الحكومة المصرية وتحدّيات المرحلة…
بشير العدل
مع قيام ثورة الثلاثين من يونيو/ حزيران كان كلّ أبناء بلادي مصر، وجميع الذين كفروا بـ «ديمقراطية» الإخوان المسلحين، تحدوهم آمال كبيرة أن تكون هناك حالة جديدة تستعيد بها الدولة كيانها، وتعود إلى سابق عهدها وتاريخها كدولة محورية في المنطقة، قوية، أبية، مستقرة. دولة مؤسسات قادرة على الارتقاء بمستوى معيشة أبنائها، وضمان أمن مواطنيها، والانتقال بهم من مرحلة الذل إلى الكبرياء، من المهانة إلى الكرامة، من ذلّ السؤال إلى رغد العيش، من النظر إلى مصالح الجماعة والأهل والعشيرة إلى صالح الوطن وعامة الناس.
ولكن وعلى ما يبدو أنّ كثيراً من أبناء بلادي مصر – وأنا منهم قد أسرفوا في التفاؤل الذي وصل بهم إلى درجة اليقين من اصطلاح الأحوال، وتصحيح الأخطاء، والسير نحو الديمقراطية الحقيقية، التي تقوم على أساس إقامة العدالة بين الناس ومساواتهم في الحقوق والواجبات أمام القانون.
فما أن أزالت قوة الإرادة الشعبية التي خرجت بالملايين في كلّ ميادين مصر حكم الإخوان المسلمين، رافضة سياسة الخضوع والخنوع والتفكير في مصالح التنظيم على حساب الوطن، الا وظهرت الساحة من جديد في مشهد يعيد السيناريو نفسه الذي سارت عليه الجماعة، من دون أيّ تغيير سوى في الشخوص، والمسمّيات والمظهر، والوجهة والتوجه، وظهر على المسرح السياسي هواة جدد، يصولون ويجولون حول مستقبل مصر من دون أدنى معرفة بالسياسة أو علم الإدارة.
صحيح أنّ الحياة في مفهومها الديني، هي دار ممرّ إلى دار مستقرّ، إلا أنّ الرسول الكريم أوصانا بأن نعمل لحياتنا كأننا نعيش أبداً، ولذا كان لا بدّ من التخطيط لحياه كريمة تتناسب مع آدمية وحقوق الشعب، غير أنّ أداء الحكومة والساسة يؤكد في رأيي – أنّ البلاد تفتقد إلى الإدارة الرشيدة، وأنه لا أمل في ديمقراطية حقيقية في ظل إدارة الحكومة الحالية.
فمنذ أن تولّت الحكومة السلطة التنفيذية، لم تنجز شيئاً يتلمّسه المواطن، وأصيبت كلّ وزاراتها بالخمول والكسل، وإن شئت فقلّ الجبن، على مواجهة الأزمات، ولم يظهر لها أيّ أداء باستثناء وزارتي الداخلية والدفاع، اللتين تتحمّلان المسؤولية الكبيرة في حفظ أمن البلاد واستقرارها، وتقومان أيضاً بأداء بعض وظائف الوزارات الأخرى، فضلاً عن كون الحكومة عاجزة عن مواجهة التحديات التي تواجه المرحلة الحالية، فلا هي أعلت من هيبة الدولة في تطبيق القانون في مواجهة الأزمات الراهنة والتي تتكرّر بصورة شبه يومية، ولا هي حققت للمواطن أبسط حقوقه في عيش كريم، من خلال سياسة اقتصادية واضحة، ولا هي نزلت إلى الناس لتتعرّف على مشاكلهم، ولا حتى استمعت إليهم.
فما زال المواطن لا يعرف للمسؤول طريقاً، وما زالت مشاكله قائمة بل تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، وما زالت الحكومة تصمّ آذانها عن كثير من المشاكل وفي مقدّمتها البطالة التي طالت حتى الصحافيين، من دون أن تتحرك أيّ جهة لدراستها أو معرفة أسبابها والوقوف على حلها.
وما زال المواطن يحدّث نفسه متى يشعر بأنه يعيش في دولته، ومتى يرى إعلاماً محايداً ليس بوقاً للسلطة، ومتى يعيد الثقة في تصريحات الحكومة.
وكثير من المشاكل المطروحة على الساحة تؤكد أننا ما زلنا نفتقد الإدارة الجيدة القادرة على إصلاح الدولة، وتحقيق مصالح البلاد والعباد، وفي اعتقادي أنّ الإدارة الحالية تخلق نوعاً جديداً من التطرف في الدولة، لتنتقل البلاد من التطرف الديني، إلى تطرف الأفكار القوادة إلى الخلاعة، وهي أمور لا تستقيم مع توجهات الناس وكفيلة على الأقلّ عندي بأن يكفر الناس بالديمقراطية التي تعدّ لها النخبة أو الإدارة الحالية.
الحكومة في غفلة من الزمان والمكان، وقبل أن أكفر في ما تقول عنه الحكومة أنه ديمقراطية جديدة، عليها أن تتحرك قبل فوات الأوان، لأنّ أداءها الحالي ينذر بعواقب وخيمة، ولا يتناسب على الإطلاق مع تحديات المرحلة، التي تتطلّب وبشكل مباشر تخفيف الأعباء عن المواطن البسيط، الذي لا يفهم فلسفة الحكومة ونياتها، ولكنه يفهم ما يراه تطبيقاً على الأرض وهو ما غاب عن الحكومة وأظن وليس كلّ الظن إثماً أنه يغيب عنها دائماً.