الانعطافة الأردوغانية في تعويم الجيش التركي

د. هدى رزق

استطاع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قلب الطاولة على الجميع منذ 7 حزيران 2015، وأدخل تركيا في أتون الحرب مع حزب العمال الكردستاني. انسحب من مجمل السياسات التي اتبعها بعد انفتاحه على الحوار مع عبدالله أوجلان، عن طريق الاستخبارات التركية والاتصال بقيادات جبال قنديل بواسطة حزب الشعوب الديمقراطي، حيث مقرّ حزب العمال الكردستاني.

كانت الجولة الأولى من الحوار قد عُقدت من 2008 إلى 2010، والثانية من 2012 إلى 2015، ولكن قبل بدء كلّ عملية حوار كان هناك تصعيد من حزب العمال الكردستاني وعمليات أمنية واسعة النطاق ضدّهم.

اعتبر أنّ عدم تجاوب الأكراد مع انفتاحه عليهم لإنهاء الحرب التي دامت أكثر من 40 عاماً ستكون وبالاً عليهم، وقال إنّه الرئيس الوحيد الذي بإمكانه إعطاءهم بعض الحقوق والحوار معهم، وهم أضاعوا هذه الفرصة، أيّ مقايضة النظام الرئاسي القوي بالحقوق سياسية.

أزمة ثقة أدّت إلى انفراط عقد الحوار واعتبر أردوغان أنّ حزب الشعوب الديمقراطي الذي تحدّاه في إحدى حملاته الانتخابية حزيران 2015 وهدّد بالوقوف ضدّ النظام رئاسي هو عدوّه الرئيسي في البرلمان.

مع استعادة حزب العدالة والتنمية أكثريته البرلمانية بعد انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 بعد خضات أمنية طالت الأكراد ومنظماتهم الشبابية والمجموعات اليسارية في العاصمة أنقرة. فُتحت الحرب على مصراعيها واستطاع أردوغان أن يقلب صورة الداخل التركي برمّته، إذ أعلّن الحرب على إرهاب «داعش» وحزب العمال الكردستاني، واعتبر غولن وجماعته إرهابيّين. ولم يتأخر في الإعلان منذ أيام أنه تمّ القضاء على 7600 مسلح، منهم من قتل في الاشتباكات ومن أصيب بجروح أو اعتقل، ولم يُذكر وقوع أكثر من 600 من قوات الأمن في اشتباكات وفي العمليات العسكرية. ووفقاً للأرقام الحكومية فلقد دمّر 11,000 منزل في المدن وفي المقاطعات الكردية حيث حاول حزب العمال الكردستاني القيام بانتفاضة مسلحة بهدف فرض الحكم الذاتي في الشرق وجنوب شرقي تركيا.

استطاع حزب العدالة والتنمية رفع الحصانة عن 152 نائباً في البرلمان التركي، بمشاركة بعض نواب حزب الحركة القومية وبعض نواب حزب الشعب الجمهوري. لم يتأخر الرئيس أردوغان في الموافقة يوم 8 حزيران/ يونيو على مشروع قانون يسمح بمحاكمة 117 نائباً في البرلمان انطلاقاً من 799 ملفاً أعدّت ضدّهم، وقال إنّ بعض البرلمانيين دعموا أفعال حزب العمال الكردستاني، لا سيما نواب من «حزب الشعوب الديمقراطي»، لذلك ينبغي محاكمتهم فيما تمّت الموافقة عملياً من قبل المحكمة على إحالة 117 منهم إلى المحاكمة. لكن معظم الملفات المتعلقة بزعيم حزب الشعب كمال كليتشيدار أوغلو هي تهم «إهانة الرئيس حيثُ أصبحت التهمة واحدة من الحالات الأكثر شيوعاً التي فتحت في تركيا منذ انتخب أردوغان في آب/ أغسطس 2014.

جاءت موافقة أردوغان بعدما تمّ تغيير مواقع عدد كبير من القضاة والمدّعين العامين بموجب مرسوم صدر في 5 حزيران/ يونيو 2016. ويعتقد حزب الشعوب الديمقراطي أنّ أردوغان لم يصدّق على مشروع القانون إلا بعدما اتخذ الترتيبات اللازمة في السلطة القضائية، لأنه يمكن السيطرة على العملية القانونية في ما يتعلق بمحاكمة أعضاء البرلمان، بمساعدة القضاة والمدّعين العامين المتعاطفين مع الرئيس و حزب العدالة والتنمية»، فيما يعتبر أنّ رفع الحصانات البرلمانية هو قرار سياسي وانتهاك للدستور.

لعبّت القوات المسلحة التركية دوراً هاماً في القتال جنباً إلى جنب مع الشرطة والدرك، حيث استخدمت الدبابات والمدفعية في المراكز المدنية كما هي الحال في جزرى وشرناق ونصيبين. كانت القوانين العسكرية في الماضي تسمح باستعمال قوة الجيش في عمليات الأمن الداخلي، في حال وجهت لها الدعوات من الحكام المحليين أو من الحكومة نفسها، إضافة إلى مبادرة العسكريين في حال وجود تهديد وشيك أو غير مباشر لكن تمّ تعديل هذا القانون عام 2013، من أجل منع التدخلات العسكرية في السياسة بل حدّدت مهامه في حماية البلاد من التدخلات الخارجية، في حين أوكلت للشرطة والدرك عمليات مكافحة الإرهاب. أما اليوم فقد جرّى إسقاط هذا القانون حيثُ دُعي الجيش لقمع تحركات حزب العمال الكردستاني، أطاع الجيش الأوامر لكن الجنرال خلوصي عكّر طالب بتعديل القانون لأنّ ما يقوم به الجيش غير قانوني. تمّ إرسال التعديل إلى البرلمان، بعد تشاور رئيس الوزراء يلدريم مع الرئيس التركي في أعقاب اجتماع مجلس الوزراء. التعديل لا يُعطي القيادة العسكرية صلاحيات مطلقة فقط، إنما يعطيها صلاحية الحماية في مسائل الأمن الداخلي لذلك ستكون القيادة مشتركة مع الشرطة لمكافحة الإرهاب. وهكذا يستعيد الجيش صلاحيات كان فقدها مع حزب العدالة والتنمية.

يُعيد أردوغان العلاقة تدريجياً مع الجيش منذ الإفراج عن الجنرال التركي «الكر باشبوغ « 2014 شكلت هذا الأمر إشارة أولى ملموسة إلى هدنة بين المؤسسة العسكرية والحكومة، عندما كان رئيسها رجب طيب أردوغان والذي لاحقته في حينها فضائح الفساد، بعد إجراء محاكمات جديدة لمئات الضباط الذين صدرت بحقهم أحكام قاسية بالسجن بتهمة التآمر ضدّ الحكومة. ومؤخراً تمّ إلغاء الإدانات في قضية أركينغون أو مؤامرة الإنقلاب على حكومة العدالة والتنمية 2007. وعزت المحكمة سبب الإلغاء إلى عدم كفاية الأدلة بشأن وجود تنظيم إرهابي. وعلى الرغم من تعاطي القوات المسلحة مع التطورات في سورية وقضايا الحدود والحرب مع داعش إلا إنّ الأمر لم يعقها للمشاركة بفعالية في المناورات العسكرية مع دول التحالف الولايات المتحدة بريطانيا السعودية اذربيجان قطر باكستان وبولندا في عملية مختلطة تشمل مكافحة الإرهاب والحرب النفسية.

انتقد الجنرال التركي خلوصي عكر الولايات المتحدة، أثناء القائه كلمة بعد اختتام هذه المناورات قائلاً: أنّ القوات المسلحة التركية لجأت دوماً إلى حلّ المشاكل من خلال الحوار، لكن لا يتوقع منا أحد أن نتجاهل الانتهاكات التي تطال الأمن والسلام في بلادنا وفي المنطقة. إشارة إلى التعاون الأميركي مع حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الكردية والطلب الأميركي بالعودة إلى الحوار الداخلي مع حزب العمال.

استطاع اردوغان أن يجعل من الحرب على حزب العمال الكردستاني مسألة وطنية، بحيث يلتفّ الجيش والمواطنون الأتراك حوله ما يجعله «بطلاً قومياً» يحافظ على وحدة البلاد بعدما استغلّ أخطاء قيادة جبال قنديل التي اعتبرت أنّ إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية من قبله تعني عدم قبوله بشراكة الأكراد، ما دفعهم إلى إعلان حكم ذاتي وعدهم به إنْ أعطوه أصواتهم من أجل الحصول على نظام رئاسي. حمّل أردوغان كلّ تركيا ثمن سياساته التي يتراجع عنها بشكل تكتيكي، ويسدّد للمعارضة البرلمانية الضربة تلو الأخرى من أجل استكمال مشروعه الرئاسي، متهماً زعيم المعارضة بالخيانة بسبب زيارة قام بها هذا الأخير إلى السجناء والمرضى «بدون تمييز»، وبأنه «سيترك الأمر للأمة» لإعطائه درساً، حدث الأمر بعد تعرّض كليتشيدار أوغلو لهجوم من مجموعة ألقت عليه رصاصة، عندما قدم للمشاركة بجنازة العسكريين الذين قتلوا في التفجير الأخير.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى