الأردن: أيّ حرية إعلام وديمقراطية وإصلاح؟
هشام الهبيشان
أجزمُ انّ غالبية المتابعين للشأن الأردني الداخلي والخارجي على السواء، لم يفاجأوا، بقرار الصحافية الأردنية أمل غباين باللجوء السياسي، بعد ان اغلقت جميع ابواب الحماية بوجهها، بعد فتحها لملف هامّ وخطير تعرّضت على اثره لتهديدات أمنية من قبل اشخاص كنا نعوّل عليهم ان يقدّموا لها الحماية بدل ان يكيلوا لها سيلاً من الاتهامات والغمز واللمز والتجريح.
في المحصلة أمل غباين لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة بمسلسل اللجوء السياسي، فهناك حالات كثيرة لصحافيين وإعلاميين أردنيّين قرّروا ان ينحوا نفس المنحى في بلد أصبح فيه للفساد وللفاسدين حماية من قبل لوبيات وأشخاص ومسؤولين.
تزايد حالات اللجوء السياسي في الأردن للإعلاميين والصحافيين تؤكد أنّ هناك ممارساتٍ خاطئة، تمارسُها بعض الأجهزة والمؤسسات المرتبطة بالنظام الأردني اتجاه الشعب الأردني، فهناك اليوم العشرات من التقارير والدراسات المحلية والعربية والدولية التي تؤكد أنّ الأردن خلال العقد الأخير على الأقلّ، بدأ يتراجعُ بشكلٍ كبير على سُلّم الترتيبات والتصنيفات العالمية للدول الديمقراطية، فهنالك اليوم حالةٌ غير مسبوقة من التعديات على حرية الآراء والتعبير، وغيابٌ شبهُ كامل للممارسة الديمقراطية الشعبية، وكلُّ هذا يتمّ وسط حالة من التضييق الأمني والسياسي على حرية الإعلام والإعلاميين.
اعتُقل عددٌ كبير من الصحافيين والكتّاب في العام المنصرم، وحتى الفيسبوكيين في الأردن، وتحت ذرائع كثيرة، تحميها للأسف قوانين وتشريعات رجعية قاتلة للحرّية، كما تمّ فصل العديد من الكتّاب والصحافيين من أصحاب الرأي الآخر، المعارض لجزءٍ من سياسة النظام والحكومة الأردنية من أعمالهم الحكومية التي يعتاشون منها، وهناك مجموعة من الضغوط المعيشية التي يتعرّض لها اصحاب الرأي الآخر، وهذه التجربة مررتُ وما زلت أمرُّ بها شخصياً، وهذا طبعاً يدخلُ من باب الترويع لكلّ شخصٍ، يُعارض سياسات قمعية تُفرض على الشعب العربي الأردني.
ومع ذلك سنستمرّ بالمطالبة بمحاكمة الفاسدين والمفسدين، رغم استمرار بعض الدوائر والأجهزة التي تدور بفلك النظام الأردني بإقرار قوانين تضييقية على حرية الإعلام والصحافيين والإعلاميين والكتّاب، وعلى كلّ شخص يُخالف رأي وتوجهات النظام والحكومة في الأردن، فاليوم نرى بشكل غير مسبوق، تضييقاً كاملاً على حرية الإعلام، وهنالك عشرات القضايا المنظورة أمام القضاء، والتي يُحاكم فيها إعلاميون وصحافيون اليوم في المحاكم الأردنية، والهدف هو ترويع وترويض الإعلام ذي الرأي الآخر.
ختاماً، إنّ فتح ملف الحرّيات وأكذوبة الإصلاح في الأردن، يحتاجُ إلى وقتٍ طويل ومقالات عدّة ودراسات عديدة، لتسليط الضوء على حجم القمع الذي تمارسهُ الحكومة الأردنية ومن خلفها بعض أقطاب النظام الحاكم، وبعض الأجهزة الأمنية على حرّية الإعلام ذي الرأي الآخر الذي يخالفُ توجهات النظام والحكومة، وعلى هؤلاء بمجموعهم، أن يعلموا أنّ كثرة الضغط ستؤدّي آجلاً أم عاجلاً للانفجار، وهذه دعوة مفتوحة ومستمرة للنظام الأردني، للتعقل بأفعاله اتجاه من يخالفه الرأي، فالتلويح بالقبضة الأمنية والتهديد بمنع لقمة العيش، قد تجدي نفعاً في الوقت الحالي، ولكنها على المدى الطويل، سترتدّ بشكلٍ سلبيّ على الجميع، فهل سنرى، أسلوب تعامل ديمقراطي وعصري من قبل النظام مع الإعلام ذي الرأي الآخر والبدء الفعلي بمعالجة قضية أمل غباين وغيرها؟ سننتظر الآتي من الأيام…