دعاية انتخابية باعتداء إرهابي!
سيف حديد
بينما تشهد الولايات المتحدة الأميركية «معركة انتخابية» أقلّ ما يمكن وصفها بالساخنة تستخدم فيها كافة أنواع «الأسلحة السياسية والدعائية»، يأتي اعتداء أورلاندو بولاية فلوريدا، والذي يعدّ أعنف هجوم إرهابي في تاريخ أميركا بعد هجمات 11 أيلول، والذي تبنّاه تنظيم «داعش» الإرهابي ومنفذه من أصول افغانية، ليتقدّم على طبق من ذهب للمرشح المحتمل عن الحزب الجمهوري لخوض سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترامب، والذي يعتمد على خطاب الكراهية وترسيخ «الاسلاموفوبيا» كمنهج لحملته الترويجية، حتى بات يعرف بـ»مرشح الكراهية».
وما أن خرج الرئيس الأميركي باراك أوباما ليصف الهجوم الذي نفذه مسلح على نادٍ ليلي يرتاده مثليون في ولاية فلوريدا راح ضحيته 50 قتيلاً وأصيب 53 آخرون بجروح، بأنه «عمل إرهابي» و»تعبير عن الكراهية»، حتى أصدر ترامب بياناً يدعو فيه الرئيس أوباما إلى الاستقالة من منصبه، لأنه لم يقل تعبير «الإسلام الراديكالي» في بيانه الذي ألقاه تعليقاً على «مذبحة أورلاندو».
وأضاف ترامب في البيان: «لأنّ قادتنا ضعفاء، أنا توقعت أن يحدث هذا، ولن يزيد الأمر إلا سوءاً، أنا أحاول إنقاذ الأرواح ومنع وقوع الهجوم الإرهابي المقبل».
على الرغم من تسجيل 16 اعتداء حصلت في الولايات المتحدة الأميركية خلال عهد أوباما إلا أن هجوم أورلاندو له نكهة خاصة، من حيث دوافعه وأهدافه والرسالة التي نطقت حروفها رصاصاً، والأهمّ هو في توقيته الذي يوفر إمكانية استغلال لا يفقهها إلا الراسخون في استثمار الإرهاب سياسياً، وانتهاجه خطاباً دعائياً من شأنه إيصال المرشح إلى سدّة الحكم وتسيّد البيت الأبيض.
وللجمهوريين تجربة سابقة مع حادثة انهيار برجي التجارة العالمية، تقول الرواية الرسمية أنها نتيجة اصطدام طائرتين بالبرجين أسفرت عن انهيار المبنيين لتخالف تلك الرواية منطق الفيزياء، فيما باتت الواقعة تعرف بهجمات 11 أيلول، التي بفضلها حصد جورج دبليو بوش نسب التأييد الكبيرة من الأميركيين لخوض حربين واحتلال بلدين، وبعد مرور عقد ونيّف على تلك الحادثة تعجز الإدارة الأميركية حتى اللحظة عن تقديم دليل قطعي يثبت أنها من صنع وتنفيذ تنظيم «القاعدة». ليكون العام 2016 شاهداً عن تلاقي مصالح ترامب و»داعش» بتنفيذ اعتداء إرهابي في أميركا يجني الطرفان ثماره في آن واحد.
فتنظيم «داعش» الذي يوقد شمعته الثالثة كـ»نجم» في ميدان «الإرهاب العالمي» يبحث عن «نصر إعلامي» بعد دخوله في عامه الأخير من عمره 3 سنوات الذي حدّده البنتاغون عقب «سقوط الموصل»، ويلفظ الآن أنفاسه الأخيرة، نتيجة خسائره الكبيرة على خلفية انطلاق عمليات عسكرية كبرى تستهدف معاقله في سورية والعراق وليبيا.
فيما ترامب يبحث عن دليل ملموس على الأرض يدعم رسالته الإعلامية، ويخدم الخطاب الدعائي الذي يتبنّاه بحملته الترويجية في سباقه الانتخابي.
يقسم خبراء التسويق السياسي، السوق الانتخابي إلى ثلاث فئات رئيسية يعتبر نسب فئتان منها ثابتة المؤيدون، المعارضون لا ينجران وراء الخطاب الترويجي، فيما يتركز الجهد الدعائي على فئة المتردّدين ، وفي وقت يشير استطلاع رأي أجرته صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى تقارب نسب شعبية المتنافسين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، إذ أظهر ميل نحو 46 في المئة من الأميركيين للتصويت لصالح كلينتون، فيما دعم ترامب نحو 43 في المئة من المستطلعة آراؤهم، لتأتي حادثة فلوريدا مادّة دسمة لترامب يستثمرها في خطاب «الكراهية الترويجي» وتهدف لضمّ «المتردّدين» إلى صفوف «المؤيدين»، ذلك ما يرجح الكفة لصالح ترامب لتنتهي معركته الانتخابية بوصوله إلى المكتب البيضاوي.
كاتب وإعلامي عراقي