متى سيشهد العالم نمواً متزايداً لدور المرأة ونيلها حقوقها السياسية كاملة؟
جودي يعقوب
كانت المرأة في سورية عبر العصور والحضارات جزءاً مباشراً أو غير مباشر في صناعة المجتمع السوري وفي تقدّمه على المستوى الروحي والحضاري، بل وحتى في صناعة الوجود البشري وتقدّم الإنسانية، فهي مربية الأجيال وصانعة الرجال، وهي الأم والأخت والزوجة والابنة، ولم يقتصر دورها عبر التاريخ على مساعدة الرجال فقط، بل استطعن أن يرتقين بالعلم والفنون والأدب وأن يَقُدْنَ شعوباً كبيرة وثورات وحروباً ضدّ المستعمرين والغُزاة.
ويعتبر الحزب السوري القومي الاجتماعي المرأة جزءاً من حركة المجتمع التغييرية وعنصراً ووسيلة أساسية للتنمية والنمو، وتقوم العقيدة السورية القومية الاجتماعية بإلغاء جميع أنواع التمييز العنصري أو الجنسي أو الطائفي أو العرقي، وتحرّر الإنسان في مجتمعنا من تعقيدات الماضي والتي يسمّيها سعاده الأمراض الاجتماعية، إذ إنّ العقيدة تقول بالتوازن ما بين أفراد المجتمع الواحد، والتفاعل ما بين الأفراد، فتجعل من الفرد مشاركاً ومنتجاً ومستدام التنمية ومتمكناً من التفاعل مع غيره ومع مجتمعه ومع أرضه، وتحرّر الرجل من عقدة التفوّق على المرأة التي كانت سائدة في المجتمع الشرقي، فلا تفوّق لجنس على آخر إلاّ من خلال كفاءته وعمله وما يقدّمه لوطنه.
ولكن اليوم وللأسف تواجه المرأة العديد من العقبات بسبب افتراض أنّ منزلة المرأة الاجتماعية الصحيحة يجب أن تكون في الميدان الخاص والمرتبط بالأسرة والمنزل فقط، في حين أنّ الميدان العام هو ميدان للقوة والخصام الخاص بالمجتمع الذكوري، وبسبب ربط المرأة بالميدان الخاص تقلصت قدرتها على دخول الساحة السياسية وأصبحت مشاركتها فيها محدودة.
وحتى إذا انتخبت المرأة يتمّ وصف هذه الحالة بأنها «المثابرة الناعمة» وتميل في أكثر الأحيان إلى تولي الوزارات والمناصب التي تشمل الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية ونادراً ما نجد النساء تحتلّ المناصب التنفيذية ذات سلطة اتخاذ القرارات في مجالات أكثر قوة، أو تلك التي ترتبط مع المفاهيم التقليدية للرجولة.
ويمكن أن يرجع ذلك إلى سبب تركيز وسائل الإعلام على حياة المرأة الرومانسية والتي تهتمّ بحياتها الخاصة أو اختيارها لأزيائها أكثر من مسؤولياتها العامة، ثم تبدأ مسألة الاستفسار على كيفية قدرتها على التوازن والتوفيق بين حياتها العملية ورعاية أطفالها، وهو الأمر الذي لا يسأل عنه السياسيون الذكور، لذا أصبحت اليوم مشاركة المرأة في الحياة السياسية الرسمية المعاصرة منخفضة في جميع أنحاء العالم.
ولكن مؤخراً بدأنا نشاهد هيلاري كلينتون التي كانت تقف خلف زوجها في حملته الرئاسية تتقدّمه اليوم، عندما سعت لأن تكون أول سيدة في التاريخ الأميركي الحديث وقرّرت اختراق مقعد احتكره الرجال لعشرات السنين، تدار من خلاله امبراطورية يمتدّ نفوذها في شتى أنحاء الأرض.
لقد كان تحدّياً هائلاً من السيدة كلينتون التي طافت أنحاء الولايات المتحدة لإقناع الأميركيين ببرنامجها الانتخابي، فلم تيأس، ولم تخفت روحها المقاتلة المثابرة، ولم تغيّر آراءها، ودافعت بحرارة عن برنامجها لتحسين الرعاية الصحية والتعليم ونظام التأمينات الاجتماعية والبيئة والاستقلال في مجال الطاقة.
واستطاعت أيضاً أن تصنع تاريخاً عندما خاضت انتخابات مجلس الشيوخ الأميركي في عام 2000، حيث أصبحت أول سيدة أولى سابقة تفوز بأحد أهمّ المناصب السياسية في البلاد، وأعيد انتخابها بفارق كبير لولاية ثانية في مجلس الشيوخ، حتى أصبحت بمبادرتها الشجاعة وجهودها الكبيرة قدوة لملايين النساء في الولايات المتحدة والعالم لتحطيم قيود العبودية والفوز بمكانتهن اللائقة في المجتمع في حلبة النضال والكفاح لبناء الأوطان والإنسان.
والعالم الغربي بالمجمل شهد مؤخراً نمواً متزايداً لدور المرأة ونيلها حقوقها السياسية كاملة مثل السيدة مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا والسيدة أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند والسيدة سيغولين رويال التي كانت المرشحة للرئاسة الفرنسية وأنجيلا ميركل المستشارة الألمانية، في الوقت الذي تجد فيه المرأة في معظم دول الشرق الأوسط والإسلامية خاصة، يُدفع بها إلى المزيد من التقوقع والتهميش بسبب التحريض السلفي والأفكار السلفية التي تزداد انتشارًا، بعد أن كانت تقود العالم وتخوض حروباً وتخضع دولاً بحالها.
فالحديث عن هيلاري لا يعني الاهتمام بنتائج الانتخابات الأميركية، فلا يهمّ هل سينجح المرشّح ترامب أو كلينتون أو أن يكون هناك شخص ثالث، لأنهم جميعاً متشابهون بالمبدأ، ولأنّ الرهان على أيّ رئيس أميركي هو رهان خاسر، لأنّ المشكلة مع السياسيين الأميركيين أنهم يقولون شيئاً قبل الانتخابات ويفعلون العكس بعدها، مثلما عوّدونا، ولأنّ الرهان يجب أن يكون على السياسات بالدرجة الأولى وليس على الأشخاص، ومثلما هو معروف أنّ هذه السياسات لا تخضع فقط للرئيس وإنما تخضع للمؤسسة ككلّ، وللوبيات الموجودة في الولايات المتحدة.
ولكن الذي يحزّ في القلب أنه و في الوقت الذي تتنافس فيه امرأة على رئاسة أقوى دولة في العالم نجد التعبئة الدينية التي تمارسها التيارات السياسية الدينية في بلادنا، والتي تلتقي معها الأفكار المحافظة الرجعية والتي تحث على سجن المرأة في قمقم الدين والعادات والتقاليد البالية، ومنعها من الخروج من منزلها ووضع سلسلة لا تنتهي من المحرمات أمامها، وتصويرها على أنها ليست أكثر من أداة لإشباع غرائز الرجال، وماكينة لإنجاب الأطفال، ونجد في الآخر من يسأل لماذا بلادنا ما زالت ترزح تحت هذا الكمّ الهائل من التخلف والتردّي والهوان، وهو يحجّم المجتمع بأكمله لأنّ المرأة بكيانها تشكل كلّ المجتمع.
فمنذ أسطورة عشتار مروراً بزنوبيا ملكة تدمر وماري واليسار وجوليا دومنا ومريم العذراء نرى من جديد تغيّراً جديداً لدور المرأة في بلادنا بعد أن شهدنا مؤخراً فوز د. هدية خلف عباس برئاسة مجلس الشعب السوري لتصبح أول امرأة تترأس البرلمان، وذلك لأول مرة منذ تشكيل البرلمان في تاريخ الكيان الشامي في عام 1919، حيث كانت المرأة الشامية قد حصلت على حقها في الانتخاب والترشح للمجالس التشريعية قبل معظم النساء في المجتمعات العربية وذلك عبر دستور عام 1953 كأول دستور سوري منح المرأة حق الانتخاب وحق الترشح للمجالس التشريعية مثلها مثل الرجل، وذلك بعد اجتياح الغزوات العربية وتفشي سياسة التعريب التي حجمت دور المرأة لتأخذنا معها إلى التخلف والرجعية بعد أن كانت قائدة ورئيسية.
فلا عزاء لنسائنا إلا إذا ألقين بكلّ ما من شأنه أن يرمز إلى تخلف وجهل وعبودية، وأن لا تنسى أنها مساوية للرجل وليست شبيهاً له، ولكن اختلافهما حق وعنصر إغناء للمجتمع، وينطلقن لمنافسة الرجال في بناء بلادهن والارتقاء بالمجتمع نحو الأفضل.