بوتين يدعو دي ميستورا وبان لإعلان جولة جديدة في جنيف بمن حضر فضيحة حرب على طاولة الحكومة… والسعودية للنأي بالنفس عن الحريري

كتب المحرر السياسي

في شمال شمال سورية حروب متنقلة بين حلفاء أميركا وحلفاء حلفاء أميركا، بينما في جنوب الشمال يتقدّم الجيش السوري غرباً نحو جبل التركمان وشرقاً نحو الطبقة، ففي شمال الشمال يتنازع «داعش» و«قوات سورية الديمقراطية» و«جبهة النصرة» والفصائل المنضوية تحت لواء جماعة الرياض على من يمسك بمنبج ومارع وأعزاز، ومعارك كرّ وفرّ تخرج من تحت السيطرة الأميركية وتظهر التباينات التركية الأميركية من خلالها حول دور الجماعات الكردية المسلحة، لتنكشف مكانة «جبهة النصرة» كحصان رهان يقود الآخرين تحت مسمّى «جيش الفتح»، الذي أعلن رفض الهدنة التي دعت إليها موسكو، ولم تصدر واشنطن التي نفد صبر وزير خارجيتها جون كيري، بينما دعاه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إلى التحلي بالمزيد من الصبر، ربما لما سيلقاه من دعوة لهدنة ومحادثات في جنيف بمن حضر، والهدنة بمن حضر تعني أنها تستثني «النصرة» ومن قبل الخروج من تحت لوائها ولواء «جيش الفتح» الذي تقوده تشكله أحكامها، وجنيف بمن حضر يعني بوفد معارض بديل إذا رفض وفد جماعة الرياض المشاركة، وهنا قد يحتاج كيري للصبر لحلّ معضلة ما سيقوله للذين وضعهم يخوضون حرباً يحتاجها ضدّ «داعش» من الأكراد والعلمانيين في «قوات سورية الديمقراطية» إذا إقترحت موسكو دعوتهم إلى جنيف، وعارضت أنقرة والرياض.

هدنة وجنيف بمن حضر عنوان المقترح الذي تقدّم به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والمبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، اللذان سيشاوران الأميركي قبل اتخاذ أيّ موقف، فإنْ رفضت واشنطن صارت الحرب التي تخوضها سورية وحلفاؤها مشروعة بلا قدرة احتجاج ونفاد صبر أميركيّين، وإذا قبلت واشنطن بدأ فك وتركيب المعارضة وتحديد الأحجام الإقليمية الحديدة لتركيا والسعودية، وصارت للحرب روزنامة سياسية وليس فقط جدول أعمال عسكري.

لبنانياً، تحوّلت جلسة الحكومة إلى حوار ساخر من التقرير الفضائحي الذي قدّمه وزير الإتصالات بطرس حرب عن قرصنة الأنترنت وجاء خالياً من أيّ شيء يتصل بالملف بداعي إعداد التقرير قبل شهور، وخالياً من كلّ جواب على أسئلة تمديد عقود الخليوي والتعاقدات بين الوزارة و«أوجيرو» من وراء ظهر الحكومة وسواها من القضايا الإشكالية، وختمت الفضيحة بمنح الوزير المقصّر مهلة أسبوعين لإعداد التقرير المطلوب.

سياسياً بينما تشهد كلّ جبهات السجال هدوءاً يبدو متفقاً عليه، ويعتمد الفرقاء الصمت، تجاه قضايا الخلاف وتؤجّل الملفات التصادمية، يبدو السفير السعودي علي عواض العسيري يترجم توجيهات وزير الخارجية عادل الجبير التي تعبّر عن توجهات ولي ولي العهد محمد بن سلمان بالنأي بالنفس عن الرئيس سعد الحريري، والتصرف كمرجعية منفتحة على الجميع لم تعد دارة آل الحريري بوابتها، وهذا ما قرأته مصادر متابعة للسياسة السعودية في لبنان من خلال خارطة الإفطارات التي دعت إليها السفارة السعودية خلال شهر رمضان.

المواد التفجيرية خارج السراي

لم يقارب مجلس الوزراء تفجير فردان إلا من زاوية إدانة رئيس الحكومة تمام سلام التفجير وتأكيده حرص الحكومة على الاستقرار الأمني وحماية القطاع المصرفي الذي يقوم بدور كبير على الصعيد الاقتصادي والوطني، مشيراً الى «الإجراءات المتخذة في هذا المجال سواء على صعيد مصرف لبنان أم على صعيد جمعية المصارف أو الإجراءات القضائية والأمنية الكفيلة بحماية هذا القطاع».

لم يقترب مجلس الوزراء الذي التأم في ظلّ استقالة ثلاثة من وزرائه ألان حكيم، سجعان قزي وأشرف ريفي من ملف العقوبات الأميركية على حزب الله، والعلاقة بين الحزب والمصرف المركزي والمصارف، فهناك اتفاق بين جميع مكونات الحكومة على أن يبعد الملف عن طاولة الحكومة ويبقى في عهدة الرئيس سلام بالتنسيق مع وزير المال علي حسن خليل وحاكم المصرف المركزي رياض سلامة، أما الوزيران محمد فنيش وحسين الحاج حسن فالتزما الصمت واكتفيا بالقول قبيل دخولهما الجلسة رداً على سؤال عن التفجير: «نحن في هذه الأيام صائمون».

وتطرّقت الجلسة إلى ملف النفايات لكنها لم تدخل في تفاصيله على أن يخصّص مجلس الوزراء جلسة خاصة لبحث هذا الملف في وقت لاحق. ولم تأت الجلسة على نقاش «مواد تفجيرية» عالقة مرتبطة بجهاز أمن الدولة وسدّ جنة والانترنت غير الشرعي. وجلّ ما في الامر أنّ وزير الاتصالات بطرس حرب أعدّ تقريراً لا يمتّ الى ما طلبته الحكومة بصلة لغاية في نفس يعقوب.

المشنوق: نبحث عن بديل ليوسف

وعلمت «البناء» أنّ سجالاً دار بين الوزيرين الياس بوصعب ووائل أبو فاعور من جهة والوزير حرب من جهة أخرى. وفي التفاصيل أنّ وزير الداخلية نهاد المشنوق طلب تأجيل طرح ملف «أوجيرو» والتخابر غير الشرعي الى موعد لاحق، وأنّ المشاورات الحاصلة تبحث في البديل عن مدير عام «أوجيرو» عبد المنعم يوسف، والامور تسير نحو الحلّ، ملمّحاً الى انّ تياره يبحث عن مخرج.

وقال حرب: «انا جاهز لأطرح التقرير والبحث في ملف الاتصالات لكن هناك مطالبة بتأجيل النقاش، فلا يلمني أحد من الوزراء». عندها تدخل بوصعب وقال: «اسمح لنا معالي الوزير نحن نتحدث بالعربي وأنت تجاوب بالصيني، نحن نريد المناقشة في التقرير الذي طلبته الحكومة التخابر الدولي غير الشرعي والانترنت غير الشرعي، العقود بين الوزارة وأوجيرو، العقد الذي وقعته بطريقة غير قانونية مع أوجيرو بـ 177 مليار ليرة من دون العودة الى الحكومة، تجديد العقد لشركتي الخلوي من دون إجراء المناقصات، وتفصيل واقع «أوجيرو» ووظيفة رئيسها وصلاحياته، في حين انّ التقرير الذي حملتهإالينا يتحدث عن الشغور في الوزارة». فردّ حرب أنّ هذا التقرير أعدّه في شباط الماضي وهذه التطورات حصلت بعد شهر شباط.

أما ابو فاعور فقال لحرب بنبرة عالية: «أنت تضحك علينا وتستخف بعقولنا». وبعد هذا السجال المستفيض منحت الحكومة وزير الاتصالات مهلة 15 يوماً لإعداد التقرير المطلوب لطرح الملف بعد أسبوعين على طاولة مجلس الوزراء للنقاش.

بوصعب: التمديد للطفيلي يعني شلّ الحكومة

وأكد الوزير الياس بوصعب لـ«البناء أنّ وزير الاتصالات ومن يغطيه من السياسيين يشترون الوقت في ملف «أوجيرو» لانهم ليسوا جاهزين لإيجاد حلّ لمشكلة عبد المنعم يوسف، ولا يريدون بحث هذا الملف قبل إيجاد مخرج لإبعاده عن منصبه». وفي ملف أمن الدولة شدّد بو صعب على «أننا أبلغنا رئيس الحكومة أنّ التمديد لنائب المدير العام محمد الطفيلي من دون اقتراح من مديره جورج قرعة يخالف القانون وسيكون مادة تفجيرية لمجلس الوزراء، وهناك رفض من كلّ الوزراء المسيحيين من 8 و14 آذار لطرح التمديد». وأشار بوصعب إلى «أنّ خطوة كهذه لا يتحمّلها الرئيس سلام إلا اذا كان هناك من نيات بشلّ الحكومة.

وتخوّفت مصادر وزارية لـ«البناء» من أن يؤدّي الخلاف السياسي حول ملف أمن الدولة إلى تفجير الوضع الحكومي إذا ما أصرّ أكثر من طرف في الحكومة على التمديد للطفيلي».

وأكدت أنّ هذا الملف لم يصل بعد الى رئيس الحكومة، متخوّفة من أن تؤدّي الملفات الخلافية إلى مزيد من اهتزاز الوضع الحكومي فضلاً عن وجود ثغرات عدة فيها، لكنها اشارت إلى أن «لا مصلحة لأيّ طرف بفرط عقدها في هذه المرحلة في ظلّ الأوضاع القائمة».

وطالب المجلس الأعلى لطائفة الروم الكاثوليك بعد اجتماعه برئاسة البطريرك غريغوريوس الثالث لحام الحكومة القيام بمهامها ومعالجة ملفات جهاز أمن الدولة واحترام الأنظمة المعمول بها في التعاطي مع الجهاز لتمكينه من القيام بمهامه وعلى الأخصّ مواجهة الإرهاب.

وقال وزير الإعلام رمزي جريج لـ«البناء» إنّ «السبب الرئيسي لاستقالة وزيري الكتائب من مجلس الوزراء هو الاعتراض على الثغرات الموجودة في خطة النفايات التي أقرّت في آذار الماضي». وأشار جريج إلى أنّ «وزيري الكتائب لم يقدّما الاستقالة رسمياً حتى الآن الى رئيس الحكومة، لذلك لم يتمّ بحث بهذا الأمر في جلسة مجلس الوزراء وعندما تصل الاستقالة إلى المجلس سيتمّ درسها والبتّ بها».

وكشف رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل أنّ «الحزب سيبلغ استقالة وزيريه رسمياً الى رئيس الحكومة تمام سلام، وبعدها سنصبح خارج الوزارات والحكومة».

افطار سعودي لـ لمّ الشمل… الحريري تراجعت شعبيته

الى ذلك، يقيم السفير السعودي علي عواض عسيري حفل إفطار في دارته في اليرزة اليوم يجمع فيه رؤساء الحكومات، في حضور مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ومفتي المناطق ورجال الدين، تحت عنون «لمّ الشمل». وقالت مصادر مدعوّة إلى الإفطار لـ«البناء» إنّ «السعودية ومنذ فترة قريبة تكوّنت لديها توجهات جديدة في ما يتعلق بالوضع في لبنان، وعلى الساحة السنية بشكلٍ خاص، وما عزز ذلك انفتاح المملكة على بعض القيادات السنية الخارجة عن توجهاتها وسياستها في لبنان، حيث بدأت التفكير بكيفية أن تكون على قدر المساواة بين جميع المكونات السنية وترتيب العلاقة مع الأطراف الأخرى من خارج الصف السني، فكان العشاء في منزل السفير السعودي بحضور جميع القوى السياسية إلا حزب الله نظراً للعلاقة المتوترة معه».

ولفتت الى أنّ «السفير السعودي فضّل اختيار أن يبدأ بجمع رؤساء الوزراء السابقين والمفتين في المناطق على أن لا يتعدّى الحضور 20 شخصية ويجري حوار في ما بينهم والهدف الرئيسي وحدة الصف السني وتجنّب التشنّج بينها على غرار مكوّنات الطوائف الأخرى التي رغم كلّ التناقضات في ما بينها لكنها حافظت على نوع من التفاهم على قضاياها المشتركة».

وشدّدت المصادر على «أنّ مرحلة الأحادية على الساحة السنية وتبني السعودية لطرف واحد قد انتهت»، مضيفة: «منذ اتفاق الطائف حتى اليوم تعاطت السعودية مع فئة واحدة داخل الطائفة السنية هي آل الحريري وهمّشت الآخرين، ولكن بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز وإقالة عبدالله التويجري جاء طاقم جديد الى المملكة وبالتالي سياسة جديدة أبرز معالمها عدم حصرية التعاطي السعودي مع فئة لبنانية سنية واحدة انما الانفتاح على الجميع».

وأوضحت المصادر أنّ «هذا الانفتاح لا يعني التخلي عن الحريري في لبنان رغم التخلي عنه في السعودية نظراً للأزمات المالية التي عصفت به، فهو سيبقى في لبنان واحداً من القوى السياسية السنية الأساسية»، معتبرة انّ السعودية عكفت على تقييم نتائج الانتخابات البلدية لتحديد وضع الحريري الجديد وخرجت بشبه خلاصة حتى الآن بأنّ كلّ الجهود السعودية لدعم نفوذ وشعبية الحريري قد باءت بالفشل ولم تحقق نتائج إيجابية بل أدّت الى تراجع الحريري على مستوى لبنان».

ونفت المصادر أن تكون السعودية داعمة لأيّ من القيادات الى رئاسة الحكومة، مضيفة: «من المبكر الحديث عن هذا الموضوع وأنّ ترشيح رئيس الحكومة خاضع للتوازنات السياسية في الداخل ولا يمكن وصول رئيس حكومة قبل انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا لا يتمّ قبل استقرار الوضع في سورية وإجراء انتخابات نيابية في لبنان وعلى أساسه يحدّد شخص رئيس الحكومة من دون إغفال أنّ الرأي الأهمّ في الموضوع سيكون للسعودية».

ولم تؤكد مصادر رئيس الحكومة السابق الدكتور سليم الحص حضوره الإفطار، وقالت لـ«البناء» إنّ الرئيس الحص لم يتخذ القرار، وشدّدت على أنّ «الدعوة هي لإفطار ولا تحمل أيّ أبعاد سياسية فهي لا تتعدّى تقريب وجهات النظر بين القيادات السنية».

تصعيد أميركي ضدّ حزب الله

وفيما تصل السفيرة الأميركية الجديدة اليزابيت ريتشارد الى بيروت نهاية الشهر الحالي، تردّدت معلومات لـ«البناء» نقلاً عن أوساط ديبلوماسية أنّ الولايات المتحدة الأميركية ذاهبة باتجاه التصعيد ضدّ حزب الله». ولفتت الى «أنّ من يدّعي الحرص على الاستقرار في لبنان لا يفتعل خضات مالية واقتصادية من شأنها ان تنعكس توتراً في لبنان»، خاصة انّ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الاميركي في صدد إصدار لائحة جديدة من الأسماء لإقفال حساباتهم المصرفية».

في المقابل، أشارت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى أنّ اللجنة المكلفة من حزب الله التواصل مع حاكم مصرف لبنان تبلغت ان لا مانع من فتح مستشفى الرسول الأعظم ومستشفى بهمن حسابات مصرفية بعد ان أدرجا على لائحة وزارة الخزانة الأميركية للعقوبات. ولفتت المصادر الى انّ الرئيس نبيه بري واللواء عباس ابراهيم يلعبان دور الوسيط بين حزب الله والحاكمية بعد اللغط الذي حصل»، معتبرة انّ هذه الخطوة حيال المستشفيات ليست كافية، وبداية الحلحلة التي ظهرت عند بعض المصارف بفتح حسابات كانت أقفلتها، يجب ان تستكمل في نظر حزب الله بوضع آلية واضحة يجري تنفيذها من قبل المصارف بشكل دقيق وتبديد الهواجس عند حزب الله وبيئته الحاضنة لا سيما أنّ بنوداً جرى الاتفاق عليها بين الحزب والحاكم المركزي ولم يتمّ الالتزام بها من قبل المصارف»، مشدّدة على أنّ حماية القطاع المصرفي تتطلب الابتعاد عن المزاجية والاستنسابية والإقفال العشوائي لحسابات تابعة للطائفة الشيعية، لا سيما انّ أرصدة اللبنانيين الشيعة في المصارف اللبنانية تقدّر بأكثر من 50 مليار دولار، والمصارف لن تكون بصحة جيدة إذا قاطعها هؤلاء».

ورأت المصادر انّ حزب الله يحاول ان يوازن بين التصعيد الإعلامي والهدوء، مشيرة الى أنّ كتلة الوفاء للمقاومة تقصّدت عقد اجتماعها امس بعيداً عن الإعلام، ما يؤشر إلى أنّ الحزب لن يظهر بمظهر المدافع عن نفسه أمام اتهامات مزعزمة وباطلة وجهت ضدّه، وفي الوقت نفسه ليس مضطراً ان يدافع عن مصرف هو جزء من حملة تشنّ ضدّه.

الحوار الثنائي مستمرّ

في غضون ذلك، لفت رئيس تيار المستقبل سعد الحريري خلال إفطار رمضاني في البقاع الى «انّ هناك مزايدات كثيرة على الحوار مع حزب الله»، وسبب الحوار تخفيف مستوى التوتر في الشارع وبين السنة والشيعة»، وأكد «اننا سنواصل الحوار مع حزب الله طالما هناك من يعمل على مواصلة الفتنة». أشار الى «اننا نعمل لإيجاد حلّ للأزمة السياسية، ولا مدخل للحلّ دون انتخاب رئيس للجمهورية، وانتخاب الرئيس يعيد عمل مؤسسات الدولة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى