الأزمة العراقية: المالكي يغادر منصبه والبلد يخطو للتغيير
جيم موير
يصرّ نوري المالكي على أنه ينبغي أن يظلّ رئيساً للوزراء في الوقت الذي سرعان ما استجاب فيه معظم العراقيين والعالم الخارجي لترشيح حيدر العبادي يوم الاثنين الفائت رسمياً لتشكيل الحكومة.
وأظهر كثير من العراقيين والزعماء السياسيين من الطائفة الشيعية التي ينتمي إليها المالكي وكثير من القوى الخارجية، من بينها الولايات المتحدة وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة وإيران، ارتياحاً لخطوة تعيين العبادي.
ويمثل دعم إيران للعبادي إلى جانب واشنطن نهاية لفرص تشبّث المالكي بالسلطة.
وتتمتع طهران بنفوذ فريد بين الجماعات السياسية المتعدّدة وفصائل الميليشيات في المجتمع الشيعي الذي يمثل الأغلبية.
مفرق شديد للمجتمع
ولطالما كانت إيران، والمؤسّسة الشيعية في العراق بزعامة آية الله علي السيستاني، تلمّح أحياناً إلى أنهم يرون المالكي شخصية مفرّقة للمجتمع، بدرجة تحول دون الحفاظ على عراق موحد وبناء حكومة وطنية حقيقية كنقطة انطلاق لحملة تفضي إلى هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان يعرف سابقاً باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش».
فهذه المهمة، إنْ سارت الأمور كما يأمل الكثيرون، ستصبح مسؤوليتها ملقاة ليس فقط على عاتق القوات العراقية، التي انهارت على نحو مذهل في الموصل في يونيو/حزيران الماضي تحت زعامة المالكي، بل أيضاً على قوات البيشمركة الكردية والعديد من الفصائل الوطنية السنية التي طردت تنظيم القاعدة من محافظة الأنبار عام 2007.
وهذه القوى إلى جانب الأميركيين والقوى الخارجية الأخرى، الراغبة في تقديم دعم جوي ومساعدات، ليست على استعداد لخوض حرب نيابة عن المالكي.
وأنحى الكثيرون باللائمة على منهجه الطائفي وتهميشه للسنّة والأكراد كسبب في حدوث أزمة تنظيم الدولة الإسلامية.
ومع إشارة إيران إلى دعمها خطوة تغيير القيادة في بغداد كما فعلت واشنطن من قبل عندما لم تخفِ ارتياحها للتغيير، بدا واضحاً أنّ المالكي خسر دعم القوّتين الخارجيّتين الرئيسيّتين
وكانت الولايات المتحدة وإيران قد دعمتا التفاهم الذي توسّط فيه الأكراد والذي سمح للمالكي بتولّي منصب رئيس الوزراء في 2010 بعد أشهر من الجدل.
واليوم تدعم القوتان خلَفَهُ المرشح لتولّي منصبه.
واستجابة لموقف طهران، اتبعت الفصائل الشيعية العراقية النهج نفسه. ومن بين تلك «الميليشيات» عصائب أهل الحق التي كانت حتى فترة قريبة تمثل قوة دعم لا تلين للمالكي، ونشرت مقاتليها إلى جانب القوات الحكومية في حربها ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية.
وأظهر رئيس الوزراء المتضعضع، والذي كانت فترة رئاسة الوزراء القادمة ستصبح الثالثة له، تحدياً كبيراً عندما شنّ هجوماً على ترشيح العبادي الذي ينتمي إلى نفس حزب الدعوة مثل المالكي.
وكان المالكي قد أظهر استعراضاً للقوة من خلال وضع قوات أمن في شوارع بغداد مساء الأحد الماضي.
ولكن بحلول يوم الثلاثاء تراجعت هذه التعبئة، ودعا موقع المالكي الإلكتروني قوات الجيش والشرطة إلى الابتعاد عما أسماه سابقاً «المعركة الدستورية الخطيرة».
ويبدو أنّ المالكي يخضع بشكل خشن لما هو محتم. بعدما استفاد من السنوات الأربع الأخيرة في بناء شبكة رائعة من الجيش والأمن موالية له.
مهمة جسيمة
كان من المفترض بموجب اتفاق 2010 أن يتقاسم المالكي السلطة مع أياد علاوي الذي تقدم عليه في صناديق الاقتراع بهامش ضئيل. وكان من المفترض أن يتولّى علاوي رئاسة «المجلس الأعلى للأمن الوطني» القوي.
إلاّ أنّ هذا المجلس لم يتكوّن واحتكر المالكي السلطة واحتفظ بحقائب الدفاع والداخلية والاستخبارات، كما أنشأ وحدات خاصة تتبع أوامره المباشرة.
والسؤال هو: حتى اذا تقبّل المالكي التغيير، هل سيسعى إلى الاحتفاظ بدور سياسي على أساس هذه الهياكل؟
من الواضح أنه ستكون هناك حاجة إلى الكثير من إعادة التنظيم، على الصعيدين السياسي والعسكري، إذا أراد العراق بجدية أن يتوحّد وأن يكون قادراً على تحدّي تنظيم الدولة الإسلامية. فلا بدّ من إعادة تشكيل مؤسسة السلطة بأكملها.
«بي بي سي»