الإرهاب يفتتح دورة «يورو 2016» بعملية قتل وخطف رهائن قرب باريس بري: المستهدف المصارف وحزب الله… وسلام لحوار هادئ بينهما
كتب المحرر السياسي
وقع المحظور الذي استنفرت فرنسا لتفاديه، فوقع الافتتاح الدموي لعملية إرهابية قرب باريس، بمقتل شرطي واحتجاز عائلته كرهائن، وتسمّمت الأجواء الاحتفالية لمباريات «يورو 2016»، فرغم الأسباب التي يجري إيرادها عن خصوصية العملية وتوصيفها بالبعد عن الأسباب السياسية، دخلت أوروبا مناخ القلق والخوف والذعر الذي أرادت مداواته بالإصرار على إجراء المباريات ورفض نداءات تأجيلها، أو جعلها بلا جمهور والاكتفاء بتوزيعها على قنوات تلفزيونية مدفوعة، وما بعد منتصف ليل أمس كانت المعلومات الآتية من باريس تتحدّث عن استمرار الاحتجاز وسعي وحدات الشرطة للسيطرة على الموقف.
لبنانياً كان الحدث الذي هزّ بيروت بتفجير مقرّ «بنك لبنان والمهجر»، محور المساعي السياسية للاحتواء والسيطرة العقلانية، منعاً لتوظيف كيدي أو انفعالي يحقق أهداف التفجير والمفجرين، بجعله سبباً لتقاذف كرة نار ستودي باللبنانيين إلى قعر الهاوية، فكان كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري باعتبار التفجير استهدافاً للمصارف وحزب الله، كركيزتين لقوة لبنان يُراد ضربهما ببعضهما البعض، وجعل تأكل لبنان بجرّهما إلى حرب ليست حربهما، بل الحرب على لبنان.
رئيس الحكومة تمام سلام وفقاً لمصادر مطلعة يتابع ما بعد الاجتماع المالي الذي أراده لدعم مصرف لبنان وطمأنة القطاع المصرفي بالوقوف إلى جانبه بوجه كلّ عدوان واستهداف، ويفترض ان يدخل على خط الحوار والمساعي بين حزب الله ومصرف لبنان لتسهيل الحوار والتواصل وبلوغ صيغة مطمئنة للطرفين اللذين وجدا نفسيهما فجأة وجهاً لوجه بفعل القانون الأميركي وتداعياته، التي جاء التفجير ليقول أنها أشدّ خطورة مما توقع الجميع، بينما يجري السعي ليكون الموضوع على طاولة الحكومة وهيئة الحوار من زاويته الوطنية لا التقنية أو السياسية، فلا يترك الأمر لمصرف لبنان وحده وهو أمر سياسي دستوري بامتياز يتصل بالعلاقات الأميركية اللبنانية من جهة، وهذه مسؤولية لا طاقة لمصرف لبنان على حملها منفرداً، وأمر يتصل بتساوي اللبنانيين أمام القوانين، وهو دستوري بامتياز لا يمكن التساهل والتسامح مع انتهاكه بداعي أنّ القدر الأميركي لا يردّ، وارتضاء جعل فئة من اللبنانيين ميداناً مستباحاً للإجراءات الأميركية بواسطة مجرد معبر لبناني لا قوة له ولا حول سوى نقل الإملاءات والتحقق من تنفيذها.
اجتماع في السراي
توالت ردود الفعل الداخلية والخارجية والقراءات السياسية لتفجير مبنى المركز الرئيسي لبنك لبنان والمهجر في بيروت أول من أمس وسط مخاوف من عودة مسلسل التفجيرات ليطال هذه المرة القطاع المصرفي لاستهداف الاقتصاد اللبناني، واستدعى التفجير اجتماعاً عاجلاً في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة تمّام سلام واجتماعاً آخر لجمعية المصارف الذي خرج ببيان لم يشر الى اتهام أيّ جهة على عكس القوى السياسية التي وجهت أصابع الإتهام الى حزب الله مستثمرة على الخلاف بين الحاكمية وجميعة المصارف من جهة وحزب الله من جهة أخرى على خلفية القانون الأميركي.
وحضر اجتماع السراي وزير المال علي حسن خليل وحاكم البنك المركزي رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف جوزف طربيه. ووصف سلام التفجير بأنه جريمة إرهابية تهدف إلى ضرب الاستقرار الاقتصادي والمسّ بالأمن القومي للبنان، باعتبار أنّ القطاع المصرفي هو محرك أساسي للدورة الاقتصادية الوطنية، وإحدى الركائز الرئيسية للدولة في ظلّ الشلل الذي تعاني منه المؤسسات الدستورية».
واستعرض المجتمعون الوضع المصرفي في البلاد مؤكّدين الثقة بالإجراءات التي يقوم بها المصرف المركزي محلياً ودولياً لحفظ النظام المالي اللبناني وتعزيز مناعته وتثبيت سمعة لبنان المالية. وشدّد المجتمعون على وجوب أن يتحلى جميع المعنيين بهذا الملف بأعلى درجات الحكمة والمسؤولية، وأن يعتمدوا الحوار الهادئ والعقلاني في معالجة هذه المسألة الدقيقة بعيداً عن صخب المنابر بما يحفظ مصالح جميع اللبنانيين ويحمي موقع لبنان المتقدّم في النظام المالي العالمي».
غطاء للحاكم وللقطاع المصرفي
وقالت مصادر مقرّبة من رئيس الحكومة لـ«البناء» أنّ «اجتماع السراي وكلام سلام أمس ذات دلالة واضحة إذ شكل غطاءً للمصرف المركزي ولعمله وللجهود التي يقوم بها الحاكم لحلّ الأزمة كما شكل تغطية للقطاع المصرفي»، مشدّدة على أن لا مصلحة لأيّ جهة في لبنان بالتعرّض للقطاع المصرفي وهو القطاع الوحيد الذي يعمل في لبنان في ظلّ تعطل المؤسسات الأخرى». واستبعدت المصادر أن تتفاعل الأزمة سياسياً بين حزب الله والحاكمية، كاشفة أنّ الرئيس سلام يقوم كالعادة بدور إيجابي لاحتواء تداعيات التفجير وبذل الجهود على خط التوتر بين الحزب والحاكم والمصارف لحلّ الأزمة».
… والمصارف: ماضون في تنفيذ القانون
ولهذه الغاية عقدت جمعية المصارف اجتماعاً استثنائياً أكدت خلاله أنّ «التفجير أصاب القطاع المصرفي بكامله، وأنه يهدف الى زعزعة الإستقرار الاقتصادي». وأكدت الجمعية المضيّ قدماً في ما بدأته لجهة «قانون العقوبات الأميركي» حيث شدّدت على انّ «المصارف تعمل وفق أعلى الممارسات المهنية وضمن القواعد السائدة في الأسواق الدولية، كما تخضع في لبنان للقوانين اللبنانية المرعية ولتعاميم مصرف لبنان حفاظاً على مصالح جميع اللبنانيين».
حزب الله يعلن الخميس موقفاً رسمياً
وإذ لم يخرج عن حزب الله أيّ موقف من التفجير، من المنتظر أن يصدر عن الحزب موقف بهذا الشأن الخميس المقبل في الاجتماع الأسبوعي لكتلة الوفاء للمقاومة بحسب ما علمت «البناء».
التواصل قائم بين الحزب والحاكم
وقالت مصادر مطلعة على أجواء اللقاءات بين وفد الحزب والحاكمية والمصارف لـ«البناء» أنّ «الوضع بات أكثر حساسية ودقة بعد التفجير الذي طال بنك لبنان والمهجر في منطقة فردان وبالتالي التعامل مع هذا الملف بات يتطلب دقة أكثر»، وشدّدت المصادر على أنّ «أيّ موقف رسمي من التفجير سيصدر عن كتلة الوفاء للمقاومة»، ومؤكدة أنّ «اللقاءات بين الحزب والحاكمية لم ولن تتوقف والتواصل قائم بين الحزب وكلّ الأطراف خصوصاً مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وتحدّثت عن جهود تبذل في الكواليس للوصول إلى حلّ للأزمة القائمة»، مضيفة أنّ «المستجد الأمني الذي حصل لم يزد الأمور تعقيداً بين الحزب والحاكم والمصارف بل سيزيد من حرص كلّ الأطراف على البلد وعلى اقتصاده وأمنه، وتحدّثت المصادر عن «حلّ ما يطبخ على نار هادئة وبناء عليه ستستأنف اللقاءات بين وفد الحزب والحاكمية».
درباس لـ«البناء»: التفجير على طاولة الحكومة
وأكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أنّ «التطور الأمني الأخير وملف العقوبات سيطرح على طاولة مجلس الوزراء في جلسته الخميس المقبل من خارج جدول الأعمال، محذراً من أنّ «الوضع في لبنان خطير ولا أحد يلتفت الى هذه الخطورة ولا أحد يمكنه استبعاد تكرار استهداف المصارف، معتبراً أنّ «ما يحصل ناتج عن تداعيات الإنقسام السياسي لأنّ السياسة القوية تصنع الأمن القوي وليس العكس، وهذا الخلاف السياسي ترك ثغرات تستغلها أيّ جهة خارجية للنفاذ عبرها لإيقاع الفتنة وتأجيج الخلافات».
واستبعد درباس أيّ تأجيج للصراع بين الحزب والحاكمية وقطاع المصارف، «لأن لا مواجهة أصلاً بين حزب الله وقطاع المصارف بل الحزب يحتجّ على إجراءات بعض المصارف بحق بعض المواطنين بناء على القانون الأميركي».
… والتحقيقات مستمرة
إلى ذلك واصلت الأجهزة الأمنية المختصة التحقيقات في الحادث، حيث أنهت الأدلة الجنائية مهمتها في موقع الانفجار، وعملت على رفع الأدلة. كما واصل المحققون ولا سيما عناصر فرع المعلومات جهودهم لتحديد الجهة المسؤولة عن العمل التخريبي، حيث جمعوا أفلام الكاميرات من المنطقة كلها وليس فقط من المصرف وتمّ سحب تسجيلاتها إضافة الى داتا الاتصالات في محيط المنطقة المستهدفة.
تخيير حزب الله بين أمرين…
وقالت مصادر مطلعة لـ«البناء» إنّ «الجهة التي تقف خلف التفجير استغلت 3 مسائل: الأولى العلاقة المتوترة والمتشنّجة بين الحزب والقطاع المصرفي وخاصة الحاكم ومصرفين أساسيين أحدهما لبنان والمهجر الذي يطبق القرارات الأميركية أكثر مما تطلبه الولايات المتحدة نفسها، أما الثانية موقع وزارة الداخلية التي لا تبعد عن مكان التفجير أكثر من 500 متر، وهي الطريق التي يسلكها وزير الداخلية نهاد المشنوق يومياً للعودة الى منزله، وبالتالي هي رسالة للمشنوق بعد المواقف التي اتخذها ضد السعودية، أما الثالثة هي حالة التفكك الذي يعيشها تيار المستقبل ومكان التفجير يمثل العمق السني وبالتالي يشدّ العصب السني ويستفيد منه المستقبل والحريري.
أما الهدف بحسب المصادر فهو تخيير حزب الله بين أمرين… إما الانصياع لإجراءات القطاع المصرفي الذي جزء منه ينفذ الإملاءات الأميركية وضرب بيئة الحزب الشعبية وبالتالي وضعه بموقف الدفاع عن النفس ويتلقى الضربات بصمت وإما الإستمرار بضرب القطاع المصرفي والضغط على الاقتصاد وتحميل حزب الله مسؤولية عدم قدرة المصارف على تطبيق القانون الأميركي»، أما الهدف الثاني كما تقول المصادر هو توجيه رسالة للمشنوق بأنّ الأمن الممسوك الذي تحدّثت عنه ها هو يهتزّ على مقربة من وزارة الداخلية»، وتساءلت المصادر: هل للصراع المصري التركي على الساحة اللبنانية صلة بالتفجير؟
المواجهة في الحكومة
وأشارت المصادر إلى أنّ «حزب الله مكون أساسي من التركيبة اللبنانية وموجود في الحكومة والمجلس النيابي وخياراته في مواجهة هذا الواقع الهجومي عليه لن يكون من خلال تصرفات عشوائية بل عبر وزرائه في الحكومة بعد أن وصل التفاوض مع الحاكم الى طريق مسدود»، وشدّدت المصادر على أنّ «تصرف الحاكم في هذا الملف لم يكسب حزب الله الثقة ما سيدفع الحزب للتوجه الى الحكومة لمعالجة الأمر لأن الحاكم ليس دولة مستقلة ضمن الدولة بل يخضع لقرارات السلطة الإجرائية».
وحذرت المصادر من أنّ «لبنان دخل في دائرة الخطر الأمني وتفجير أول من أمس وضعه أمام مسار أمني جديد يستهدف قطاع المصارف لأنّ المستهدف هو الاقتصاد اللبناني»، متوقعة مزيد من الأعمال الأمنية التي ستطال المصارف وكلّ لبنان إذا رأت الجهة المخططة أنّ الرسالة الأولى لم تؤدّ الى تحقيق الاهداف المبتغاة». موضحة أنّ «تفجير بنك لبنان والمهجر كان رسالة إنذار فقط وهو فريد من نوعه ومنعزل عن التفجيرات السابقة التي حملت قوة تدميرية».
بري: المستهدف لبنان وحزب الله
أما في المواقف من التفجير، اعتبر رئيس المجلس النواب نبيه بري أنّ «الأيادي الآثمة التي سعت لإرباك وزعزعة الوضع في لبنان بتفجير الأمس إنما تستهدف لبنان أولاً وحزب الله ثانياً، قبل أن تصل شظاياه لأحد أهمّ مصارفنا لبنان والمهجر. وهي تدلّ إلى نفسها إذ انّ بصمة هذه الجريمة المنظمة وأبعادها واضحة للعيان وتستدعي القول «كاد المريب أن يقول خذوني». ووجّه بري عناية اللبنانيين وقواهم السياسية الحية وشخصياتهم ومرجعياتهم الروحية للتنبّه إلى الأبعاد الحقيقية الكامنة وراء استهداف لبنان في قلب عاصمته واستهداف نظامه المصرفي المميّز الذي نافس ولا يزال رغم الحروب والاجتياحات والمحاولات الاسرائيلية لمجاراة خبرتنا ونظامنا الاقتصادي الحر».
..وإدانة أميركية
من جهتها، دانت الولايات المتحدة بشدة «التفجير الإرهابي»، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية جون كيربي «نؤكد مجدداً التزامنا القوي تجاه شعب لبنان واستقراره وأمنه».