مبادرة للسيّد نصرالله تجمع السعودية وإيران على الصحن اللبناني
روزانا رمّال
ليس جديداً أن يدعو السيد نصرالله في خطابه إلى التلاقي بين الفرقاء اللبنانيين كما دعا في خطابه الأخير، المخصص لإحياء ذكرى انتصار لبنان على العدو «الإسرائيلي» في تموز آب 2006، وذلك من أجل التوصل إلى حلول للمشاكل العالقة أياً كانت، وليس جديداً ترحيب حزب الله بأي حوار بين اللبنانيين حتى لو ناقش في استراتيجية دفاعية جديدة، تقدم حلاً لمشكلة سلاح يضمن الدفاع عن لبنان يود خصومه طرحها، كل تلك الدعوات للتلاقي كانت دعوات تلاقي من أجل « السياسة « لكن دعوة نصرالله الأخيرة كانت التلاقي من أجل «الوجود».
إنها الحرب الوجودية التي تحدث عنها السيد نصرالله، من موقع مسؤول لا يريد أن يقلل أو يسخف من قيمة ما يجري، فيسهل انزلاق الأمور إلى ما هو أخطر بكثير وهو خطر تمدد الدولة التكفيرية وتوسعها لتصل لبنان، وبعده وقبله فهي مشروع إنشاء كيان جديد مكتمل العناصر يمكن أن ينجح إذا تم التساهل معه، كما سبق وتساهل المعنيون من عرب وأجانب في نشوء كيان «إسرائيل».
التلاقي الوجودي لحماية وجود الدولة اللبنانية ما هو إلا رغبة حزب الله وموقفه مما يجري، وهو إقرار من جهة الحزب أن سياسته المقبلة ستكون وضع كل الأمور والخلافات جانباً، والتعاون بوجه خطر امتداد دولة داعش آملاً أن تلقى هذه الدعوة داخلياً النتيجة المرجوة في لبنان، وخارجه، فهي ليست فقط للبنانيين إنما لكل دولة مستهدفة من داعش، في بلدان يتصارع فيها الأفرقاء ضمن الوطن الواحد، لأن صد مشروع التكفيريين يجب أن يتصدر على كل خلافاتهم فبقاء دولهم هذه المرة بخطر.
من موقع المسؤولية يؤكد نصرالله، أن حزبه لن يقف جانباً أمام من لا يريد تحمل المسؤولية، لكن أهم ما قاله نصرالله بعد توصيفه خطورة المشهد الزاحف إلى بوابات الدول يشكل نافذة عبور جدية وملفتة تضع لبنان في واجهة قلب أحداث المنطقة ومتغيراتها، وللعارفين بمواقف نصرالله وما يطلق من معادلات وقدرة على التقاط الإشارات والرسائل، هو ما قاله بوضوح: «المقاومة في لبنان ستغير المعادلة كما غيرتها في حرب تموز 2006، و«لبنان الصغير سيغير مسار المنطقة».
لا يمكن لقائد مقاومة بحجم السيد نصرالله وبحجم تأثيرها، وبما تملك من انتصارات كبرى غيرت مسار المنطقة وحسابات الغرب و «الإسرائيليين» باعترافهم فيها، أن يوازي نصر تموز والأمل فيه، بنصر من نوع آخر مؤمل فيه سوى يقين آخر وإيمان بموقع لبنان.
من هنا فان دعوة السيد نصرالله هذه للتلاقي مع الفرقاء اللبنانيين ليست سوى مبادرة داخلية تمهد لمبادرة إقليمية كبرى، يضع السيد عمادها في لبنان ويكون هو واجهتها بمعرفته وقدرته على تلقف السياسات الخارجية لحلفائه وخصومهم، وسلوكهم الذي يتطلب نوعاً آخر من التفكير بحجم رموز كالسيد نصرالله قادرين على صناعة ومأسسة التلاقي من لبنان بصناعة لبنانية للقوى الإقليمية، وبطريقة أوضح فانه وبعد أن فشل الإيرانيون بالتقارب مع السعوديين، وبعد عجز السعوديين بسبب عنادهم عن التجاوب مع عدة دعوات مفتوحة من إيران للحوار، وبعد أن بدأ مسار غير معلن وغير مباشر بخطوات في العراق تمهد للتلاقي وتضعه على طريق أسهل، قرأ نصرالله الأحجام ووضعها على الطاولة بين أهمية لبنان بالنسبة للسعوديين، وحجم الاستعداد الإيراني لتلبية نداء المقاومة بلا الشعور بالحرج، وهي حليفهم الأول في المنطقة، اتضح لنصرالله أن ما يمكن فعله من لبنان اليوم هو تماماً بقياس حرب تموز ونتائجها، فأطلق مبادرته، وهو الذي يعرف تماماً أن الحريري لن يجرؤ من دون قبول سعودي على تلقيها، وهو، أي الحريري، أهم رموز السنة العرب في بلاد المشرق المهددة بداعش.
تعرف قيادة المقاومة أو حزب الله بشخص السيد نصرالله حجم ما تقدر عليه من لبنان، كما تعرف ما سينتج من تجاوب الحريري في مزاج السنة العرب، بعد تفهم خلفيات إيران وتلقفها للمبادرة، وتعلم أسباب عدم التجاوب السعودي وكيفية فك إحراجها عبر بوابة الحريري.
يقول السيد نصرالله في مبادرته للإيرانيين: «نعلم ما فعلتم وحجم حرصكم على التلاقي مع كل الفاعلين في المنطقة وخصوصاً السعودية، وكم بذلتم من جهود، ونعلم أنكم فعلتم من البوابة العراقية الكثير الكثير، وأنكم لا تمانعون أن تكمل المقاومة ما بدأتم، وتصل به إلى بر الأمان تماماً كما أسسنا من لبنان معاً ولسنوات ما بعد الحرب ومستقبل «إسرائيل» برمتها، ويقول للسعوديين إنكم راغبون بالتلاقي لكن العناد يمنعكم من الإقدام، ونفهم إرسالكم الحريري إلى لبنان لنفهم عليكم أنكم عبره تفكون إحراج التلاقي وعبر لبنان تمدون الجسور مع إيران، وها نحن نقول لكم وصلت الرسالة، وها هي يدنا، لكن التلاقي ليس مجاملات ولا رسميات، بل تنازلات متبادلة وجدية لتأسيس مناخ جديد.
هذه المرة وبفهم نصرالله لرغبة الإيرانيين ولحاجة السعوديين يقدم لبنان ساحة إشعاع وأمل للتحالف على إنهاء داعش في المنطقة، فيجتمع تشكيل لبناني إقليمي دولي حول الصحن اللبناني، من واشنطن إلى دمشق وما بينهما طهران والرياض، لما فيه من عناصر جذب وإثارة وأهمية ومصدر اهتمام فابتكر نصرالله وبادر.