شكراً سام!

ربما هذه الرسالة العاشرة التي أكتبها، ولا أعلم إن كنت سأجرؤ على إرسالها، أم أنها ستلقى مصير سابقاتها التسع. في كلّ مرّة أحاول أن أحادثك فيها، تمنعني ذكرى حديثنا الأخير. تمنعني قسوتك وكلامك الجارح حينذاك. تجعلني أُخرِس نفسي وأجبرها على الانصياع لأوامر الكرامة والكبرياء.

أكتب إليك الآن، لا شوقاً ولا حنيناً، بل امتناناً. حين قلت لك إنّك لا تعرفني جيداً وإنّني لا أعرفك. أزعجك ما اعتبرته لؤماً، ولكنّك سرعان ما أدركت أنّني على حقّ وبادرت إلى الأذية. لن أعاتبك، بل سأشكرك على جميلٍ صنعته من دون أن تدري.

لا تعرفني. لا تعرف قصّتي. ولا تدري شيئاً عن حكايتي. كنت على بعد أيامٍ قليلةٍ من إطلاعك على سرّي، ولكنك سرعان ما برهنت لي أنّك رجلٌ كأيّ رجل. لا يمكن الوثوق به والاطمئنان لوجوده. رجلٌ يسهل عليه الرحيل. كائنٌ لم يصنع من طين، بل من أنانية وقسوة.

حين رحلت حدث ما لم أكن أتوقّعه. عادةً، في كلّ مرةٍ أتعرّض للأذى من رجلٍ أو حدثٍ أو كلمة، ألوم شخصاً اقترن به ماضيّ وغدي. ولكن، حين رحلت أنت، للمرّة الأولى لم تُعدني ذاكرتي إليه. لا لأنّها أبقتني لديك، بل لأنّك أعدتني إلي. ربما لم أستطع أن أجعلك تحبّني، ولكنّني أحببت نفسي أكثر. أحببتها سعيدةً حين تراك، شقيةً حين تحادثك، ومجنونةً حين تفكر فيك.

ربما لم أحبّك، ولكنّني وللمرّة الأولى منذ سنين فرحت. وإن لم تطل فرحتي، ولكنّني أصبحت على يقين أنّ الفرح قادم والأمل باقٍ. ربما لن أتذكرك بعد اليوم، ولكنّني متأكدة أنّي نسيته وإلى الأبد.

تزعجني فكرة أنّنا كنّا سنكون سعيدين سوياً. يزعجني صوت تهشّم الآمال حين تقع على أرض الواقع. تزعجني ابتسامتي حين أرى صورةً لك. تؤلمني رسائلك الصوتية التي كنت أعود إليها بين الحين والآخر قبل أن أمحوها. ولكن، يسعدني أنني شفيت منه من دون أن أمرض بك. قصدت أن تكسرني ولكنّك عن طريق الصدفة جبّرت كسر قلبي.

اليوم، احتسيت قهوتي على الشرفة مستمتعةً بنسمات الصباح الباردة، وفيروز تغني «بيخطر عَ بالي إرجع أنا ويّاك». أعادني المشهد بسرعةٍ إلى أيامنا الأولى، إلى لائحةٍ سخيفة كتبت فيها أموراً كنّا لنفعلها سويّاً. ضحكت من غبائي وفرحت لأنّني أدركت أنّي بالقوة الكافية لأقوم بكل تلك الأشياء لوحدي. كانت لتكون ممتعة لو قمنا بها سوياً، ولكن لا بأس بها في بعدك.

أعلم أنّ كتاباتي لا تعنيك، وأنّك أكسل من أن تقرأ صفحة في جريدة، ولكنّني أردت إرسالها كموجة إيجابية ليتلقّفها من يشاء، علّها تعود إليّ حين أحتاج إليها. على رغم أنّك لا تستحق. ولكن، عليّ أن أقولها: شكراً سام!

آلاء ترشيشي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى