أردوغان يستعجل إعادة تشكيل تركيا
هدى رزق
فاز أردوغان في الانتخابات الرئاسية بما يقارب الـ52 في المئة من أصوات الناخبين الأتراك في 10 آب. لقد كانت توقعات شركات الإحصاء وتلك التي أنجزها حزب العدالة والتنمية تشير إلى نسب تتراوح بين 54 و58 في المئة. لا شك في انها كانت انتخابات حامية استخدمت فيها كل الأسلحة وكانت على درجة عالية من التوتر والعدائية، لم يترك أردوغان للحظ ممراً واحداً، بل استغل كل ثغرة وفرصة للهجوم على خصومه على رغم توقعات أشارت جميعها إلى تأكيد فوزه إلا أنه استنفر قاعدته والآلة الإعلامية إلى أقصى الحدود، ووضع جميع إمكانات الدولة كونه رئيساً للوزراء في خدمة انتخاباته ولم يأبه للاعتراضات ولا للقوانين التي تنادي بتوفير فرص متساوية للمرشحين مالياً وإعلامياً. استغل الأحداث السياسية الإقليمية لا سيما حرب غزة وموقف «إسرائيل» العدائي وأضاء بقوة على معتقده الديني وركز على مذهبه السني ووضعه في أعلى المراتب بالنسبة إلى المعتقدات الأخرى .
تفوق أردوغان على حزبه. فالحزب نال 50 في المئة في انتخابات عام 2011. هذا يعني أنه سيكون مرتاحاً في إعادة تشكيل الحزب واختيار رئيسه الذي ربما سيكون رئيساً للحكومة التي يطمح بتشكيلها. إن المادة الدستورية 101 تحتم على الرئيس المنتخب الانسحاب من الحزب وعضويته بعد فوزه لذلك هو يستعد إلى انتقاء خلفه. لقد أجّل الجولة التي يفترض بالرئيس القيام بها لشكر مؤيديه، كما هي العادة بعد الانتخابات عاد إلى العمل مباشرة ودعا إلى اجتماع لقيادة حزب العدالة والتنمية من أجل انتخاب رئيس جديد. هل سيستطيع تحقيق طموحاته بهذه النسبة التي حصل عليها والتي تعتبر دون طموحاته مع الاستحقاقات الداهمة؟ إن إعادة تشكيل السياسة في تركيا انطلاقاً من حزبه هو موضوع أساسي بالنسبة إليه، هو مفتاح النجاح في انتخابات 2015 أو الفشل .
لقد بدأ عهد أردوغان الذي أطلق عليه تسمية «تركيا الجديدة» وهذا يعني العمل الحثيث على تحويل النظام من برلماني إلى رئاسي قوي، يمكّنه من جمع السلطات في يده. لقد حان الوقت بالنسبة إليه للتفكير بسياسة خارجية جديدة لا سيما أن تركيا جزء من المنطقة المشتعلة والمتغيرة .
يريد مواجهة الداخل بأحصنة جديدة في الحزب تدعم مواقفه وتشد أزره. صحيح أن المعارضة ضعيفة ولم ينل مرشحها كمال الدين إحسان أوغلو سوى ما يقارب الـ39 في المئة بعد نسبة الـ43 في المئة التي حققتها في الانتخابات المحلية، لكن المؤشرات الانتخابية تدل على عدم قدرة هذه المعارضة المشرذمة على مواجهة سياسات أردوغان وتشير إلى انفضاض جمهورها من حولها بسبب إخفاقاتها في اجتراح حلول سياسية ومواكبة المتغيرات الحاصلة إقليمياً ومحلياً، هي اكتفت بانتقاد صعود العدالة والتنمية متأخرة .
لم تنته حرب أردوغان على الداعية غولن بعد. لا تشعر جماعة «الخدمة» بالأمن في دولة تُعلَن فيها الحرب على المصارف الغير موالية لأردوغان بقوة الدولة، ويُتهَم فيها الموظفون الأمنيون المسؤولون عن ملفات تحقيق حساسة بالتجسس، وتقوم فيها الدولة بمطاردتهم بحجة «الدولة الموازية» غير الموجودة أصلاً في القوانين، ولا تسير فيها قواعد المنافسة العادلة الخاصة بالديمقراطية على نحو مضبوط. قسم كبير منهم لم يشارك في الانتخابات بل استنكف.
تلوح بوادر خلافات داخل حزب العدالة والتنمية بدأت تظهر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. والخوف من أن تقود سياسة أردوغان الجديدة في الحزب إلى انشقاقات بعد محاولات لإقصاء الحرس القديم أو اتهامهم بالتآمر بعد ما لاحت بوادر محاولات استفراده في إعادة موضعة سلطته عبر الجناح الشاب الأردوغاني في حزب العدالة والتنمية الجديد.