حدود الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة

حميدي العبدالله

ثمة خلافات أكيدة بين الولايات المتحدة وتركيا. هناك من يتحدث عن خلافات لها صلة بممارسات حكومة أردوغان ضدّ الحريات العامة والعودة إلى خيار الحرب ضدّ الأكراد، بدلاً من البحث عن الحلّ السياسي. لكن ليست هذه هي الخلافات الجدية بين واشنطن وأنقرة، فعلى امتداد تاريخ تركيا منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، وتحديداً بعد دخول تركيا إلى حلف الناتو، كانت ممارسات الحكومات التركية المتعاقبة فيها مسّ حقيقي للحريات، وعمر الحرب على الأكراد أكثر من ثلاثة عقود، ولكن كلّ ذلك لم يدفع أحد إلى الاستنتاج بأنّ ثمة خلافات جدية بين الولايات المتحدة وتركيا.

لكن اليوم هناك بعدان إضافيان لهذه الخلافات التي لم تحلّ في السابق دون بقاء علاقة التعاون والتحالف بين تركيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة.

البعد الأول، هو الموقف من أكراد سورية. من المعروف أنّ أكراد سورية في غالبيتهم هم أكثر ولاءً لحزب العمال الكردستاني في تركيا، وتخشى تركيا من أنّ سيطرة أكراد سورية المنتشرين على الحدود التركية السورية، على الشريط الحدودي بما يمتلكونه من أسلحة قد تحوّل هذه المناطق إلى مناطق تشبه جبال قنديل في شمال العراق.

وبديهي من شأن مثل هذا التطور أن يضيف إلى قوة حزب العمال الكردستاني، الذي عجز الجيش التركي عن القضاء عليه طيلة أكثر من ثلاثين عاماً قوة إضافية تجعله قادراً على وضع تركيا بين خيارين لا ثالث لهما: إما قبول التسليم بالحقوق التي يطالب بها الأكراد كاملة، وإما السيطرة عسكرياً على المناطق الواقعة جنوب وشرق تركيا ذات الغالبية الكردية، وكلا الخيارين يشكلان بالنسبة لتركيا تهديداً لأمنها القومي. ويبدو أنّ هذه المسألة هي التي تثير خلافاً ربما غير مألوف بين الولايات المتحدة وتركيا حول الموقف من الأكراد.

البعد الثاني، له صلة بسعي أردوغان وحزبه إلى انتهاج سياسة غير منسّقة بالكامل مع الولايات المتحدة وغير منضبطة باستراتيجيتها في المنطقة، على نحو أوسع مما كانت عليه الحال في سياسات الحكومات التركية التي تعاقبت على الحكم منذ دخول تركيا إلى حلف الناتو للوقوف في وجه المدّ الشيوعي. معروف أنّ الولايات المتحدة لا تقبل مثل هذه العلاقة القائمة على الاستقلال الواسع إزاء السياسات والاستراتيجيات الأميركية التي تستهدف منطقة الشرق الأوسط.

لا شك أنّ هذه الأبعاد قد تدفع العلاقات الأميركية التركية إلى مسار متوتر، لكنها لن تخرجها عن نطاق التحالف المستمرّ منذ أكثر من خمسين عاماً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى