سلامة للمصارف: مهمتكم ليست في ملاحقة المقرّبين من حزب الله وإقفال حساباتهم… بل تطبيق الآلية فقط
محمد حمية
أكثر من سبب يقف خلف الأزمة بين حزب الله من جهة والمصرف المركزي والمصارف من جهة ثانية، على خلفية قانون العقوبات الأميركي على الحزب. وإذا أمكن اعتبار اجتهاد بعض المصارف في تنفيذ الإجراءات بشكلٍ تعسّفيّ كان خطأً له ما يبرّره بحسب المدافعين عن هذه المصارف، فما الذي يبرّر استمرار اجتهادها بعد صدور تعاميم المصرف المركزي وآلية التطبيق؟
تتضارب المعلومات والوقائع حول المناخ الذي كان سائداً بين حزب الله والحاكمية والمصارف قبل أيام قليلة على التفجير الذي استهدف المركز الرئيس لمصرف «لبنان والمهجر». لكن ما بدا واضحاً، أن المناخ كان تصعيدياً وليس في اتجاه التهدئة، لا سيما أن اجتماعات وفد حزب الله والحاكم والمصارف كانت متوقفة قبل أسبوع من التفجير، بينما جاء تصريح الحاكم رياض سلامة لقناة «CNBC» ليشعل غضب الحزب، ليردّ على الحاكم ببيان قاسٍ صدر عن «كتلة الوفاء للمقاومة» النيابية. وما أثار استياء حزب الله أكثر، أنّ تصريح الحاكم أتى بعد أيام على زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون تمويل الإرهاب دانيال غلايزر إلى لبنان.
فهل جاء التفجير فعلاً ليعرقل التقدم الإيجابي الذي تم التوصل إليه بين الطرفين؟ أم للدخول على خطّ الاشتباك وتأجيج الخلاف؟ وهل استطاعت الاجتماعات التي تلت التفجير، لا سيما بين الحاكم ولجنة المصارف وبعده اجتماع السراي باحتواء تداعيات التفجير؟ وهل عاد التواصل بين الحزب مع الحاكم والمصارف؟ وهل نحن أمام مسلسل استهداف المصارف لضرب القطاع المصرفي وبالتالي استقرار الليرة؟ وهل هناك خطر على الاستقرار الاقتصادي في ظلّ خطر الإرهاب الذي يتهدّد لبنان؟
الحوار قائم إنما عبر «قنوات»
تقول مصادر مطّلعة على ملفّ العقوبات الأميركية على حزب الله، لـ«البناء»، إنّ التفجير جاء في وقت قُطع فيه الحوار بين الحزب والحاكم والمصارف مرحلة إيجابية في محاولة لعرقلة الحلول والتشويش على التقدم الذي حصل.
وشدّدت المصادر على أن أهمّ خطوة حصلت بعد التفجير، إعلان لجنة المصارف بعد اجتماعها الالتزام التام بتعاميم المصرف المركزي. وتؤكد المصادر أن الحوار قائم بين وفد الحزب والحاكمية بعد التفجير عبر أكثر من قناة، وأن الأمور تتجه إلى حلول، لا إلى مزيد من التأزّم.
«Soci t G n rale» رفض الالتزام
وعلمت «البناء» أن مصرف « Soci t G n rale» طالب خلال اجتماع اللجنة بخروج بيان يتضمّن اتهام حزب الله بالتفجير، وبعدم التزام المصارف بتعاميم المصرف المركزي. لكن رئيس مجلس إدارة «مجموعة لبنان والمهجر» نعمان الأزهري، قدّم مداخلة ممتازة بأنّ «بنك لبنان والمهجر» لكل اللبنانيين، ويرفض اتهام أيّ جهة، وأن اللجنة تحت سقف المصرف المركزي.
وعلمت «البناء» أيضاً أنّ نبرة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة علت خلال حديثه مع مدير عام مصرف «Soci t G n rale» أنطوان صحناوي خلال اجتماع لجنة المصارف والحاكم الذي قال لصحناوي الذي رفض الالتزام بتعماميم المصرف المركزي: «ستلتزم غصباً عنك». كما أكد سلامة أمام لجنة المصارف أن «جوهر القانون الأميركي البحث عن مصدر تمويل حزب الله لا عن أعضاء الحزب. لذلك مهمتكم كمصارف لا تكمن في البحث عن الأشخاص المقرّبين من الحزب وإقفال حساباتهم، بل عليكم تطبيق التعاميم والآلية التي اتفقنا عليها. وأيّ حسابات مصدرها مشبوه فهيئة المصارف العليا هي التي تحسم أمرها». وأبلغت مدراء المصارف الحاكم بأنهم ملتزمون.
لا خطر على القطاع المصرفي
ويُطمْئِن الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة في حديثه إلى «البناء» أن لا خطر على القطاع المصرفي في لبنان ولا على استقرار الليرة ولا على الاستقرار الاقتصادي في لبنان بشكل عام. ويضيف: التفجير الذي استهدف مصرف «لبنان والمهجر» هدفه واضح، ولم يؤدّ غرضه، بل جاءت نتيجته معاكسة إذ اتّحد المجتمع اللبناني وأركان الدولة حول القطاع المصرفي لأنه أولوية لدى جميع الاطراف بمن فيهم حزب الله.
ويشدّد حبيقة على أن لا مجال أمام المصارف إلا تطبيق الإجراءات الناتجة عن قانون العقوبات الأميركية على حزب الله، لكن هناك لامبالاة من المصرف المركزي، وتقصيراً في عدم استباق التطوّرات، لا سيما أن اللائحة الأميركية التي تتضمن الأسماء والشركات التي ستطاولها العقوبات صدرت منذ وقت طويل وتضمّنت بعض الأسماء التي لا علاقة لها بحزب الله، لكن إدراجها حصل بناء على أخبار ومعلومات وتقارير مغلوطة وفي إطار الاستهداف التجاري أو السياسي لبعض الأشخاص أو الشركات.
ويتابع: كان على مصرف لبنان مذّاك، أن يراسل وزارة الخارجية الأميركية بأن هذه الأخبار والتقارير مغلوطة، وأن هناك مصارف تأمركت أكثر من الأميركيين، ما أدّى إلى سوء تطبيق القانون وعدم معالجة مسبقة للأزمة ظهرت خلال إقفال حسابات بعض نواب حزب الله.
اجتماع السراي جاء متأخراً
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أنّ مصرف لبنان كان يجب أن ينشئ لجنة التحقيق المصرفية الخاصة منذ وقت طويل قبل انفجار الأزمة. ووصف حبيقة بيان لجنة المصارف بالجيد. ويعتبر أن اجتماع السراي الحكومي الذي جمع رئيس الحكومة تمام سلام ووزير المالية علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس لجنة المصارف جوزف طربيه جاء متأخراً.
ويتابع: كان على رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس سلام منذ شهرين الطلب من حزب الله إرسال وفد خبراء تقنيين ووفد تقنيّ من المصارف ومصرف لبنان وجمعهم على طاولة للحوار للوصول إلى حلّ يحول دون تنفيذ الإجرءات التعسفية من قبل المصارف. فالحل يجب أن يكون تقنياً وعلمياً لا سياسياً.
الليرة مستقرّة
ويُطمئن حبيقة إلى أن لا خطر على استقرار الليرة، لوجود احتياطات نقدية تقدّر بـ50 مليون دولار وبقيمة 10 مليارات دولار ذهب في المصرف المركزي، فضلاً عن أن أحداً من الأطراف الداخلية لا يريد ضرب استقرار الليرة.
ويتابع: الدول حريصة على استقرار الوضعين النقدي والاقتصادي في لبنان لأسباب عدّة، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، فالقوى الدولية لا تريد أزمات جديدة في المنطقة في ظلّ اشتعال المنطقة بالأزمات لا سيما في سورية.
ولفت حبيقة إلى أنّ المشكلة في لبنان سياسية ولا علاقة لها بالمصارف، بل تتعلق بعدم انتظام الوضع السياسي الذي يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وإجراء انتخابات نيابية. وعندئذٍ ستتحرّك الاسثمارات ويزدهر الاقتصاد.
من يقف خلف التفجير؟
يرى الخبير العسكري والاستراتيجي العميد الدكتور هشام جابر أن مكان تفجير «لبنان والمهجر» وتوقيته وحجم العبوة المستخدمة فيه، أمور تؤكد أنّ التفجير لا يدخل في خانة الأعمال الإرهابية التي تنفّذها التنظيمات التي نعرفها، والتي تهدّد لبنان كتنظيمَي «داعش» و«جبهة النصرة»، والتي تهدف إلى قتل أكبر عدد ممكن من الأشخاص. فالتوقيت مدروس بدقة، وحجم العبوة غير ذات قوة تدميرية كبيرة، لكن هذا لا يعني أن لبنان لم يعد هدفاً لهذه التنظيمات الإرهابية.
ويرجّح جابر فرضية الطابور الخامس بهدف ضرب الاستقرار الأمني في لبنان وخلط الأوراق وتهديد القطاع المصرفي. والمطلوب اتهام حزب الله الذي لا مصلحة له بأن يكون شريكاً ولا متدخّلاً ولا متواطئاً أو يغطي عملاً إرهابياً كهذا، في ظل الاتهامات الموجّهة إليه زوراً بالإرهاب. وبالتالي لا مصلحة له بأن يقوم بهذا العمل وتلصق به تهمة الإرهاب. خصوصاً أن المعلومات تؤكد توصّل حزب الله وجمعية المصارف قبل يومين على التفجير إلى نوع من التفاهم للحدّ من الأضرار الناتجة عن القانون الأميركي. فجاء التفجير لخلط الأوراق من جديد.
كما يرجّح جابر وقوف جهة ما خلف التفجير تُعرف بالطابور الخامس، لها مصلحة في خلط الأوراق. أما المستهدف فهو الأمن في لبنان والقطاعين المصرفي والسياحي. وهذه الجهة قد تكون أجهزة استخبارات «إسرائيلية» أو عربية أو إقليمية. القوى الأمنية والأدلة الجنائية إن كانت الشرطة القضائية أو فرع المعلومات، لديها القدرة لكشف الجهة المنفّذة. لكن إذا لم يتم الكشف عن الجهة خلال أيام فتكون الجهة أجهزة استخبارات خارجية لا مصلحة للدولة بأن تكشف عنها.
وأضاف: هناك احتمال ضئيل أن تكون مجموعة من البيئة الحاضنة لحزب الله الناقمة على المصارف قد نفّذت التفجير، لكن إذا كانت هذه الفئة تتعاطف مع حزب الله فإنها أول من أصابته وأضرت به هو الحزب نفسه، ما يعني كَمَن يطلق النار على نفسه… وهذا غباء مطلق.
وعن تحذير بعض السفارات الأجنبية في لبنان رعاياها من ارتياد المطاعم في الحمرا ووسط بيروت قبل حصول التفجير بساعات، يرى جابر أن هذه السفارات لديها علاقات مع الاستخبارات الدولية، وهذا يزيد من احتمال أن تكون أجهزة دولية تقف خلف تفجير «لبنان والمهجر»، أو كانت على علم مسبق به، وغضّت النظر، مع عدم استبعاد احتمال وقوف جهة إقليمية خلف التفجير.
أسباب تراجع التفجيرات الإرهابية
واستبعد جابر أن يتكرّر استهداف المصارف لأن الرسالة وصلت، لكن لبنان لا يزال هدفاً للتنظيمات الإرهابية وإن توقفت العمليات الإرهابية لأسباب عدّة أوّلها كفاءة الأجهزة الأمنية وخبرتها، هي التي استطاعت خلال السنوات الأخيرة كشف عشرات العمليات الإرهابية كانت قيد التحضير. وثانياً التنسيق بين الأجهزة لا سيما بين استخبارات الجيش وفرع المعلومات والأمن العام وأمن الدولة، لكن احتمال تنفيذ أعمال إرهابية يبقى قائماً ووارداً، لأن المجموعات الإرهابية في البقاع تحاول البحث عن خاصرة رخوة ولديها خلايا نائمة في المخيمات وغيرها، ربما تطلب منها تنفيذ عمل تفجيريّ لتخريب الأمن في لبنان. أما السب الثالث لتراجع التفجيرات الإرهابية بحسب جابر، فهو تقلّص البيئة الحاضنة للإرهاب حيث لم يعد لبنان بيئة حاضنة للتنظيمات الارهابية. والانتخابات البلدية في عرسال أظهرت ذلك.
ويبدي جابر اعتقاده بأنه على رغم الخلاف السياسي الحادّ، فإن جميع الأطراف في الداخل متّفقون على مكافحة الإرهاب وعدم تبرير أيّ عمليات إرهابية. فالخطاب السياسي الذي كنّا نسمعه عام 2013 الذي كان يبرّر العمليات الإرهابية توقف، والخطاب الديني الذي كنّا نسمعه في المساجد توقف لأن الذي يقف خلف هؤلاء اكتشف أنه لا يحقق أغراضه، لأن الناس لا يتقبلون هذا الخطاب المتطرّف، فضلاً عن تقلّص البيئة الحاضنة وتنسيق الأجهزة الأمنية اللبنانية مع الأجهزة الامنية الدولية. ويضيف: لكن لا يعني ذلك أن تتراخى الأجهزة لأن هناك أهدافاً سياسية ودبلوماسية واقتصادية وتجارية معرّضة للاستهداف، ونحن لم ننتقل إلى مرحلة أمنية خطيرة جداً، إنما يجب الحذر. الأحداث في سورية تنعكس على لبنان بشكل سلبي، «داعش» موجود في سورية وعلى مقربة من الحدود اللبنانية وتحديداً في مخيم اليرموك والقلمونين الشرقي والغربي. و«داعش» محاصَر، وعندما يتعرّض لغارات سينتقل إلى الحدود اللبنانية كي يكون في مأمن من غارات الطيران الروسي والسوري.
خطورة الخلايا النائمة
ويحذّر جابر من خلايا تنظيم «داعش» النائمة في لبنان، لا سيما في «عين الحلوة»، حيث يتمدّد التنظيم بشكلٍ ملموس على حساب الفصائل الفسطينية. ويضيف: إذا أمسك «داعش» بـ«عين الحلوة» فالوضع سيكون خطير جداً وسنكون أمام «نهر بارد» جديد لوجود 150 ألف مواطن في المخيم سيتحولون إلى رهائن. وحينئذ سيفرض التنظيم الشروط التي يريدها على الدولة. أما الخطر الأكبر فهو تمدّده إلى صيدا، ما سيخلق عشرات من أحمد الأسير، وبالتالي يقطع طريق الجنوب ـ بيروت الحيوية بالنسبة إلى المقاومة وبيئتها الشعبية، ما سيؤدّي إلى فتنة واستدراج حزب الله إلى فتنة في الداخل، وهذا مطلب خليجيّ و«إسرائيلي»، في ظل التنسيق بين كيان الاحتلال والدول العربية لجهة كيفية إضعاف حزب الله والقضاء عليه. وما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية أنّ «إسرائيل» لن تستطيع شنّ حرب على لبنان لأن حزب الله في جهوزية تامة للردّ على رغم تورّطه في الحرب في سورية، لكن استدراجه إلى فتنة داخلية سيجعله مكشوف الظهر، ويسهّل على «إسرئيل» القيام بضربه في الجنوب، وهذه مهمة الدول العربية تمهيداً لضربة «إسرائيلية» عسكرية.