الانتخابات التمهيدية الأميركية دروس وحقائق أولية

انشدّت أنظار مراكز الفكر والأبحاث الى سبر أغوار جدل السياسة الانتخابية، التي ترافقت مع تقلّص حجم إصداراتها لفصل الصيف.

سيستعرض قسم التحليل انتهاء جولة الانتخابات التمهيدية، باستثناء مدينة واشنطن العاصمة التي تعقد انتخاباتها يوم الثلاثاء المقبل، والتوقف عند أهمّ المحطات والعناصر التي ساهمت في تحقيق النتائج الراهنة.

توصيات لمرشحي الرئاسة الأميركية

حثت مؤسسة هاريتاج مرشحي الرئاسة الأميركية على بذل جهود فكرية للتعرّف إلى طبيعة «التهديد الآتي من تنظيم داعش على عموم الشرق الاوسط»، مطالبة باتخاذ «توجهات صارمة» بهذا الخصوص. واوضحت انّ «الإنجازات التي تحققت في كلّ من العراق وسورية ضدّ التنظيم جاءت اسرع بكثير مما كان متوقعاً». وحذّرت من الاستمرار بتطبيق نهج الادارة الأميركية الراهنة «بزيادة عشوائية للقوات المسلحة، إذ ليس بوسع الادارة المقبلة استنساخ الاستراتيجية الراهنة في مناطق أخرى تخضع لسيطرة التنظيم».

كما حذر معهد كاتو من المضيّ بتطبيق استراتيجية الادارة الراهنة المخففة في منطقة الشرق الاوسط «وما لحقها من فشل». وناشد المعهد الادارة المقبلة «انتهاج استراتيجية تصاعدية بالتدريج، غير عسكرية الطابع، تضع نصب أعينها اقتلاع الإرهاب وتعزيز نهج الدمقرطة في عموم العالم كأهداف طويلة الأمد». وطالب صنّاع القرار في الدورة القادمة «الابتعاد عن هدف الحاق الهزيمة العسكرية بالإرهاب، وتركيز الأنظار على تخفيف الأضرار الناجمة عن الهجمات الإرهابية عبر تطوير سبل المعلومات الاستخبارية وتعزيز هيبة القوى الأمنية». واوضح انه ينبغي على الولايات المتحدة في الحقبة المقبلة «الإقلاع عن سبل تحفيز التغيّرات الديمقراطية الثورية في المنطقة ، وحث الدول الاستبدادية على تطبيق إصلاحات ليبرالية تدريجية، عوضاً عن ذلك» لإرساء الأرضية المطلوبة لنجاح الدمقرطة حين حدوثها.

روسيا و«إسرائيل»

استعرض معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى نتائج زيارة بنيامين نتنياهو إلى موسكو للدلالة على «نضوج العلاقات الإسرائيلية الروسية، تتويجاً لمضيّ 25 عاماً على إعادة العلاقات الرسمية بينهما، وأضحت روسيا في عهد بوتين اكثر حزماً في عملية السلام في الشرق الاوسط». واوضح المعهد انّ الرئيس فلاديمير بوتين «سعى لتحسين العلاقات مع إسرائيل منذ تبوئه السلطة في آذار/ مارس عام 2000، ولدى الجانبين اتفاق بشأن السفر السياحي دون الحصول على تأشيرة». ومضى بالقول انّ الرئيس بوتين «شبّه صراع روسيا ضد الإرهاب الشيشان بصراع إسرائيل ضدّه، وأجرى هذه المقارنة في اجتماعات عدة مع مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى كما انّ رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق اريئيل شارون، الذي يجيد اللغة الروسية، وصف الرئيس الروسي بالصديق الفعلي لإسرائيل، وكانت إسرائيل من بين الدول القليلة التي لم تنتقد بوتين على خلفية الإجراءات التي اتخذها في الشيشان». واستدرك المعهد بالقول انه «على الرغم من تحسّن العلاقات الثنائية، لا تزال هناك خلافات كبيرة» بين موسكو وتل ابييب، لا سيما أن «بوتين رفض تصنيف حركة حماس كمنظمة إرهابية، فضلاً عن دعم روسيا لبرنامج إيران النووي واتجارها بالأسلحة مع سورية». كما انّ «انخراط روسيا مؤخراً في سورية، سيعقد الوضع بالنسبة لإسرائيل، على الأرجح، وتنذر الضربات الأخيرة في جنوب سورية الجولان بقيام مشاكل اخطر لإسرائيل». وخلص بالقول انّ «إسرائيل لا زالت تعتبر روسيا لاعباً مهماً في الشرق الاوسط، ولا ترغب بحدوث أزمة ثنائية خطيرة معها خاصة في ظلّ الانسحاب الغربي من الشرق الاوسط وما يشكله من تقلص خيارات تل ابيب».

تركيا

اعرب معهد أبحاث السياسة الخارجية عن قلق شديد لدى أوساط المؤسسة الحاكمة الأميركية من مضيّ الرئيس التركي اردوغان تعزيز مفاصل السلطة بين يديه «مما ثبت انّ النظام البرلماني التركي ليس الا حبراً على ورق وأضحى نظاماً رئاسياً في الواقع، ويتأرجح على حافة الاستبداد ولا أحد يستطيع التحقق من المدى الذي سيذهب اليه أردوغان في سعيه الى السلطة». كما أعرب عن اعتقاده بمضيّ أردوغان في تطبيق استفتاء عام لضمان ديمومة تغيير النظام التركي «من برلماني الى رئاسي، بيد انّ التطورات في الشهر الماضي دلّت على انه لا تزال في جعبة أردوغان أدوات سياسية يسخرها في تحقيق تغيير بطيء في آلية عمل الحكومة التركية، والأشدّ قلقاً، تمكّنه من تركيز سلطته السياسية».

الإنفاق العسكري الأميركي

ناشدت مؤسسة هاريتاج أعضاء الكونغرس عدم المساس بالميزانية العسكرية وتعويض الميزانيات المطلوبة للشأن الدفاعي «بتخفيض الإنفاق على قطاعات أخرى». وأضافت انّ «بعض أعضاء مجلس الشيوخ يطالبون بزيادة الاستثمار والإنفاق في برامج الجهوزية العسكرية بكلفة قدرها 18 مليار دولار، مما سيهيّئ قواتنا العسكرية لمواجهة أفضل لتحديات المستقبل». واوضحت انه «ينبغي علينا زيادة حجم الإنفاق على مجال الأمن القومي، وتطبيقه بشكل صحيح.

في هذا الصدد، تلقى السيناتور جون ماكين، الذي تبنى توصيات مؤسسة هاريتاج، صفعة قاسية من زملائه في الحزب الجمهوري لإسقاط توصيته بتبنّي مجلس الشيوخ زيادة في الميزانية العسكرية، قيمتها 18 مليار دولار، يوم الخميس 9 حزيران. وانضمّ للتصويت ضدّ توصيته 11 عضو جمهوري، منهم 4 أعضاء في لجان الميزانية التابعة للكونغرس. على الطرف الآخر، مجلس النواب، أضافت «لجنة القوات المسلحة» مبلغ 18 مليار دولار لميزانيتها المقترحة لشؤون الدفاع، والتي هدّد الرئيس أوباما باستخدام حق الفيتو لإسقاطها، مدركاً انّ خصومه الجمهوريين ليس بوسعهم حشد ثلثي الأصوات لإفشال مسعاه.

حذر معهد كاتو من نزعات الهيمنة والتدخل المستشرية في المؤسسة الحاكمة الأميركية، مذكّراً أقرانه «بكيفة شعور الأميركيين لو انّ قوة دولية كبيرة جنّدت عدداً من دول أميركا الوسطى بالإضافة لكندا والمكسيك للانخراط في حلف عسكري موجه ضدّ الولايات المتحدة». واجاب انّ الأميركيين سيعتبرونها «خطوة غير صديقة حقاً وتنطوي على اعمال استفزازية». وعليه، اضاف «كيف ينبغي علينا الافتراض بأنّ روسيا ستتصرّف بشكل مغاير عن الولايات المتحدة في مسألة تتعلق بحدودها، كما انّ للجغرافيا احكامها فالدول الكبرى ستسعى للحفاظ على مكانتها المتقدمة بين دول الجوار». وحذر المعهد من «مضيّ الولايات المتحدة تجاهل تلك الحقيقة المبدئية في العلاقات الدولية وتحمّل التبعات الكبيرة».

المرشحون يجسّدون العدوانية

اتضحت معالم وآفاق السياسة الأميركية المقبلة، وفق تقييم النخب الأميركية، عقب إفصاح المرشحة هيلاري كلينتون عن «برنامجها للسياسة الخارجية»، 2 حزيران الحالي، الذي اقتطفت كبرى الوسائل الإعلامية ما ورد فيه من تهجّم وتحقير لمنافسها الجمهوري دونالد ترامب، الذي «يشكل تهديداً» للسياسة الأميركية وتوسعها على امتداد العالم، وتجاهلت الشق الأهمّ في أولوية المؤسسة العسكرية.

ما تميّز به خطاب هيلاري هو الإشارة المتكرّرة «للاستثنائية» الأميركية، التي تعني ببساطة اما ان تقبل الدول والشعوب الأخرى سيادة وهيمنة واشنطن، او مواجهة مصائر مجهولة لقياداتها، وتعريض الآخرين لسلسلة من الحروب والنزاعات الداخلية.

سجل هيلاري، كما في مفردات خطابها الأخير، لا يشذ عن تأييد المغامرات العسكرية والتدخل بالقوة في شؤون الآخرين: حروب البلقان وغزو العراق وأفغانستان وتدمير ليبيا «وتأييدها الحاسم» لمسلحي المعارضة السورية من الإرهابيّين.

مبدأ الهيمنة الذي يجري تداوله في أروقة واشنطن يرمز له بـ«المسؤولية لبسط الحماية – R2P responsibility to protect »، الذي تعدّ السيدة كلينتون واحدة من أشدّ مناصريه داخل المؤسسة، برفقة المندوبة الدائمة لدى الأمم المتحدة، سيمانثا باور، ومستشارة الأمن القومي، سوزان رايس اللواتي شكلن رأس الحربة لتدمير ليبيا. بالطبع تفادت كلينتون تعريف من أعطى المسؤولية لمن.

آفاق الانتخابات التمهيدية

أسفرت الجولة الأخيرة عن بروز كلّ من هيلاري كلينتون ودونالد ترامب كمرشحين «واقعيين» بانتظار التتويج الرسمي نهاية الشهر المقبل. اللافت انّ النخب الأميركية الحاكمة اصطفت وراء المرشحة كلينتون، رغم ما يعترض مسيرتها من «أزمات» تتعلّق بسيرتها وأدائها. في جانب الحزب الجمهوري، اصطفّ معظم رموز النخب السياسية والاقتصادية والمالية ضدّ المرشح ترامب، كلّ لأسبابه، عقب موجة دعم فاترة قبيل يوم الانتخابات لما يشكله من «تهديد» لمشروع الهيمنة الأميركية على امتداد العالم.

بلغة الأرقام، في ما يخصّ ترامب، استطاع تخطي عتبة 13 مليون ناخب من الحزب الجمهوري لصالحه، بتوظيف ما يعتقده «سحر شخصيته» لدى الجمهور الانتخابي الغاضب، وليس بفضل مهارات وكفاءات لفريق حملته الانتخابية. عند الأخذ بعين الاعتبار تنامي تأييد الجمهور الانتخابي للمرشح بيرني ساندرز، يمكن اعتبار جناحيهما ممثلا أقوى للنبض الشعبي والجمهور الانتخابي الأميركي الأمر الذي يضاعف الأعباء الملقاة على كاهل هيلاري كلينتون لكسب جمهور ساندرز بأعداد وازنة.

أبرز الخصائص المميّزة لجولة الانتخابات الاخيرة يمكن إيجازها بالتالي:

عنصر الحماس للمشاركة صبّ في صالح الحزب الجمهوري مقارنة مع الجولات السابقة. اذ تشير بيانات المشاركة الرسمية في العام الحالي الى مشاركة 50.67 من الناخبين الجمهوريين مقارنة بمعدل مشاركة 36.12 في انتخابات عام 2008. مشاركة الناخبين عن الحزب الديمقراطي بلغت 49.33 مقارنة مع نسبة مشاركة 63.88 لجولة عام 2008 ايّ ما يوازي خسارته لنحو 7.3 مليون صوت.

لا ينبغي القفز عن الإجراءات التي طبّقها الحزب الجمهوري عبر عقد من الزمن «لتوزيع تمثيل الدوائر الانتخابية» لمحاباة جمهور ناخبيه وإقصاء ما استطاع من مؤيدي منافسيه في الحزب الديمقراطي.

الدور المؤجل للمال. دلت الجولة الحالية على تفوّق المرشحة هيلاري كلينتون في جمع التبرّعات وحجم الإنفاق على مختلف الانتخابات التمهيدية، على خصومها الجمهوريين بشكل أساسي، بيد انّ تلك الميزة لم تترجم اضطراداً في تدفق أعداد الناخبين والمؤيدين بنسبة مريحة.

قياساً على ذلك، تشاطر كلّ من بيرني ساندرز ودونالد ترامب في عدم اعتمادهما على تبرّعات مكثفة من «لجان العمل السياسي» التي لا تتقيّد بسقف مالي معيّن، لكن أدائهما جاء مبهراً قياساً لحجم الإنفاق، ورغم عدم تمكن ساندرز من الإطاحة بمنافسته كلينتون.

كما اشترك ساندرز وترامب بالإقلاع عن المراهنة والاعتماد على طاقم انتخابي يحظى بتجربة مميّزة يقابله إنفاق مالي ضخم. وراكما مؤيديهما بالاستناد الى قدرتهما على حشد أعداد كبيرة ومتنامية من المؤيدين في مهرجانات انتخابية، هي أقرب إلى التجمعات الشعبية تجاوزت في بعض الأحيان عشرات الآلاف من المشاركين. في المقابل حافظت كلينتون على اتّباع النموذج التقليدي والمراهنة على جهود الأخصائيّين في حملتها الانتخابية والاستناد الى البيانات واستطلاعات الرأي المعتادة، ذات الكلفة المتنامية، بيد انّ نتائجها في حجم المشاركة الشعبية جاءت مخيّبة للآمال.

غضب الناخبين من المؤسسة الحاكمة: بلغت نسبة الغضب الشعبي من الحكومة المركزية آفاقاً مقلقة، إذ أعرب نحو 80 من عموم الناخبين عن عدم ثقتهم القطعية بالحكومة «او منحها ثقة في أحيان نادرة». الأمر الذي يفسّر جزئياً تدفق جمهور الناخبين بكثافة الى جانب كلّ من ترامب وساندرز، لا سيما الأول الذي يجاهر بصعوده المشهد من خارج المؤسسة الحاكمة كدليل على صدقيته في التصدّي لتجاوزات السلطة وتهميش قطاعات شعبية متزايدة.

تُحسب لترامب قدرته على تحفيز وتوسيع قاعدة الناخبين عن الحزب الجمهوري، ويخشى قادة الحزب الديمقراطي تمكنه من استقطاب بعض قواعده نظراً لعدم امتثاله لقيود السلطة المركزية وابتعاده عنها، بصرف النظر عن استفادته القصوى من شبكة علاقاته المتشعّبة داخل المؤسسة، سياسياً واقتصادياً ومالياً.

خدم ساندرز لفترة معتبرة في اروقة الكونغرس بمجلسيه لكنه حافظ على توجهاته السياسية المستقلة ووظفها في استقطاب أعداد كبيرة من الناخبين بلغت عدة ملايين يميلون للتيارات الليبرالية وليس بالضرورة مؤيدين للحزب الديمقراطي، بل يصنّف الكثيرين منهم في عداد المستقلين.

لساندرز الفضل في إتاحة الفرصة لبعض القوى السياسية بتوجهات تقدمية البروز على المسرح السياسي، بعد طول تهميش وملاحقة ومعاقبة واعتقال، والتي قد تستطيع فرض حضورها وبرامجها السياسية في مؤتمر الحزب الديمقراطي الشهر المقبل، خاصة في ظلّ ما تفيده بيانات الاستطلاعات الانتخابية بأنّ 80 من الناخبين يميلون لترشيح ساندرز مقابل 20 لصالح كلينتون.

تدني الثقة بكلا الحزبين: شبه إجماع في الأوساط السياسية بأنّ الحزبين الرئيسيين، الجمهوري والديمقراطي، يعانيان من إقلاع القاعدة الشعبية عن تأييدهما بمعدلات شبيهة بسابق الأيام. ولوحظ تبدّل طفيف في لهجة وخطاب هيلاري كلينتون للتقارب واحياناً التماهي مع مطالب المرشح ساندرز وكلّ ما يمثله.

الأمر عينه واجهه الحزب الجمهوري، إذ انّ طبيعة الجمهور الانتخابي الذي استطاع ترامب استقطابه شارك بحكم معارضته لتوجهات المؤسسات الحاكمة ومساهمتها في شلل أداء المؤسسات الحكومية.

عامل التاريخ

دخلت هيلاري كلينتون التاريخ السياسي الأميركي من أبوابه الواسعة كأول امرأة مرشحة للرئاسة عن حزب سياسي رئيسي، وستوظف تلك الميزة في خدمة حملة ترشيحها لأبعد الحدود. وأهدت فوزها السياسي الى «أجيال من النساء والرجال الذين ناضلوا وضحّوا وصنعوا هذه اللحظة».

استنهاض حماس القاعدة الانتخابية أحد أهمّ عناصر نجاح الحملة، الأمر الذي لم تتقنه السيدة كلينتون راهناً بمعدلات تشابه ما نالته في حملتها السابقة عام 2008. شاع سابقاً انها «تنظر بعين العطف» لاختيار شخصية من اصول لاتينية لمنصب نائب الرئيس، والذي انْ أقدمت عليه من شأنه ان يسهم إيجاباً في حشد الجالية الكبيرة من أصول لاتينية مما سيرجّح الفارق الفاصل بينها وبين ترامب لصالحها.

التصويت ضدّ مرشح وليس معه: تتشاطر كلينتون وترامب بتقلص شعبيتهما بين الجمهور الانتخابي العام، التي تحجم عنهما معاً بنسبة 60 من عدد المشاركين. الأمر الذي سيقود الى الاستنتاج بأنّ الفائز في الحملة الرئاسية بلغ المنصب لشحّ التأييد العام وليس بسببه.

درجت العادة في النظام السياسي الأميركي إمهال الرئيس الجديد فرصة 100 يوم لتحديد التوجهات السياسية وما ينوي إنجازه من ملفات، مما يفاقم قدرة كلّ من ترامب وكلينتون في التغلب على الضرر المرافق. اقصى ما سينجم عن هذا السيناريو هو عدم تؤهّل الرئيس المقبل لولاية ثانية، على افتراض انّ صعوبات داخلية وفتح ملفات قديمة قد تؤدّي لإزاحته.

دور الفضائح

شكلت حملة انتخابات عام 1972 نقطة فاصلة في مصداقية المؤسسة الحاكمة مع تداعيات «فضيحة ووترغيت» التي أطاحت بالرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون. وجهدت المؤسسة منذئذ في تسييج مؤسسة الرئاسة قدر المستطاع لاستعادة هيبتها، التي لم تعمر طويلاً وخضعت لمناكفات السياسيين من الحزبين خاصة في سعي قادة الحزب الجمهوري الإطاحة بالرئيس الأسبق بيل كلينتون انتقاماً من إسقاط الرئيس نيكسون.

في ما يخصّ المرشحة هيلاري كلينتون، رافقتها سلسلة من القضايا التي رغب أصحابها في ترقيتها الى مصاف الفضائح، أبرزها مراسلاتها الالكترونية التي تمّت عبر صندوق بريد خاص بها لا يخضع لإجراءات الحماية الرسمية، والذي استخدمته في بعض مراسلاتها الرسمية. تداعيات المسألة لها الفضل الاول في تراجع معدّلات شعبيتها أمام منافسها دونالد ترامب لكن الى حين.

تعزز أمل خصوم كلينتون، في الحزبين، من فرصة الإطاحة بها عقب إصدار مكتب التحقيقات الفيدرالي اف بي آي توصية بمتابعتها قانونياً فضلاً عن قضية أخرى تلاحقها وزوجها بتلقي «مؤسسة كلينتون» الخيرية تبرّعات مالية مقابل تقديم «خدمات سياسية الطابع»، خلال فترة توليها وزارة الخارجية، من بين زبائنها الحكومة السعودية ودول النفط العربية.

في العرف السياسي ليس مستبعداً ان تتمّ الإطاحة بالسيدة كلينتون، بيد انّ أعدادها وفوزها المؤزّر وتأييد الرئيس الأميركي لها دون لبس يؤشر إلى انّ المؤسسة الحاكمة ستحجم عن المضيّ في القضايا المثارة الى النهاية، وستجد مخرجاً مشرّفاً لها لا يعيق تبوءها منصب الرئيس. اما وان نحجت محاولات الاطاحة بها قبل المؤتمر الحزبي، نهاية الشهر المقبل، فليس مستبعداً ان يقفز نائب الرئيس جو بايدن الى حلبة السباق لحفظ ماء وجه الحزب الديمقراطي، من ناحية، وتشكيل ضمانة لكسب ولاية رئاسية أخرى للديمقراطيين.

في حال تحقيق كلينتون الفوز بمنصب الرئيس، قد يمضي مناهضوها في الحزب الجمهوري بافتعال قضايا تعيد للواجهة مسألة المراسلات الالكترونية التي ستقيّد حركتها وتحجم حيّز المناورة لديها، كما شهدنا خلال فضيحة ووترغيت. الأمر الذي يضاعف المراهنة لاختيارها نائب رئيس ذو مؤهلات قوية باستطاعته إدارة دفة البيت الابيض بفعالية ونضوج سياسي.

في الطرف المقابل، ليس مستبعداً ايضاً ان تطفو على السطح قضايا تلاحق دونالد ترامب ترتقي لمستوى الفضائح، خاصة بعد خضوع سجله «السياسي والتجاري» الى الفحص والتدقيق وتنامي عدد الجهات والأطراف الراغبة بالإطاحة به.

الأحداث غير المرئية

ستعمل قيادات الحزب الديمقراطي على تفادي ايّ ارتباك او اشتباكات قد تحصل داخل أروقة المؤتمر، والتي قد تتفاقم لمستوى الصدام الدموي ابان مؤتمر الحزب عام 1968، مما سيترك تداعيات سلبية على المرشح الفائز، على أقلّ تعديل.

حالة الاقتصاد المتردّية، في نظر الكثيرين من الاخصائيين، ستشكل إحدى دوافع المشاركة الانتخابية، وايّ هزة جديدة في هذا الشأن ستقلص حظوظ المرشحة كلينتون. ولنا في انتخابات عام 2008 سابقة تشهد على تقدّم المرشح الجمهوري جون ماكين على منافسه باراك أوباما إلى حين أزمة سوق الأسهم المدوية في شهر أيلول من ذلك العام. الأمر انْ تكرّر حدوثه في الأشهر القليلة المتبقية فإنّ المرشح ترامب سيصعد بقوة الى دفة الرئاسة.

وعلى الصعيد الخارجي، فإنّ الأزمات الدولية تستمرّ في طلب اهتمام القادة السياسيين، بصرف النظر عن حقيقة نواياهم لإيجاد حلول حقيقية. ونظراً لاعتماد كلينتون على سجل خبرتها في الشأن الدولي، واتباع سياسة تستند الى سياسات الرئيس أوباما الراهنة، فإنّ ايّ هزة تؤدّي لوقوع قتلى بين صفوف الجنود الأميركيين، او الأميركيين بشكل عام، من شأنها الاضرار بصدقية حملتها الانتخابية وتقليص حظوظ الفوز في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى