لبنان ما زال حلماً… والمطلوب ورشة إصلاح شامل
ميسم حمزة
سنوات مضت ولبنان على حاله، فيخالجنا الشعور بالألم، لأنّ رهاننا على لبنان جديد قد فشل، وأنّ رؤيتنا لغدٍ أفضل ما زالت حلماً قد لا يتحقّق. صحيح أنّ الوطن قطع أشواطاً على طريق السّلم الأهلي بعد الحرب التي شهدها، وحقّق انتصاراً على العدو الصهيونيّ، ولكن حتى اليوم لم يتحوّل الوطن كلّه إلى ورشة استنهاض لكثير من الطاقات، وإنجاز الكثير من المشاريع لتغيير الواقع الحالي…
أقول هذا وكلّ الشعب اللبنانيّ متطلّع إلى المستقبل، وغير واقف أمام الوضع القائم بكلّ شوائبه وبكلّ الجمود العام الذي أوجدته السياسات والقوانين المتعاقبة، وما ترتّب عنها من أزمة معيشيّة خانقة أدّت بالوضع الاجتماعيّ إلى ملامسة حافّة الانفجار، وأفرزت حالة من الانفلات قدّمت نفسها قتلاً وسلباً وانتهاكاً للحرمات، وتجاوزاً للقوانين، وهو ما يجعل من الصورة الورديّة التي كنا نمنّي النفس بها، صورة قاتمة يجب تداركها قبل فوات الأوان.
وحتى قوانينه ما زالت هشّة، فعلى الرغم من أنّ لبنان يحاول تفعيل أنظمته فلم يصل بعد إلى إنجاز قانون عادل ومنصف للانتخابات، يعتمد النسبيّة، وخفض سنّ الاقتراع، وأن يكون لبنان دائرة واحدة الأمر الذي يكفل تمثيل الجميع، وينشّط الحياة البرلمانيّة، ويسمح بإعادة هيكلة الإدارة وتجديدها. وهذا بدوره يساعد على النمو الاقتصاديّ، وإيجاد فرص عمل جديدة، وتخفيف الضائقة المعيشيّة، والحدّ من البطالة، وتقليص الهجرة، وإعادة التوازن إلى الوضع المالي العام، والتقليل من حجم الدَّين إلخ…
كلّ هذا، ولبنان جزء من وطن عربيّ يعاني من أزمات واقتتال وحروب. صحيح أنّه ليس صانعاً للمشهد العربيّ، إلّا أنّه مؤثّر في أحداثه، لهذا فإنّ لبنان تمّ إشغاله بحرب أهليّة منذ العام 1975، تركت جروحاً وندوباً عميقة في الواقع السياسيّ والاجتماعيّ في لبنان، والتي أدّت فيما بعد إلى اتفاق الطائف، الذي تضمّن في شقّ منه آليات مؤقّتة ومبادئ دائمة.
المطلوب اليوم لتصحيح الوضع اللبنانيّ وللخروج من الأزمة تعزيز قدرات لبنان على الصمود في وجه حملات الشرق أوسطيّة الزاحفة من عواصم عالميّة غربيّة، واعتماد نظام انتخابيّ حديث يصحّح التمثيل الشعبيّ باعتماد نظام النسبيّة، وصون السّلم الأهليّ، وإعادة بناء المؤسّسات الدستوريّة على أُسُس وطنيّة سليمة، ومن خلال إصلاحات جذريّة في بُنية النظام السياسيّ القائم، وإصلاح السياسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة وحلّ مسألة المديونيّة والشؤون الحياتية وإطلاق ورشة استخراج البترول ، وتنظيم القطّاع الماليّ والنقديّ، والقيام بحملة وطنيّة لمحاربة الفساد عبر ورشة إصلاح شامل، سياسيّ وإداريّ وقضائيّ واقتصاديّ ومجتمعيّ.