الذئب المنفرد كابوس يقضّ مضاجع الغرب؟!
د. تركي صقر
تكرّرت عمليات الإرهابي الفرد هنا وهناك، ولم تعد ظاهرة طارئة أو معزولة، بل أضحت هذه العمليات بعد تكرارها في أكثر من مكان في العالم نهجاً معتمداً وأسلوباً مفضلا ًلدى تنظيم «داعش» وهو ما بات يطلق عليه ظاهرة «الذئاب المنفردة»، التي غدت السلاح الأخطر بيد الجماعات المتطرفة، لنشر إرهابهم في أنحاء العالم، وجاءت عملية باريس التي قتل فيها ضابط شرطة فرنسي بالسلاح الأبيض وصديقته، بالتزامن مع العملية الإرهابية في مدينة أورلاندو الأميركية التي استهدفت ملهى للمثليين، لتسلط الأضواء مجددًا على هذه الظاهرة… فكيف نشأت هذه الظاهرة وما هي مخاطرها على استقرار دول العالم وأمنها، وخاصة في أوروبا وأميركا؟
إذا عدنا قليلاً إلى الوراء نجد أنّ مصطلح الذئاب المنفردة هو مصطلح «الجهاد الفردي»، ظهر للمرة الأولى في أحد فصول كتاب «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية» الذي كتبه أبو مصعب السوري بعد التحديات الأمنية التي واجهها تنظيم «القاعدة» في أعقاب أحداث 11 أيلول عام 2001 ، والذي ابتدع فكرة اللامركزية، بحيث يتحوّل التنظيم إلى فكرة عابرة للحدود، يعتنقها ويمارس متطلباتها مَن أعلن ولاءه للتنظيم، وينفذها منفردًا من دون تكليف من التنظيم في أيّ مكان من العالم، أيّ أنّ «الذئاب المنفردة» هم مجموعة من المتطرفين في دول لا تقع تحت سيطرة التنظيم الإرهابي ويستطيع هؤلاء باستخدام أدوات بدائية، تصنيع قنابل شديدة الإنفجار وتنفيذ عمليات قتل مخيفة، وأظهرت هجمات باريس وبروكسل واورلاندو وغيرها مدى خطورة هؤلاء وقدرتهم على زعزعة الأمن والاستقرار.
ومن اللافت أنّ «داعش» و«القاعدة» تشتركان في ممارسة أسلوب الهجمات الإرهابية الفردية، وإنّ الطرفين يتبنيان نظرية «الذئاب المنفردة»، ففي عام 2010 قدّمت مجلة «إنسباير» الإلكترونية الصادرة بالإنكليزية عن تنظيم «القاعدة» في اليمن، وصفة إرهابية بعنوان: «كيف تصنع قنبلة في مطبخ أمك»؟ لِحضّ المتعاطفين في الدول الغربية على تنفيذ هجمات فردية في بلادهم. ولم يختلف أسلوب «داعش» في هذا الإطار عن أسلوب عمل «القاعدة». حيث دعّا الناطق باسم التنظيم أبو محمد العدناني عام 2014، في تسجيل صوتي المتعاطفين مع التنظيم إلى قتل رعايا دول التحالف في أيّ مكان، باستخدام أيّ سلاح متاح، وهو ما يُمكّن من تنفيذ العملية من دون العودة إلى قادة التنظيم ومن دون الإنضمام إليه. كما استخدم زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي مصطلح «الذئاب المنفردة»، فى منتصف تشرين الثاني 2014 عندما دعّا إلى استهداف مواطنين في المملكة العربية السعودية على أساس طائفي، كما توعّدت «داعش» عبر مؤسسة «دابق» الإعلامية بحرب جديدة تحت عنوان «الذئاب المنفردة ـ جيش الدولة الإسلامية»، ضدّ ما وصفتهم بعبّاد الصليب في مواجهة حرب جديدة يكون عمادها «الذئب المنفرد».
لقد صار جلياً أنّ العمليات الفردية، وكأنها تنفذ عن بعد وبالريموت كونترول. حيث أنّ «الذئاب» هم أفراد يعتنقون الأفكار المتطرفة، ويقومون بالتخطيط لعمليات إرهابية بصورة مستقلة وبتخطيط وتمويل ذاتيّ خدمةً لأهداف التنظيم وفلسفته، وفي الغالب لا يتجاوز عدد هؤلاء في العملية الواحدة ثلاثة أفراد على أقصى حدّ، كما لا يوجد أيّ ارتباط عضوي ولا وسائل اتصال بينهم، لكنهم يتوحّدون خلف الفكرة كذلك لا يمكن توقّع سقف العمليات التي يمكن أن ينفذوها بدءاً من التفخيخ وإطلاق الرصاص وزرع العبوات الناسفة وصولاً إلى التفجير الانتحاري.
تؤكد مجلة «دابق» «الداعشية» أنّ التنظيم لم يعد يفرّق بين الدول الغربية العدو البعيد ، والدول العربية العدو القريب ، وبات يُكفّر حكام العالم دون استثناء، وأضحت لديه استراتيجية مختلفة في كلّ دولة له عناصر فيها، أو يسعى إلى تشكيل خلاياه من «الذئاب المنفردة» داخلها، ففي أميركا يعتمد على مخاطبة الجمهور الأميركي المضطهد، نتيجة العنصرية في بعض الولايات، واهتمّ بتوجيه خطابه إلى «السود» في أميركا، لتشكيل كيانات وخلايا عنقودية، إضافة إلى أنّ بريطانيا، على سبيل المثال، كانت حاضنة لقيادات السلفية الجهادية منذ السبعينات، إلى درجة أنّ المسؤولين الغربيين، أصبحوا يسمّونها «لندنستان»، لكثرة أعداد الشخصيات البارزة من السلفية الجهادية المقيمة في ضواحي لندن.
إنّ مخاوف الأوروبيين والأميركيين تتزايد إلى درجة الهلع جراء تشجيع «المتطرفين» على القيام بمثل هذه الأعمال المنفردة، بدلاً من العمل بشكل جماعي لتنفيذ خطة يكون كشفها أسهل لو تمّت جماعياً، لأنّ القبض على واحد فقط من المجموعة كفيل بكشف الجميع. ووصفت «واشنطن بوست» أسلوب «الذئاب المنفردة» بالكابوس الجديد على عواصم الغرب، بينما اعتبرت «دايلي تليغراف» البريطانية أنّ منع الذئاب المنفردة من ارتكاب أعمال إرهابية، يمثّل التحدّي الأكبر للأجهزة الأمنية في الغرب.
والأرجح أن تغدو الخلايا النائمة أو ما يسمّى بالتطرف الانفرادي هو الإرهاب المقبل؟ وأن تكون الذئاب المنفردة هي الوريثة الشرعية لـ«داعش» بعدما ورثت داعش نفسها «القاعدة» وطورّت إرهابها؟
يمكن القول خلاصة إنّ السحر انقلب على الساحر وانّ أميركا والغرب كله بدأوا يدفعون الفاتورة، وهي ثمن ما اقترفت أيدي حكامهم عندما تبنّوا سياسات دموية إجرامية ضدّ العراق وسورية وليبيا واليمن وفلسطين. وضدّ جميع شعوب المنطقة، والتي اتسمت بالنفاق والدجل، حيث زعموا أنهم يناصرون الثورة والثوار ويساعدون على إقامة نظم ديمقراطية في دول ما سمّي «الربيع العربي»، ليتبيّن لاحقاً حجم الأكاذيب والأضاليل التي كانت تخفي صفقات بيع الأسلحة بأرقام فلكية ورشاوى شخصية هائلة للحكام الغربيين، إضافة إلى تنفيذ خطط تدميرية وتفتيتية ممنهجة لصالح المشروع الصهيو أميركي في المنطقة، فهل تتعظ واشنطن وعواصم الغرب الأخرى، من سفك الدماء الذي انتقل إلى أراضيها بغزارة ودون انقطاع وتعيد النظر بسياستها الداعمة للإرهاب قبل أن تتفاقم ظاهرة الذئاب المنفردة، وتصبح أكثر رعباً وترويعاً وكابوساً يقضّ مضاجعهم ويسرق النوم من عيون أطفالهم؟!
tu.saqr gmail.com