صباحات
في مثل هذا اليوم، سلّم حافظ الأسد راية الحرب للبشار، وفي مثل هذا اليوم سجّل التاريخ رحيل مؤسّس مفهوم دولة المقاومة الاستقلالية العربية الذي أدرك مسبقاً استحالة الجمع من الأكثر من كل شيء، فاختار القوة الأكثر والرفاه الأقل، وديمقراطية توزيع الثروة والخدمات الأكثر، مقابل ديمقراطية وحرية الأصوات والتصويت أقل، ومقاومة طويلة المدى أكثر ومفاوضات قصيرة الأثر أقل، والهوية الجامعة المدنية الأكثر وهويات خصوصية أقل، ودولة تحضر في الاقتصاد أكثر وقطاع خاص يتحكّم أقل. فكانت العجينة التي صاغ منها الرئيس بشار الأسد صمود سورية الأسطوري في أعقد حرب عالمية، وشقّ بها الطريق إلى النصر.
سلام للجياع في سورية الذين يكابدون عناء الصيام… سلام للمنسيّين منهم على رغم ما يجري عن الحصار من كثير الكلام… في الفوعة وكفريا آلاف يفتقدون الخبز والملح ولا يطلبون أكثر، يشربون الشاي من دون سكر ويسمعون عن القوافل والإغاثة في نشرات الأخبار، وعن جهود أممية لفكّ الحصار. وهم ليسوا خبراً في نشرة وليسوا في عقول المبعوثين مجرّد فكرة إلا عندما يصبحون شرطاً لمقايضة، وهل يقايض جوع بجوع إلا عندما يصير الجوع تجارة… سلام للصامدين على الثغور لا يتوسّلون، يعصرون الصخر ويطحنون الحجارة… سلام لحماة الديار في كلّ مكان يصنعون من صمودهم أسطورة الأمن والأمان ولا يسألون جزاء ولا شكوراً، ولا ينتظرون الظهور في صورة… إلا عندما يستشهدون… ألف سلام يستحقون.
الزراعة التي سيحميها شهيّب من منافسة المنتوجات السورية ليست زراعة الفلاحين، بل زراعة الفتن. ويكفي تنكّراً لما قدّمته سورية للزراعة اللبنانية من أسواقها أيام المِحن. ويكفي أن يقول شهيّب إنّ قلبه على العملة الصعبة كي لا تدخل إلى سورية ويكتمل الحصار. لنعرف أنه المدافع عن التجّار والناطق بلسان الفجّار… نعرفه من أيّام الاجتياح يدلّ المحتلّ على المقاومين وينقل للعملاء السلاح. نعرفه كما نعرف الليل والنهار… فليمسكه سيّده على يده قبل أن يطلّ الصباح ويصير الصمت انتحاراً… الصمت عيب كبير على كلام عنصريّ صغير.
الذين خرجوا يتّهمون المقاومة بتفجير مصرف يعتدي على حقوق الناس هم صورة في المرآة للّذين اعتدوا والذين فجّروا… شركاء أو أجراء لا فرق. فقد صمّم العدوان بالعقوبات كقرار ليعتدي على الناس التجّار، وتأتي الاستخبارات بالانفجار ويخرج بالاتهام الفجّار… أبناء نسل الأفاعي.
عندما يقول كيري إنّ صبره يكاد ينفد من موسكو لأنه يريد موعداً لرحيل الرئيس السوري، فماذا سيفعل عندما ينتهي الصبر؟ هل سيجرّد الأساطيل ويستعيدها كما قبل سنوات؟ أم سيأتي بـ«القاعدة» إلى سورية؟ أم سيطلق يد السعودية وتركيا؟ أم سيذهب إلى مجلس الأمن يشكو ويطلب العقوبات؟ أم أنه يراهن كما كلّ مرّة أنه ملح وبهار وكلام الليل يمحوه النهار؟
أردوغان يتوسّل برسالة لبوتين تناسي الخصومة، ويردّ القيصر أنّ الاعتذار ليس واضحاً. لأن موسكو تعرف أنّ السلطان المأزوم لاعتماد حليفه الأميركي على الأكراد في الرقة يريد الابتزاز الموهوم بأنه يملك الخيارات ويختار بدقّة. فتقول روسيا إنها غير معنية، وليقلع المجانين أشواكهم بأيديهم. فقد آن الأوان ليتذوّقوا طعم حليفهم يدميهم. مَن ينتظر فجور ابن آوى يبتلع المنجل من شدّة غبائه، سيسمع لاحقاً وطويلاً بكاءه وعواءه!
الابتسامة التي لا تنبع من شعور بالرضا في الصباح ينتظر فرصة الضوء للخروج إلى شرفة الشفاه، لا تزرعها أكوام الضحكات المتناثرة على مدار الليل والنهار. يبدأ النهار بتوجيه دعوة مستعجلة لابتسامة مفقودة ومحاكاة النفس حتى تشرق فيصير النهار جميلاً. ومن نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً.