التوتر بدأ فعلاً

روزانا رمّال

تتوجه المنطقة تدريجياً نحو تطوّر سياسي محتوم تفرضه التحوّلات الميدانية التي تبدو على أبواب التصاعد زمنياً لمصلحة فريق روسيا وحلفائها في سورية والعراق، وتبدو معركة الشمال السوري تقترب أكثر من أيّ وقت مضى، وفي هذا الإطار ستكون فترة ما بعد رمضان حاسمة لجهة رسم المشهد الميداني، خصوصاً في حلب التي بدأت تشهد عمليات نوعية للجيش السوري وحلفائه، وعلى هذا الأساس من المتوقع ان تزداد الضغوط على القوى التكفيرية الممتدّة في منطقة توتر عاشتها سورية لست سنوات من دون ان تقترب في مرة الى الحسم ودخول مراحل حساسة بالنسبة للدول الداعمة لداعش ابرزها تركيا المعنية بمعركة حلب أكثر من ايّ طرف آخر.

لا يشي الدعم الأميركي لقوات «سورية الديمقراطية الكردية» إلا بأمرين أساسيين، وهما استعداد واشنطن التخلي عن مصالح حليفتها تركيا اذا كان في الأمر ضرورة أو مصلحة سياسية وعسكرية أميركية، والأمر الثاني هو استعداد واشنطن ايضاً للتماشي والتعاون مع الرغبة الروسية وعدم دعم أنقرة في مواجهة موسكو في الشمال السوري اذا كانت واشنطن فعلاً متوجهة نحو وضع حجر الأساس لمرحلة السياسة المفترضة، وعلى ما يبدو تتقدّم روسيا نحو استطلاع للملف السوري والعملية السياسية. وفي هذا الإطار يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومبعوث الأمم المتحدة الخاص بعميلة السلام ستيفان دي ميستورا بسان بيترسبرغ الخميس في مشهد يعزز الحضور الروسي السياسي الذي يتصدّر تنسيق وتحديد شكل العملية السياسية في سورية.

من جهة أخرى تتحضّر القوات الاسرائيلية في الجبهة الشمالية وتتدرّب تحسّباً لأيّ معطى او خطوة أمنية على ما أعلن عنه الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، ما يدلّ على توقع شيء ما من جهة لبنان او ربما ربط التأهّب بما يجري في سورية وإمكانية التهاب الجبهات وارتباطها بشكل دراماتيكي، علماً انّ الاستنفار من الجهتين، ايّ حزب الله و«اسرائيل»، حاضر بقوة منذ بداية الأزمة.

اقتراب حسم الشمال السوري يضاف اليه معطى أساسي تمثل باجتماع وزراء دفاع الدول الحليفة الثلاث روسيا وإيران وسورية، في طهران، وخروج معلومات عن حسم ميداني متفق عليه خلال الجلسة كان قد استبقه الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه امام مجلس الشعب بموقف واضح لجهة اقتراب المفصل الأساسي من عمر الأزمة بتأكيده انّ مقبرة أردوغان وأحلامه ستكون في حلب «بالتأكيد».

لبنان الذي ينتظر مجمل التطورات بالمنطقة من أجل التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية لم يستطع حتى الساعة حسم هذا الملف في عجز غير مسبوق أكد تدويل الاستحقاق اللبناني منذ ما بعد اتفاق الطائف بشكل متطرف لجهة انعدام قدرة الأفرقاء مجتمعين على التوصل لأيّ حلّ محلي، وهو ما يزيد إمكانية إدخاله في الأزمة المتحركة التي قد لا يقتصر حضورها دستورياً بل ويتعدّاها للأزمة الأمنية، فكلما اقتربت المعركة في الشمال السوري نحو التصعيد فإنّ هذا يعني رفع الأوراق المتبقية دولياً أمام الحلف المقابل وتسعيرها لإحداث توازنات ممكنة، وعلى هذا الأساس فإنّ اشتعال الجبهة اللبنانية أمنياً وسياسياً هو الأكثر ترجيحاً بعد ما شهدت سورية ومعها العراق محاولات كبيرة لإيقاف عمليات الفلوجة والشمال فتصاعدت عمليات التفجير خصوصاً تلك في الساحل السوري لأول مرة بالشكل الذي أتت عليه.

لا يمكن للشارع اللبناني غضّ النظر عن كلّ ما يجري في سورية، ولا عن المواقيت التي تحصر المنطقة بين استحقاقين أساسيين أولهما يتمثل بما تمّ الاتفاق عليه اميركياً وروسياً حول شهر آب كموعد دستور سورية الجديد، والثاني الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الاميركي الذي يتطلب موقفاً واضحاً من الرئيس الاميركي باراك اوباما يجيّر لصالح الحزب الديمقراطي ومرشحته هيلاري كلينتون.

الشارع اللبناني يقع هو الآخر امام مرحلة جسّ نبض كبرى، فالتوتر الذي بدأ فعلاً في البلاد توازياً مع «مُهل» المنطقة تشهد بيروت ساحته الاولى بانفجار أول من نوعه شكلاً ومضموناً شوّش استقراراً طويلاً عاشته البلاد، ورسم أسئلة عديدة عن غاياته وأهدافه خصوصاً أنه أوحى بشكله واستهدافه بأزمة المصارف وحزب الله، ايّ انّ نوايا الفاعلين لم تتعدّ فكرة البقاء في إطار التصعيد الكلامي لتصل إلى مرحلة التطبيق والإعلان عن نية الاستعداد للتصعيد وبث الخلاف وتسعيره كفتيل مناسب.

وبالرغم من كون التفجير حاجة لبعض القوى التي تسعى لاستثمار الأحداث الأمنية لتجييرها لصالح استنهاض شارعها المحبط كما كانت عادة تعوّل على مفاعيل الانفجارات والدماء، فإنّ هذا لا يعني إمكانية العبور نحو ضمانات واضحة او القدرة على ترميم ما خسرته العلاقة بينها وبين قاعدتها الشعبية. وهنا تحاول جبهة 14 آذار بما تبقّى منها الوقوف اعتراضاً على سياسات حزب الله في سورية أمام مصرف لبنان تعبيراً عن التضامن.

الحدث المهمّ أتى من عند النائب سامي الجميّل الذي «أمر» في أكثر الأوقات حساسية باستقالة وزيري حزب الكتائب قزي وحكيم من دون استجابة الثالث جريج كونه ليس حزبياً.

تجتمع اذاً كلّ عوامل الانهيار والتصعيد الداخلي حكومياً ودستورياً وعلى هذا الأساس تسهم القوى المحلية باللعب بورقة لبنان الذي سيكون على موعد مع جسّ نبض القوى الخارجية المستفيدة التي ستتوجه نحوه لقطاف التوتر وصرفه رصيداً سياسياً داخلياً ولو كلف لبنان فوضى وضجة و«دماء» بعلم أفرقائه!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى