الأسد وخطاب كشف الحساب

ناصر قنديل

– يمكن التأريخ للأزمة والحرب في سورية بثلاثة خطابات للرئيس بشار الأسد، خطابه الأول الذي كاشف فيه السوريين بحرب ستدوم لسنوات تهدف لتغيير موقع بلدهم الهام في الجغرافيا السياسية للمنطقة الأشدّ أهمية في العالم، وكشف نقاط الضعف التي تسللت منها المؤامرة لتصير حرباً، ودعا لصمود طويل، وعنوان واحد هو التمسك بالسيادة والاستقلال والوحدة. وخطاب ثانٍ بعد سنتين من الحرب والصمود، في مطلع العام 2013 تقدّم خلاله برؤيته للحل السياسي، ولا تزال فقرات ومضامين ذلك الخطاب الأوفر والأشمل والأوضح في كل المقاربات التي قدمت تحت هذا العنوان. والثالث هو خطاب الأمس الذي قدّم كشف حساب عن حرب السنوات الخمس، معلناً مهام الراهن ورؤيا المستقبل.

– لم يتغير المشهد الإقليمي بالتواطؤ التركي السعودي مع التشكيلات الإرهابية، ولم تعد سورية وحدها فمعها روسيا وإيران والمقاومة، والعمل السياسي الذي نجح في ربط موسكو لواشنطن بالتزامات السعي لحل سياسي يحفظ وحدة سورية ويحترم سيادتها ويحفظ مؤسساتها، ويكون عنوانه الحرب على الإرهاب، وينتج هدنة بين الدولة والمعارضة التي ترتضي هذه الأهداف، وفّر لسورية والحلفاء فرص توظيف هذه الالتزامات الأميركية في قطف ثمار انتصارات عسكرية في الميدان كتدمر والغوطة، لكن عدم الوفاء الأميركي بهذه الالتزامات عملياً وتغاضي واشنطن عن تواطؤ حليفيها التركي والسعودي مع الإرهاب جعلا العملية السياسية في جنيف بلا جدوى، حيث لا محاور مقابل للدولة السورية، وليس هناك سوى دمى لأشد الأنظمة تخلفاً في العالم وممسحة لأقدام أسيادهم. فالتغيّر الذي أنتجه شعار الصمود في الخطاب الأول والانفتاح على الحل السياسي في الخطاب الثاني، تمثل بانتقال المبادرة السياسية والعسكرية إلى اليد السورية وتيسير مهمة الحلفاء في الوقوف معها، وفي توظيف السياسي في العسكري والعسكري في السياسي، حتى يمكن الحديث عن أول إنجاز بتموضع دولي غير مكتمل، وتعثر إقليمي وداخلي سياسياً، مقابل تبلور مشهد عسكري واعد.

– انطلاقاً من هذه الصورة، من نتاج الصمود والحكمة والشجاعة، نجح السوريون وسيتمسّكون بالنجاح في حماية وحدة بلدهم وأساسها رفض كل صيغة لإعادة تكوين دولتهم على أسس طائفية. فهذه نهاية سورية التي سيبذل السوريون الغالي والنفيس لمنع وقوعها، كما نجح السوريون وسينجحون في حماية سيادتهم ومؤسساتهم، ومحورهما نجاحات وانتصارات جيشهم، سيواصلون هذه النجاحات، فالدستور هو الأصل في أي آلية لحل سياسي، وشعوذات مرحلة انتقالية تتخطّاه لا مكان لها في الحلول المقبولة للنقاش، ونجح السوريون وسيواصلون النجاح في جعل حلفهم مع روسيا وإيران والمقاومة فاعلاً وناجحاً ومتماسكاً، رغم تعرّجات العمل السياسي ومقتضياته وتفاوت الظروف التي تحكم حركة كل من الحلفاء.

– التغيير الإقليمي هو الهدف الذي يغيّر مجرى الحرب، ويمنح العملية السياسية فرصة الحياة، وبوابته أن تشكل حلب مقبرة لآمال وأحلام الرئيس التركي «الفاشي والسّفاح والبلطجي والأزعر» رجب أردوغان، وأن تشكل الغوطة بيئة انتصارات ومصالحات تُسقط فيها أحلام بني سعود، وبالتوازي مع ذلك بناء بيئة صمود اقتصادي واجتماعي تمكّن الناس من المزيد من الصمود، وهم الذين بتماسكهم وتمسكهم بثوابتهم، تنتصر سورية، ولذلك تتزاوج في الخطاب حملة حلب العسكرية مع التبشير بتشكيل حكومة جديدة تتحمّل مسؤولية مواصلة حماية الليرة، وتعطي جهداً حقيقياً لمكافحة الفساد وتوفير المزيد من عناصر القوة للمجتمع وفئاته الأشد حاجة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى