الجيش السوري والحلفاء يبدأون التمهيد الناري لعاصفة الشمال تهدئة على جبهة حزب الله – سلامة… والحريري يدرس بالمقلوب
كتب المحرّر السياسي
تشهد جبهات الشمال السوري تصعيداً في الغارات الجوية السورية والروسية أعاد التذكير ببدايات عاصفة السوخوي قبل مطلع العام، فيما يسجل الجيش السوري تقدّماً نوعياً على جبهات الرقة، وتشير الأوضاع في مناطق إدلب وحلب وأريافهما إلى أيام شديدة السخونة، تتزامن مع رسائل دولية وإقليمية وجّهها اجتماع وزراء الدفاع الروسي والسوري والإيراني، طاولت الحكومة التركية بصورة خاصة، لجهة التحذير من مواصلة العبث داخل الحدود السورية وتقديم الإسناد والدعم وتمرير العتاد والسلاح والرجال لحساب التشكيلات التابعة لتنظيم «القاعدة»، بينما تحمل المعلومات الواردة من مدينة حلب، ما يشير إلى تفكك وضياع في وضع الجماعات المسلحة بعد قطع طريق الكاستيلو الذي يشكل الرابط الوحيد بين أحياء حلب الواقعة تحت سيطرة المسلحين، والحدود التركية عبر أعزاز.
على إيقاع هذه المرحلة الحاسمة في تاريخ الحرب السورية، والتطورات التي سترخي بظلالها على المنطقة يعقد الحزب السوري القومي الاجتماعي مؤتمره القومي العام اليوم، بينما مقاتلو الحزب يشاركون في المعارك التي تخوضها سورية شعباً وجيشاً ومقاومة في وجه الإرهاب المدعوم أميركياً و «إسرائيلياً»، والمحتضَن من كلّ من السعودية وتركيا، ويناقش المؤتمرون حال الأمة ومقاومتها ونهضتها، والدور الطليعي المنوط بالحزب في قلب هاتين المقاومة والنهضة، ويتصدّى المؤتمر لمهمة توحيد إرادة المقاومة والنهضة، سواء عبر مبادرات من نوع تشكيل جبهة شعبية لمواجهة الإرهاب، أو الدعوة لقيام اتحاد مشرقي، أو تنسيق القدرات بين القوى التي تلعب دوراً طليعياً في مواجهة الإرهاب، ويقارب القوميون مهامّ حشد صفوفهم ضمن هذا المفهوم، ويقاربون أوضاعهم التنظيمية في مثال على قدرتهم إتقان الممارسة الديمقراطية وما تتضمّنه من تداول للسلطة والإدارة الحزبية، وعشية المؤتمر توجّه رئيس الحزب النائب أسعد حردان إلى القوميّين من خلال مداخلته أمام مندوبي المغتربات،
بالدعوة إلى رصّ الصفوف واستنهاض الهمم، والوفاء للتضحيات، وتأكيد التمسك بما أثبته الحزب من حضور في ساحات المقاومة والمواجهة، كما في ساحات العمل السياسي، كتعبير عن التزامه المبدئي الثابت بمسؤولياته القومية مهما تضاءلت الإمكانات وضاقت السبل.
لبنانياً، أيضاً سجل الرئيس سعد الحريري في إفطاره البيروتي الثاني في رمضان قراءة للدروس التي وعد بقراءتها، لكن بالمقلوب، فبدا أشدّ عدائية بدلاً من أن يكون أشدّ تصالحاً، ووجّه نيرانه صوب حزب الله في محاولة للمزايدة على الذين كسروا زعامته، بدلاً من أن يشقّ طريقه نحو المسؤولية القيادية الإنقاذية التي أظهرت الانتخابات البلدية أنها وحدها طريق الحفاظ على الزعامة التي تسقط تحت ضربات الراعي السعودي والقيادات المحلية المتطرفة، ولن يعيد اعتبارها إلا الإسراع بترميم مشروع الدولة واستنهاض مؤسساتها عبر تسويات عاجلة تحتاج، كما قال ولي العهد السعودي محمد بن نايف عن حروب حكومته، إلى مراجعة الحسابات وإعادة النظر في السياسة والتسليم بمعادلة الخسارة والإقدام على تنازلات مؤلمة.
لبنانياً أيضاً، هدأت نسبياً الجبهة التي شهدت توتراً عالياً بين حزب الله ومصرف لبنان، في ضوء اكتفاء حزب الله ببيان كتلة الوفاء للمقاومة، رداً على كلام حاكم مصرف لبنان الذي أوحى بالإساءة للمقاومة والنية بالتطاول عليها، بينما تولّت مصادر مقرّبة من حاكم المصرف تبرير ما قاله وربطه بسؤال لا يتصل بالمقاومة وحزب الله وتولّى وسطاء نقل الرسائل بين الطرفين لوقف السجال والتمهيد للعودة إلى الحوار الذي سبق أن توافقا على اعتماده طريقاً لتوضيح المواقف وتقريبها، وقد أثمر نسبياً، رغم بقاء مساحة الخلاف قائمة حول العديد من النقاط.
مقرّبون من البنك المركزي يبررون كلام الحاكم
تتواصل أزمة القانون الأميركي ضد حزب الله وأداء بعض المصارف اللبنانية حيال تطبيق هذا القانون بطريقة ملتبسة. وأوضحت مصادر قريبة من مصرف لبنان لـ «البناء» أن «حاكم المصرف المركزي رياض سلامة قصد بحديثه عن إقفال مئة حساب منذ 17 عاماً حتى اليوم، وليس منذ صدور القانون الأميركي»، مضيفة: أما تصريحه بأننا «لن نسمح لعدد قليل من اللبنانيين أن يُفسِد صورة البلاد أو الأسواق المالية في لبنان»، فأتى رداً على سؤال المذيعة له عن تبييض الأموال وأموال المخدرات التي تدخل إلى لبنان، فردّ سلامة بأن «لدينا جهازاً مالياً للرقابة على هذه الحسابات، وبالتالي لا علاقة لحسابات الحزب المالية أو لبيئته الشعبية بهذا التصريح».
وأكدت المصادر أنه «لم يتم إغلاق أي حساب بشكل رسمي حتى اليوم، بل هناك عدد كبير من الحسابات طلبت المصارف من المصرف المركزي إقفالها وفقاً للآلية الجديدة التي اعتمدها المصرف المركزي».
وأشارت المصادر إلى أن سبعة ملفات لحسابات مقدمة من المصارف عرضت في الاجتماع الأخير لهيئة التحقيق الخاصة في المصرف المركزي وقررت الهيئة عدم إقفالها ومنهم رواتب نواب حزب الله ومؤسسة الرسول الأعظم وجمعية خيرية تعود للحزب واتخذت الهيئة هذا القرار في جلسة واحدة ولم تحتَجْ إلى مهلة ثلاثين يوماً بل طلبت من المصارف المعنية عدم إقفالها».
وشدّدت المصادر على أن الآلية المعتمدة حتى الآن أثبتت نجاحها في حل الأزمة بين حزب الله والمصارف، لكنها أوضحت بأن «اجتماعات وفد حزب الله مع الحاكم شيء واجتماع الحزب مع المصارف شيء آخر»، مضيفة أن «هيئة المصارف تبني قرارها على مصدر مبلغ المال وحجمه وحركته، فحسابات رواتب نواب حزب الله معروفة المصدر، ولن تقفل وكل الحسابات المعروفة المصدر وذات حركة ثابتة لن تقفل».
وعلمت «البناء» أن «الآلية التي اعتمدت في الاجتماع الأخير لهيئة المصارف أمس، تمنع اجتهاد المصارف في إغلاق الحسابات لاعتبارات سياسية»، لكنها كشفت أن «هناك مجموعة من المصارف تتصرف بكيدية وترفض تعليمات المصرف المركزي والآن أصبحت علاقتها مع الحاكم، لكنها رضخت في النهاية لتعاميم المصرف المركزي لا سيما مصرف Soci t G n rale وهو أول مصرف بدأ بإقفال الحسابات، تبعه بنك لبنان والمهجر الذي يتحدى الحاكم وقدّم لائحة كبيرة بحسابات إلى مصرف لبنان يطلب إقفالها».
تصعيد حزب الله مفتوح
وفيما أشارت مصادر مقربة من حاكم مصرف لبنان أن رسالة وصلت ليل أمس، من حزب الله إلى سلامة فحواها أن التباساً حصل في فهم التصريح الأخير للحاكم، وتطلب منه عدم التوقف عند البيان الأخير لكتلة الوفاء للمقاومة وضرورة استمرار الحوار»، نفى مصدر مطلع على حوار حزب الله مصرف لبنان لـ «البناء» «صحة ما يُشاع»، مشيراً إلى أن وفد حزب الله لم يتواصل مع الحاكم المركزي، وسيبقى على موقفه المعبر عنه في بيان الكتلة لحين توضيح المعنى الرئيس لكلامه عبر CNBC». ولفت المصدر في الوقت نفسه إلى أن حزب الله سيواصل اجتماعاته الدورية مع الحاكم، لكن لا مهادنة فالمعركة كبيرة، والمشكل وقع بين المصارف من جهة وحزب الله من جهة أخرى، ولذلك كلما تكشفت إجراءات جديدة ازداد التصعيد فالمعركة كبيرة ومفتوحة، والتصعيد قد يكون إعلامياً، لكنه مفتوح إلى أبعد من ذلك تبعاً لتطور ظروف هذا الاشتباك».
وأكد المصدر «أن حزب الله لم ولن يبادر إلى فتح اشتباك إعلامي مع الحاكم، وبيان الكتلة الأخير جاء رداً على الكلام الذي توجّه به إلى الرأي العام»، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه بعد الاجتماع الأخير الذي حصل بين وفد حزب الله والحاكم المركزي تتطلّب من مصدر الكلام أي الحاكم تصحيح الالتباس وإصدار موقف يتوجه به إلى الرأي العام وهذه الخطوة إن حصلت فستكون بمثابة إشارة إيجابية سيتلقفها حزب الله لا سيما وأن الأجواء التي رافقت الاجتماعات بينهما كانت مقبولة إلى حدٍ ما، وإن لم تتوصل إلى حل جذري للأزمة».
القومي يعقد مؤتمره العام اليوم
إلى ذلك، يعقد الحزب السوري القومي الاجتماعي مؤتمره القومي العام اليوم السبت، تحت شعار: «لحزب أقوى ودور أفعل». وأكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان أنّ الحرب على سورية، إنما هي حرب تدميرية تستهدف إسقاط الحاضنة الأساسية للمقاومة، ولتصفية المسألة الفلسطينية تصفية كاملة، وندرك جيداً أنّ هناك دولاً في العالم العربي تسير في هذا الركب، وهي متآمرة على سورية وعلى المقاومة، لذلك قرّرنا أن نكون في موقعنا الطبيعي في ساح الصراع مع الجيش السوري في مواجهة المجموعات الإرهابية المتطرفة، لأننا نعي جيداً أنّ هذه المجموعات على اختلافها واختلاف مسمّياتها وتسمياتها، هي أذرع تعمل لمصلحة العدو الصهيوني والقوى الاستعمارية التي تحمل مشروع التفتيت والتدمير لشعبنا وأمتنا. وأشار حردان خلال لقاء عقده مع مسؤولي فروع الحزب في الاغتراب وأعضاء المؤتمر العام القادمين من الاغتراب، بحضور عميد شؤون عبر الحدود حسان صقر وهيئة العمدة. إلى حجم وفظاعة العدوان على الشام، معتبراً أنّ الأموال الطائلة التي صُرفت، والتضليل الإعلامي الذي مورس ولا يزال، هو لتغطية المجازر والجرائم التي ارتكبت بحق السوريين والتمهيد لإسقاط الدولة، لكن لو أنّ الدولة سقطت في الشام لما بقي لبنان ولما بقي الأردن ولما بقيت المنطقة كلها.
وأردف حردان: نحن حزب الوحدة، حزب المقاومة، حزب الديمقراطية، وحزب الحق والحرية والصراع، لذلك نعرف مواقعنا جيّداً، ولأننا نعرف مواقعنا جيداً، فإنّ مواقفنا واضحة وضوح الحق، ثابتون على مبادئنا، حاسمون في خياراتنا، متمسكون بحقنا القومي وبوحدة بلادنا. ولذلك أطلقنا مبادرات عدة، واحدة لقيام مجلس تعاون مشرقي بين كيانات ودول الهلال الخصيب، للوصول إلى علاقات تعاون وتعاضد بين هذه الدول، ومبادرة أخرى لقيام جبهة شعبية لمكافحة الإرهاب، من أجل توحيد كلّ طاقات شعبنا في المواجهة المصيرية ضد أعداء شعبنا. وهذا يدلّل على طبيعة توجهاتنا الوحدوية، وكما نطرق الأبواب لترسيخ ثقافة الوحدة في أمتنا وتأكيد وحدة أرضنا في مواجهة مخططات التفتيت والفدرلة، فإنّ أبواب حزبنا المقاوم مفتوحة لمن أراد وحدة حقيقية فاعلة في المجتمع.
لا جديد عند الحريري التصعيد ضد حزب الله «زيّ ما هو»
في سياق آخر، يجتمع المكتب السياسي لتيار المستقبل برئاسة الرئيس سعد الحريري مطلع الأسبوع المقبل لتقويم نتائج الانتخابات البلدية، وأداء بعض مسؤولي التيار والعلاقة مع الحلفاء في 14 آذار، خصوصاً حزب القوات. إلى ذلك عاد الحريري ليطل يومياً في الإفطارات الرمضانية التي بدأها أول أمس. وخصص إفطار الأمس لسياسة لبنان الخارجية، معتبراً أمام السفراء العرب المعتمدين في لبنان أن لبنان تمكّن من تجنّب امتداد النيران الإقليمية إليه بحكمة مكوناته السياسية وتضحيات جيشه وقواه الأمنية، زاعماً أن حزب الله دفع بنفسه إلى حرب مجنونة في سورية بطلب من إيران، وأنه يجاهر بتدخله في عدد من البلدان العربية الأخرى، من اليمن إلى البحرين والعراق، في وقت يمنع بطلب من إيران أيضاً، اكتمال النصاب في البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس للجمهورية، منذ أكثر من عامين. وأشار إلى أن غالبية اللبنانيين ومن كل الطوائف يتمسكون بانتمائهم إلى العروبة وبالإجماع العربي ويرفضون تدخل إيران بشؤون أي دولة عربية، وقال: «سنعمل على ترميم علاقاتنا العربية حتى عودة السياح والمستثمرين وعودة لبنان إلى كنف العروبة سياسياً واجتماعياً وثقافياً.»
وأشارت مصادر مطلعة لـ «البناء» إلى أن «خطاب الحريري لم يحمل أي جديد، فهذا الخطاب هو تكرار للموقف المعروف الذي هو ارتداد للموقف السعودي المحافظ على طبقة هجوم عالية على حزب الله، تحمّله مسؤولية كل الهزائم التي عاشها وعاشتها السعودية. فالحريري يفاوض حزب الله ويحافظ على وتيرة تصعيده ضده». ولفتت المصادر إلى أن فوز الوزير المستقيل اشرف ريفي في انتخابات طرابلس البلدية، وتطرف الجمهور السني جعلا الحريري يشعر أنه بحاجة أكثر للحفاظ على هذا المستوى التحريضي من الخطاب، وهذا تعبير عن مأزق يعيشه».
ريفي يسوّق لقهوجي أو يحرق أوراقه!
وكان سبق إطلالة الحريري كلام لوزير العدل المستقيل أشرف ريفي أكد فيه أن نتائج انتخابات طرابلس البلدية أضعفت المرشحَين الرئاسيَّين لقوى 8 آذار في المدينة. وأشار إلى أن «من يمثلون طرابلس على طاولة الحوار فقدوا تمثيلهم». وأشار ريفي إلى «أن قائد الجيش العماد جان قهوجي هو أحد المرشحين الأساسيين، لكن علينا أن نرى في هذه المرحلة أي مواصفات تحتاج لأننا مرتبطون بوضعٍ إقليمي مأزوم».
وأشارت مصادر في تيار المستقبل لـ «البناء» إلى أن الوزير ريفي يحاول أن يعطي دلالات استراتيجية لانتصار بلدي محدود. وتقول «صحيح أنه نجح في قطف الانتصار في طرابلس، وعمل على تحويله إلى نتيجة سياسية، لكنه لا يستطيع القول إن ورقتَي مرشحي 8 آذار العماد ميشال عون والوزير سليمان فرنجية حُرقتا والتسويق لقائد الجيش العماد جان قهوجي»، فهذا الشأن الرئاسي أكبر منه بكثير، وفرنجية لا يزال مرشح الرئيس الحريري. وتضيف المصادر «صحيح أن قائد الجيش شكل قوة دفع لريفي في مكان ما، لكن تحية رئيس تيار المستقبل لقهوجي أمس، في الإفطار كانت لافتة ودليل أن العلاقة بينهما تبقى اعتباراتها أكبر من أن يستطيع ريفي أن يدخل فيها أو أن يؤثر عليها». في المقابل رأت مصادر في 8 آذار لـ «البناء» أن هذا المنطق الذي عبّر عنه اللواء ريفي لا يخدم قائد الجيش بقدر ما يضرّه، فهل يقبل قائد الجيش أن يكون مرشح مشروع التطرف في لبنان؟