حردان: نضالات القوميين وتضحياتهم جعلت الحزب في صلب المشهد العام وصمود الشام وقوى المقاومة ودعم الحلفاء أعادت صياغة اللوحة الدولية

عقد الحزب السوري القومي الاجتماعي مؤتمره القومي العام اليوم السبت 11 حزيران 2016 في فندق السنترال ـ ضهور الشوير، تحت شعار: «لحزب أقوى ودور أفعل في مواجهة التفتيت والارهاب» وشارك في اعمال المؤتمر ثمانمائة عضو.

وقد افتتح رئيس الحزب النائب أسعد حردان المؤتمر، وطلب الوقوف دقيقة صمت تحية لشهداء الحزب والأمة.

بعد ذلك ألقى رئيس مكتب المؤتمر نزار سلوم كلمة تمهيدية، ودعا بموجب النص الدستوري إلى انتخاب هيئة جديدة لمكتب المؤتمر، فتمّ انتخاب حنا الناشف رئيساً لمكتب المؤتمر وسعيد معلاوي نائباً للرئيس، وكلّ من فداء سعيد وعادل حاطوم، وكبرئيل قبلو نواميس…

بعد ذلك، استمع المؤتمرون إلى تقرير رئيس المجلس الأعلى الوزير محمود عبد الخالق، وقد تلاه ناموس المجلس الأعلى جورج ديب، وتضمّن التقرير شرحاً لأعمال السلطة التشريعية، ومجمل التشريعات التي أقرّتها خلال السنوات الأربع الماضية.

تقرير السلطة التنفيذية

ثم قدّم رئيس الحزب النائب أسعد حردان تقريراً شاملاً عن أعمال السلطة التنفيذية خلال السنوات الأربع الماضية، ومواقف الحزب وإنجازاته، لا سيما على صعيد دوره في مقاومة الإرهاب والتطرف، ومواجهة مخططات التفتيت والتقسيم.

وقال حردان في تقريره للمؤتمر: إننا إذ نجتمع اليوم لإنجاز استحقاق دستوري في موعده، يرتسم أمامنا ذلك المشهد العظيم الذي نكوّنه نحن السوريين القوميين الاجتماعيين القادمين من مختلف مناطق الأمة ومدنها وبلداتها وقراها، من العراق والأردن وفلسطين والشام ولبنان، ومن بلدان الاغتراب…

إننا بما نكوّنه ندلّل بحق على أنّ الحزب هو دولة الأمة السورية المصغّرة كما قال سعاده العظيم وهو الخميرة التي نأمل ونعمل على أن ينضج مستقبل سورية بها.

أضاف: ينعقد مؤتمرنا القومي الاجتماعي العام، في ظروف استثنائية تمرّ بها أمتنا، حيث حرصت المؤسسات الحزبية على انعقاده في موعده الدستوري رغم الظروف الصعبة والتحديات القاسية.

وقال حردان: تشهد أمتنا تحديات بالغة الخطورة والتعقيد، فالعدو اليهودي العنصري دخل مرحلة التمكّن في تثبيت احتلاله لفلسطين والجولان وأجزاء من لبنان، وقد نجح هذا العدو بفعل الدعم الغربي له، نجح في جذب دول عربية وإقليمية إلى ضفته، وقد خرج هذا الأمر من السرّ إلى العلن، حيث نشهد لقاءات علنية بين القادة الصهاينة ومسؤولين عرب، ولم يعد خافياً أنّ هناك تنسيقاً قائماً بين دول عربية عدة والعدو «الإسرائيلي»، خصوصاً في ما خصّ الحرب على الشام وقوى المقاومة.

وتابع حردان: بفعل التنسيق غير المستتر بين العدو اليهودي وبعض الدول العربية، نجح هذا العدو في استيلاد تيارات ومجموعات إرهابية متطرفة تنفذ مخططاته ومشاريع القوى الاستعمارية التي تهدف الى تفتيت أمتنا وتجزئتها وتدمير مكامن قوتها، ومحاولة تصفية قواها المقاومة، وإنّ الحرب التي تُشنّ على الشام منذ خمس سنوات، وتعاظم إجرام المجموعات الإرهابية في الشام والعراق، هي ترجمة حرفية للمؤامرة التي توصل في أحد مراميها إلى تصفية المسألة الفلسطينية.

لقد أحدثت حروب ما يسمّى «الربيع العربي»، اختلالاً في موازين الاصطفافات لمصلحة «إسرائيل»، إذ أنّ دولاً إقليمية وعربية كانت تزعم الوقوف في ضفة المشروع الذي يناهض الاحتلال «الإسرائيلي» صارت اليوم بالعلن جزءاً فاعلاً في مشروع التدمير والتفتيت الذي يستهدف بلادنا والعالم العربي.

وأردف حردان: على الرغم من الاصطفافات الإقليمية والعربية إلى جانب المشروع الاستعماري الاحتلالي، شكّل صمود الشام وقوى المقاومة ودعم الحلفاء، حائلاً أمام المشروع المعادي، وأستطيع القول أنّ هذا الصمود، والتضحيات التي بُذلت، أعادا صياغة اللوحة الدولية، بإسقاط الولايات المتحدة الأميركية من كونها قطباً أوحد يتحكّم بالسياسات والمسارات الدولية، لمصلحة تعدّد القطبية العالمية، وها نحن نشهد عودة روسيا الاتحادية قوة جبارة، والصين قطباً رئيساً أساسياً، ودخول إيران في صلب المعادلة الإقليمية كاسرة الحصار والضغوط من بوابة الاتفاق النووي.

وأشار حردان إلى تزامن انعقاد المؤتمر مع مرور مائة عام على مؤامرة «سايكس ـ بيكو» التي قسّمت أمتنا إلى كيانات، وفتّتت نسيجها الاجتماعي، وحوّلته من شعب واحد موحد إلى مجموعة قبائل متناحرة.

إنّ مؤامرة «سايكس ـ بيكو» الاستعمارية، لم تقتصر أهدافها وأخطارها على تجزئة بلادنا والهيمنة عليها ولا على تشظية شعبنا واستلاب إرادته وإضعاف قواه، بل انّ هدفها الرئيس هو إلغاء هوية هذه الأمة، وطمس معالم حضارتها وتصفية حقها ووجودها، وهو ما تَكشّف في «وعد بلفور المشؤوم» بعد عام واحد على «سايكس ـ بيكو» ليوكد أنّ تجزئة بلادنا هو التمهيد العملي لقيام كيان الاغتصاب الصهيوني ليس على أرض فلسطين وحسب، بل على امتداد كلّ أرضنا السورية.

تثبيت حقيقة وحدة الأمة

«سايكس ـ بيكو» و«وعد بلفور» والتخاذل العربي أسباب جلبت قبل مائة عام كلّ هذا الويل على أمتنا، وقبل ثمانية عقود ونيّف تأسّس حزبنا على مواجهة الويل ومفاعيل التجزئة ولكي يُعيد للأمة وحدتها، أرضاً وشعباً، فسخّر القوميون الاجتماعيون كلّ نضالهم وتضحياتهم، وما بذلوه من دماء زكية على امتداد الجغرافية السورية، من أجل تثبيت حقيقة وحدة الأمة وصون هويتها القومية الحضارية.

وأكد حردان أنّ مسيرة النضال القومي تجسّدت مقاومة في مواجهة العدو اليهودي وهذه المقاومة شكّلت عائقاً أساسياً أمام استكمال الأهداف التي انطوت عليها «سايكس ـ بيكو» ووعد بلفور، وقرار المقاومة الذي اتخذه حزبنا نهجاً وخياراً، منذ معارك فلسطين ضدّ اليهود في العام 1936، شكّل ضالة شعبنا بمعظم قواه، وشكّلت الشام حاضنة رئيسة لقوى المقاومة، الأمر الذي دفع بالقوى الاستعمارية ومعها «إسرائيل» إلى البدء بمؤامرة تقسيم المُقسّم، من خلال مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، ووضعت آلية لتنفيذ «سايكس ـ بيكو» الجديدة من خلال ما عُرف بالفوضى الخلاقة تحت مسمّى «الربيع العربي».

ولفت حردان إلى أنّ تقرير السلطة التنفيذية للمؤتمر القومي العام المنعقد سنة 2012، قدّم توصيفاً دقيقاً للخطر الذي يتهدّد بلادنا والعالم العربي قاطبة. ورأى أنّ «الربيع العربي» الذي دهم المنطقة بشعارات الحرية والديمقراطية والتغيير، وشكّلت قوى ومجموعات ودول عديدة أدواته، رأى فيه مشروعاً تفتيتياً أخطر من «سايكس ـ بيكو» ويستهدف القضاء على مقاومة شعبنا وإسقاط الدول الحاضنة للمقاومة وتصفية المسألة الفلسطينية، وبالتالي القضاء على فكرة الوحدة، وتحويل بلادنا إلى محميات دينية وطائفية ومذهبية وقبلية تخدم غرض قيام الدولة الدينية اليهودية وتمكينها من فرض هيمنتها الكاملة على المنطقة.

ورأى حردان أنّ تفعيل دور الحزب في الشام عسكرياً وسياسياً، شكّل تحدّياً صعباً، نظراً لظروف موضوعية، وقد استطاع الحزب تجاوز المعوقات التي نشأت في طريقه، ونجح في أن يكون جزءاً أساسياً من مشهد الميدان السوري، فانخرط القوميون الاجتماعيون في المواجهة تعبئة وتحشيداً، وانتظم المقاتلون منهم ضمن تشكيلات نسور الزوبعة، وخاضوا إلى جانب الجيش السوري والقوى الحليفة، أشرس المعارك من درعا والسويداء إلى دمشق وريفها وحمص وحماة وإدلب وحلب واللاذقية، وقد ارتقى عشرات الرفقاء الأعزاء الأحباء شهداء، نُحيّيهم بتحية الوفاء والثبات، ومن خلال هذا الدور الريادي وهذه المشاركة الفاعلة في الحرب ضدّ الإرهاب تَعزّزت الصدقية العالية لحزبنا، واكتسب الحزب تقديراً مُضاعفاً من مختلف الشرائح الشعبية ومن المواقع الرسمية على حدّ سواء، وصار القوميون مضرب مثل في شجاعتهم وإقدامهم وسلوكياتهم النضالية.

حضور على مختلف المستويات

وقال: إنّ نضال القوميين في ميدان مواجهة الإرهاب، انعكس حضوراً على مختلف المستويات، فأصبح الحزب جزءاً أساسياً في المشاورات والحوارات الداخلية في الشام، وقدّم أفكاراً ورؤى للحلّ السياسي، وأعدّ ورقة سياسية متكاملة ضمّنها تصوّره للحلّ السياسي والإصلاحات المطلوبة، كما أصبح الحزب في صلب المشهد السياسي العام، من خلال مشاركته في الاجتماعات واللقاءات الدولية حول الأزمة السورية، إلى مشاركته في الانتخابات النيابية وفوزه بكتلة نيابية مؤلفة من 6 أمناء ورفقاء في المحافظات الأساسية ضمن قائمة التحالف مع القيادة السورية وحزب البعث العربي الاشتراكي، الأمر الذي جاء بمثابة إسقاط لكلّ محاولات إضعاف الحزب.

وأشار حردان في تقريره إلى المبادرة التي أطلقها الحزب من أجل قيام مجلس تعاون مشرقي، وما لاقته من ترحيب، مؤكداً مواصلة الجهد لإحياء وترسيخ فكرة وثقافة الوحدة وضرورات العمل المشترك بين دول الهلال السوري الخصيب. كما أشار إلى طرح الحزب مبادرة قيام جبهة شعبية لمكافحة الارهاب، ووضع آليات عمل في سبيل تحويلها إلى واقع مؤسساتي، وهذه المبادرة أصبحت جزءاً من الخطاب السياسي للعديد من القوى السياسية، وحين تصبح مبادرات الحزب وطروحاته في أساس الخطاب السياسي لقوى شعبنا مهما كانت اتجاهات هذه القوى، فهذا يصبّ في تعزيز ثقافة المواجهة ضدّ مشروع التفتيت والتجزئة الذي تحمله النسخة الجديدة لـ«سايكس ـ بيكو».

وأضاء حردان على دور الحزب الأساسي والفاعل في هيئة الحوار الوطني معتبراً أنّ الحزب سجّل مواقف وطنية لا طائفية، مشدودة إلى الثوابت والخيارات التي نؤمن بها. وأكد على ثابتة التمسك بثالوث الجيش والشعب والمقاومة، وضرورة انتخاب رئيس الجمهورية وسنّ قانون انتخابات وتفعيل المؤسسات ومعالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والأزمات المستفحلة على الصعد كافة.

وقال حردان: لقد ساهم وجود الحزب على طاولة الحوار الوطني، في حصر النقاش بالمسائل الجوهرية، المتصلة بتفعيل المؤسسات والاهتمام بقضايا الناس، وحين تصاعد الحديث عن الاستراتيجية الدفاعية في محاولة من فريق 14 أذار لوضع المقاومة في خانة الاستهداف، واجهنا هذا الاستهداف، بتأكيد أنّ فريق 14 آذار لا يُقدّم أفكاراً حول الاستراتيجية الدفاعية، بل هو يمارس دوراً مشبوهاً يرمي إلى نزع سلاح المقاومة. وأكدنا أنه في ظلّ احتلال العدو لأرض لبنانية فإنّ سلاح المقاومة هو جوهر الاستراتيجية الدفاعية. وعليه، قدّمنا في جلسة 26 حزيران 2012، رؤية واضحة للاستراتيجية الدفاعية، عنوانها الأول العمل على تسليح الجيش اللبناني وتعزيز قدراته في مواجهة العدو الصهيوني، وهذا ما أحرج المطالبين بنزع سلاح المقاومة وجوّف كلّ طروحاتهم، لأنهم يدركون أنّ هناك «فيتو» أميركياً ـ «اسرائيلياً» على تسليح الجيش، وقد تأكدت مفاعيل هذا «الفيتو» بتراجع حلفاء 14 آذار عن الهبات لتسليح الجيش.

ولفت إلى أنّ الحزب وضع في جلسات الحوار الممتدّة من أيلول حتى تشرين الثاني 2015، 6 جلسات ، وضع الحزب خارطة طريق لكلّ المواضيع المدرجة على الطاولة، وأبرزها تحديد مواصفات رئيس الجمهورية والتأكيد على ثابتة خيار المقاومة، ورفض منطق النأي بالنفس حيال الإرهاب. وقد اتسمت مشاركتنا في الحوار، بالحرص الدائم على المصلحة الوطنية، وكلما رأينا جنوحاً في الحوار نحو مواضيع غير أساسية، واجهناه، ولعبنا دوراً رئيساً في توجيه النقاش بالاتجاه الصحيح.

وأوضح حردان أنّ تسمية النائب تمام سلام لرئاسة الحكومة من قبل نواب الحزب جاءت في سياق المناخ الإيجابي الذي كان سائداً حينذاك، للخروج من الأزمة التي تعصف بلبنان، وقد عبّرنا في موقفنا عن تفاؤل حذر، وأكدنا ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية تُعزز السلم الأهلي وتُحصّن الاستقرار والوحدة الوطنية وتكبح الخطاب الطائفي والمذهبي حتى يشعر اللبنانيون جميعاً أنها حكومة تعبّر عن تطلعاتهم. كما أكدنا أنّ الظرف الاستثنائي الذي يمرّ به لبنان يستدعي تشكيل حكومة سياسية قائمة على الوفاق بين الأفرقاء لردم الهوّة القائمة المتمثلة بحالة الانقسام. وأكدنا وجوب ان تلتزم الحكومة ثوابت لبنان ووثيقة الوفاق الوطني وأولوية التعاطي مع الأراضي التي يحتلها العدو الصهيوني، والتمسك بالمعادلة الذهبية الجيش والشعب والمقاومة وأهمية العلاقة بين لبنان والشام والالتزام بما نصّ عليه اتفاق الطائف لجهة أن لا يكون لبنان مقراً أو ممراً للتآمر على الشام، وضرورة العمل على إعادة العلاقات الطيبة بين البلدين ومنع تسلل المسلحين وتهريب السلاح للمجموعات الإرهابية. وشدّدنا على أولوية سنّ قانون انتخابات يقوم على الدائرة والواحدة والنسبية.

وقال: إنّ الحكومة التي مضى على تشكيلها عامان ونيّف لم تحقق المصلحة الوطنية كما أعلن رئيسها، ولم تتوصل الى قانون انتخابي ولم تتحمّل مسؤولياتها كاملة حيال تفاقم أوضاع اللبنانيين، ما يعني أنّ التفاؤل الحذر الذي أعلنا عنه كان محقاً. والحكومة التي كنا نأمل أن تعيد العلاقات الطيبة مع الشام، راكمت مشكلات عديدة على اللبنانيين، أبرزها مشكلة النزوح السوري، بحيث لا تزال هذه الحكومة تنأى عن معالجة هذه المشكلة مع الحكومة السورية، ما يعني أنها تتعامل مع القضايا الأساسية بذهنية الفريق وليس بذهنية المصلحة الوطنية الجامعة وما نص عليه اتفاق الطائف.

وأضاء حردان على دور فروع الحزب في العراق والأردن وفلسطين المحتلة وفي المغتربات، كاشفاً عن حضور كبير للحزب في هذه الكيانات وعن تطوّر علاقات الحزب السياسية مع أحزاب وقيادات رسمية.

وأشار رئيس الحزب إلى تفرّد الحزب بالردّ على دعوة الجامعة العربية في العام 2013 الى مبادلة أراض فلسطينية بأراض فلسطينية، واعتبر أنّ هذا الأمر يشكّل تنازلاً فاضحاً يؤدّي الى تصفية المسألة الفلسطينية. كما دعا إلى قيام انتفاضة فلسطينية ثالثة.

وأكد أنّ إنجاز المصالحة الفلسطينية خطوة لإعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية، وقد يدفع هذا المستجدّ على الساحة الفلسطينية إلى رسم صيغة علاقات جديدة تؤثر في مجرى الصراع وتُعيد فلسطين إلى صدارة القضايا التي تشكل دمشق قلب معادلتها القومية الاستراتيجية.

ويوم أمس تابع المؤتمر القومي العام أعماله، حيث استكمل مناقشة تقريري السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأوراق المؤتمر وتوصيات المؤتمرات الفرعية، وأقرّ المؤتمر جملة من التوصيات والمقرّرات أكدت على ثوابت الحزب النضالية وخياراته القومية، والتمسك بنهج المقاومة والصراع ضدّ العدو اليهودي وضدّ قوى الإرهاب وداعميها، والتشديد على الوحدة القومية في مواجهة مشاريع التجزئة والتفتيت التي تتهدّد أمتنا.

كما تمّ إقرار توصيات تتعلق بشوؤن سياسية عامة، وحزبية داخلية تندرج في سياق تفعيل دور الحزب على المستويات كافة.

الورقة الأساسية

كذلك تلا رئيس مكتب المؤتمر نزار سلوم الورقة الأساسية فتمّ إقرارها، ومما جاء فيها: قرن كامل مضى على توقيع اتفاقية «سايكس بيكو». بل قرن كامل انقضى على تلك الجراحة الجيو – سياسية التي قطّعت أمتنا ومزقتها نتفاً تحت مسمّى دول مستقلة ، بعد أن أودعت في جنوبها المشروع الصهيوني الذي أقام دولته بعد الحرب العالمية الثانية ولا زال يستكمل برنامجه إلى الآن.

خلال قرن انقضى، وعلى جسد هذه الخريطة المذبوحة والمدمّاة، قامت دول – كيانات متعدّدة، وجرت حروب مع «اسرائيل» ومع غيرها، وخسرت أمتنا مزيداً من أراضيها التاريخية في شمالها وجنوبها وشرقها، وتعثّرت برامج دولنا ولم تتمكن من ترسيخ مرجعيتها، فوقعت تحت مناخ عدم الاستقرار، فظلّ المجتمع بمرجعياته التقليدية متمرّداً عليها وإنْ كان يخافها كما هي تخافه، فبدا مصيرهما المجتمع والدولة على ارتباط وثيق بالإرادات الخارجية. …

قرن كامل انقضى ونظام سايكس بيكو يظلّل المنصّة الجيو – سياسية السوريّة الأشدّ التهاباً في العصر الراهن، والمزدحمة بالمشاريع الخارجية والقادمة والمتدخلة من مختلف الجهات وسط تلك الفوضى الهائلة الاجتماعية والسياسية، التي تهدّد على نحو مباشر المعنى التاريخي للمجتمع في مكوناته ونسيجه وثقافته وحضارته.

إنّ سورية الطبيعية، الآن، هي أعلى منصّة جيوسياسية في العالم، فهي مرئية ومشاهَدة من أقرب نقطة إليها وحولها إلى آخر عاصمة بعيدة عنها. وهي حافلة بالأحداث غير المسبوقة في العصور الحديثة، تعجّ بالمنظمات الإرهابية والإرادات الدولية وأسلحتها وأساطيلها البحرية والجوية، مزدحمة حتى الاختناق، وبمقدار ما فيها من مشاريع إقليمية دولية متصارعة ومتجابهة، فيها من الفوضى ما يجعلها أكثر موقع استقطابي، راهناً، للاستراتيجيات الطموحة والسياسات الطامعة وأجهزتها ومرتزقتها والتي وجدت مستقراً لها في بيئات اجتماعية مشّوهة ومريضة تكشّف وضعها عن آفات تاريخية تكاد تكون غير قابلة للشفاء.

موقعنا في الجانب المقاوم

نحن أهل هذه المنصّة وأصحابها، وسط هذا الاختناق الاستراتيجي، نأخذ موقعنا في الجانب المقاوم عن وجودنا وتاريخنا وحضارتنا ومستقبل أمتنا في معركة غير مسموح أن نخسرها مهما كان الثمن الذي سنقدّمه، لأنّ خسارتنا لها تعني، تحديداً وبالمعنى الحرفي، خسارتنا لسورية ولعهود طويلة آتية ستكون كالحة السّواد حتماً.

فخلال السنوات القليلة الماضية 5 سنوات تغيّرت أمتنا، وتغيّرت المنطقة الإقليمية المحيطة بها، كما تغيّر العالم أيضاَ.

وحول توصيف الوضع العالمي أشارت الورقة إلى أنّ النظام الأحادي القطب بدا في لحظات عمره الأخيرة، بالرغم من ازدياد درجة تبعية أوروبا للولايات المتحدة، غير أنّ روسيا ظهرت كقوة مقابلة وقادرة على امتلاك الشروط الكافية للاتجاه نحو نظام عالمي جديد يحاكي النظام الثنائي القطب، وتمكّنت في حالتين مثالين جيوسياسيتين من إظهار تلك الشروط وتلك القوة: في أوكرانيا وفي الشام، غير أنّ النفحة البراغماتية للسياسة الروسية أدّت في النهاية إلى إنتاج نظام عالمي ثنائي خافت أو باهت يكاد يكون لا قطبيّ بالمعنى التقليدي، ما أدّى استطراداً إلى حضور متزايد للأنظمة الاقليمية المتعدّدة ودولها التي بدأت تمايز أنفسها أكثر من أيّ وقت سابق في العصر الحديث.

وفي مجال مؤكد ومتكافل، بدت منظومة دول بريكس: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا كمنظومة دولية قادرة على تقديم بدائل تساهم في وضع حدّ لهيمنة واحتكار المنظومة الأمرو – أوروبية للملامح العامة للنظام الدولي، على التوازي مع اقتراب الصين من انتزاع الصدارة الاقتصادية من الولايات المتحدة خلال العقدين المقبلين، كما تشير معاهد الأبحاث الأميركية تحديداً، إذا ما استمرّت وتيرة ودرجة النمو الاقتصادي على ما هي عليه راهناً، ومن المؤكد أنّ الانقلاب السياسي الذي وقع مؤخراً في البرازيل من شأنه إضعاف قوة هذه المنظومة.

لقد أدّت العولمة، في سياق امتلاك أدواتها من قبل النظام الأحادي، إلى انكشاف المجتمعات الضعيفة ووقوعها تحت مرمى استراتيجيات الدول العظمى، بأقلّ تكلفة ممكنة، فبدت، من جهة أولى، وسائل الإعلام، وبالأخصّ الإعلام الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي كسلاح ماض وشديد الفعالية، وقد ظهرت فعاليته تماماً في أحداث تونس ومصر وأوكرانيا واليمن وليبيا والشام. كما بدت الأنظمة المالية، من جهة ثانية، في مختلف دول العالم خاضعة للنظام المالي والقانوني للولايات المتحدة الأميركية.

ولقد خيّم الإرهاب ولا يزال على العالم برمّته، وفي الوقت الذي حقق فيه إنجازات غير مسبوقة في العراق والشام واليمن وليبيا ونيجيريا، بدت عملياته في الدول الغربية وكأنها خسائر جانبية ، فيما بدا واضحاً أنّ الإرهاب أمسى استثماراً بمردود استثنائي، تستخدمه دول كبرى وإقليمية لتحقيق وإنجاز أهداف جيو – سياسية، وسياسية… يبدو هذا الاستثمار في أوضح تجلياته في مثالي: الشام والعراق.

كما اتخذ منتدى الدول المصدّرة للغاز، وأهمّ دوله روسيا وإيران، منحى يؤسس للتحكم بسوق الغاز العالمي، في محاولة لتجنّب النتائج الحاصلة من تحكّم الولايات المتحدة بسوق البترول منذ سبعينيات القرن الماضي، غير أنه ولهذا الوقت لم يظهر بصورته القوية الموازية لقوة الدول النفطية.

وبدا الاتحاد الأوراسي روسيا، بيلاروسيا، كازخستان، قيرغستان وأرمينيا في طريقه نحو إنجاز السوق الموحدة كما يخطط لذلك في العام 2025، كما يتجه لضمّ مزيد من الأعضاء من جهة، وتقوية علاقته مع منظمة آسيان رابطة دول جنوب شرق آسيا من جهة مقابلة باتجاه الوصول إلى سوق اقتصادية موحدة أولى أركانها سوق الطاقة . ذلك كله يجعل من هذا التكتل الدولي مرشحاً لأخذ مكانة رئيسية في الخريطة العالمية، مقابل تراجع مكانة الاتحاد الأوروبي المرتبك بأزماته المتلاحقة وباحتمال خروج بريطانية منه، وتعرّضه للتفكك.

وتعتبر الهجرة غير الشرعية، إلى الاتحاد الأوروبي، بالأرقام الكبيرة التي حققتها في العام 2015، ذات أبعاد استراتيجية: اقتصادية، سياسية، ديموغرافية وأخلاقية. وفي الوقت الذي تستثمر فيه دولة مثل تركيا لعمليات اللجوء على المستويين السياسي والاقتصادي وتبتّز دول الاتحاد الأوروبي على نحو واضح، تبدو القوى والتيارات السياسية الأوروبية، في الوقت نفسه، منقسمة إزاء التعامل مع هذه الأزمة، ويبدو اليمين المتطرف في خط تصاعدي في أوروبا فرنسا وألمانيا كمثالين واضحين .

وفي توصيف الوضع الاقليمي قالت الورقة:

لقد عادت إيران، رسمياً، إلى العالم السياسي الاقليمي والدولي، مع نهاية أزمة الملف النووي، فتكرّست كقوة اقليمية كبرى ذات نفوذ واضح في المجال الممتدّ من باكستان إلى اليمن وسورية الطبيعية بكياناتها المختلفة فضلاً عن غيرها.

وتجاوزت مصر مرحلة حكم الإخوان المسلمين، ولكنها لم تتمكن إلى الآن من استعادة دورها الاقليمي التقليدي، ولا زالت في وضع دفاعي على المستوى الجيو – سياسي، ووضع مأزوم على المستوى الاقتصادي فضلاً عن الاجتماعي. وفي النهاية هي في وضع قلق وغير مستقر …

وأشارت الورقة إلى أنّ السعودية أعلنت نفسها كما هي حقيقتها: مملكة عائلية بمذهب وهّابي، مع هدف دائم هو استمرارها كما هي وبأيّ ثمن، حيث لا محرّمات في هذا السبيل، لا في الداخل ولا في الخارج قمعها لانتفاضة البحرين، حربها على اليمن، قيادتها ورعايتها للارهاب في العراق والشام . … غير أنّ سياسة تخفيض سعر برميل النفط الذي اتبعته سابقاً ارتدّ عليها راهناً، حيث بدأت ملامح أزمة مالية تطاول أصولها المالية، وخصوصاً تلك الموجودة في الولايات المتحدة، بدأت هذه الأزمة بالظهور على نحو واضح، مترافقة مع ملامح أزمة في نسيج علاقاتها مع الولايات المتحدة نفسها الصفحات المحذوفة من تقارير لجنة التحقيق بأحداث 11 أيلول 2001 علماً أنّ التاريخ السياسي يشير إلى أنّ العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة هي أقدم علاقة سياسية موجودة ومستمرّة بين دولتين خلال قرن مضى.

تركيا استعادت الثقافة السياسية العثمانية

كما انتهت الاتاتوركية، واقعاً ونظاماً، واستعادت تركيا الثقافة السياسية العثمانية، فبانت طموحاتها بما يتسق مع هذه الثقافة، وهي وإنْ شهدت ازدهاراً اقتصادياً في المرحلة السابقة، إلاّ أنها ونتيجة لمشاركتها الرئيسية في الحرب على الشام عبر التنظيمات الارهابية، فضلاً عن تدخلها في العراق، وتداعيات أزمتها مع روسيا، دخلت في مناخ أزمة مركبة: في مجتمعها كما على الصعيدين الإقليمي والدولي. وبكلّ الحالات تظلّ تركيا تشكل خطراً يحيط بالأمة السورية من الشمال على التوازي مع الخطر الاسرائيلي في الجنوب.

وانتهى النظام الرسمي العربي، ولا يبدو أنّ هناك أيّ شكل من أشكال التحالف أو التنسيق، لا في المغرب العربي، ولا في وادي النيل، فيما تبقى منظومة دول الخليج بقيادة السعوية الأكثر حضوراً وتأثيرأ في النظام الإقليمي وأحداثه.

وفي حال الأمة السوريّة لفتت الورقة إلى ازدحام استثنائي غير مسبوق لمختلف الاستراتجيات الدولية العالمية والاقليمية على منصّة الأمة، معبّراً عنها بالحضور المباشر للأساطيل البحرية والجوية والقوى البرية، فضلاً عن الحضور الذي تمثله مختلف المنظمات المسلحة الارهابية.

وكذلك تعديل كبير على خريطة سايكس بيكو بنشوء ما يسمى «دولة الخلافة: تنظيم «داعش»، لتقوم بوظيفة جيوسياسية يعبّر عنها مفهوم الدولة/ الحاجز أو القاطع، حيث يستهدف من نشوئها قطع المحور الأفقي الممتدّد من طهران إلى بيروت.

وحضور غير مسبوق للمنظمات الإرهابية على امتداد مساحة الأمة واستقدام العناصر المنضوية فيها من أكثر من ثمانين دولة في العالم، بما جعل من سورية الطبيعية المركز الاستقطابي الاستثنائي لتنظيم القاعدة وغيره من المنظمات الرديفة، وتلك التي يتمّ استحداثها حسب الطلب.

ضرب الدولة المركزية في كلّ من العراق والشام عبر قيام «دولة داعش» وعبر المنظمات الإرهابية الأخرى المنتشرة على مساحة تتجاوز الستين بالمئة من أراضي الشام مثلاً.

نشوء مواجهة قوية ومحتدمة بين محورين رئيسيّين …

ضرب النسيج الاجتماعي السوري، وتوضيعه على نحو مختلف، وتغيير شبكة تفاعلاته ومكوناته، ليس فقط عبر عمليات فرز طائفي مذهبي اثني، وهو فرز تمّ على مساحة الأمة، وإنما أيضاً عبر عمليات تراوحت ما بين الإبادة الجماعية الأزيديين وما بين التهجير القسري السريان والكلدان من الموصل وغيرهم حيث تمّت وعلى نحو خطير منهجي إزاحة أقسام متعدّدة من الكتلة الديموغرافية السورية من مكانها فتشتت وتاهت ولم تأخذ وضعاً نهائياً إلى هذه اللحظة. في مثال حديث عن هذه المسألة الخطيرة: قدّرت مصادر وزارة الخارجية الروسية في أحدث تقاريرها عدد السوريين المسيحيين الذي ظلّوا إلى هذه اللحظة في الشام، بحوالى مليون ومائتي ألف شخص، وهذا يعني أنّ أكثر من مليون مسيحي خرجوا نهائياً من الشام، والرقم مرشح للارتفاع، اسوة بما حصل في العراق .

استتباعاً لذلك يمكن ملاحظة عمليات اللجوء الداخلي والخارجي الكارثية بالمعنيين الاجتماعي والقومي يقدّر عدد اللاجئين إلى الخارج من الشام وحدها بأكثر من خمسة ملايين لاجئ فيما يقدر عددهم في الداخل بحوالى سبعة ملايين لاجئ .

ضرب الأماكن الحضارية والتاريخية في العراق والشام وفق مخطط منهجي واضح، على نحو دمّر التراث السوري في معظمه، وعرّض المكتنزات والأوابد السورية لعمليات تدمير ونهب وسرقة عبر المنظمات الارهابية وبقيادة خارجية واضحة، الأمر الذي يمكن وصفه بعمليات تصحير سورية .

استمرار المشروع الإسرائيلي في تنفيذ برنامجه واستكمال خططه، وسط حالة من التفكك والارتباك تعاني منها حركات المقاومة الفلسطينية نتيجة انخراط فصيل منها في برنامج المنظمات الارهابية التكفيرية في الشام وانضواء قيادتها السياسية تحت عباءة المنظومة الخليجية التركية فيما السلطة الفلسطينية في أشد لحظاتها ضعفاً.

الأردن دائماً منضوٍ في إطار مقتضيات الاستراتيجيات الأميركية الإسرائيلية وإنْ بكيفيات مموّهة، فيما لبنان منقسم على نفسه بين تيارين رئيسيّيْن، وسط خفوت واضح لمؤسسات الدولة وتعثّرها أمام قوى الأمر الواقع.

بالتوازي مع ضرب الدولة المركزية في الشام والعراق وعدم وجودها إلا بشكل باهت في لبنان تمّ ضرب وتدمير المرجعيات المركزية الدينية والاجتماعية عموماً، فتمّ إخضاع البيئة المنتجة للإرهاب خصوصاً إلى نوع من المرجعيات الشفوية المتدنية التي أحالت هذه البيئة إلى شظايا اجتماعية متناثرة مجموعات منفصلة وصغيرة كلّ واحدة منها ترتبط بشيخ أو بمرجعية دينية مغايرة . فضلاً عن إلغاء المناهج التربوية من المدارس، وفرض مناهج بديلة تعتمد تعاليم الوهّابية التكفيرية، وهذا يعني أنّ أكثر من 50 من شباب الشام والعراق تمّ اختطافهم بالمعنى التربوي والثقافي والأخلاقي وفي النهاية بالمعنى الوجودي الذي يحتوي على سمات الشخصية المجتمعية ومحددات الهوية التاريخية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى