الوزن الثقيل وأحد أكبر منافسي كلاي، فقد غرّد على «تويتر» بالقول: «ذهب جزء مني.. أعظم جزء».
ديفس ميلر، صاحب كتاب «الاقتراب من علي» وصف كلاي بأنه كان ساحراً وهاوياً، إذ كان يُبهر ضيوفه بإخفائه لشال من الحرير أو بقسم قطعة معدنية إلى نصفين ثم إعادتها مجدداً إلى ما كانت عليه. وهذا كان واحداً من الأساليب التي نجح فيها كلاي بسحر جماهيره التي عشقته وأعجبت بطريقة لعبه.
هل كان يتوقع أسطورة الملاكمة رحيله؟
نعم فقد ختم كلاي حياته بـ «تغريدة» عبر صفحة التواصل الاجتماعي «تويتر» قال فيها: «لقد هززتُ العالم بفوزي على سوني ليستون، وبعد مرور 50 عاماً، ها أنا أهزّ العالم بكتابتي تغريدة في «تويتر»، التوقيع محمد علي».