الجميل يفشل في إدارة حزب الكتائب؟

روزانا رمّال

لا تزال تتحكم بلبنان منذ ما بعد استقلاله عن الانتداب الفرنسي عام 43 قوى إقليمية ودولية إن كان على صعيد رئاسة الجمهورية او حكومة وحتى إدارة مفاصل البلاد التي خضعت لمتغيرات الشرق الأوسط بمستجداتها ومحاذيرها كافة حتى تكاد تغيب عنه القدرة على الاستقلال والتفرد في صناعة القرار منذ قرن من الزمن. فالوقوع تحت الحكم العثماني فالفرنسي وذيول الاحتلال «الإسرائيلي» بمفاعيل اختتام الحرب الأهلية فتح البلاد امام احتمالات الاصطفاف والتموضع بأشكاله كافة حتى الارتهان للخارج بكل ما يتعلق بمصيره وهو اليوم يقدم النموذج القادر على شرح الأزمة أكثر من أي وقت، فلبنان غير قادر على انتخاب رئيس للجمهورية بسبب الأزمة السورية التي جعلت منه إحدى نقاط الربح والخسارة بالمنطقة وهو بالمقابل غير قادر على إعادة تشكيل حكومة بحال انفرط عقد الحكومة الحالية التي تعتبر السبيل الوحيد للبنانيين.

تخطي هذه المعضلة وارتجال وهم قدرة على إثبات صحة خيار التفرد أو الانكباب نحو طموحات تغييرية من دون الأخذ بعين الاعتبار هذا التاريخ الواضح للعملية السياسية في البلاد، يشكلان اليوم مخاطرة بالوضع الأمني في البلاد قبل الرسمي، فالتوقيت الخاطئ قد يضعضع الكثير مما تم بناؤه بدقة وعناية لهذا البلد في السنوات الماضية لإبعاده عن محرقة المنطقة.

لم تستطع الأحزاب ايضاً التخلص من هذا الواقع ولم تستطع أيضاً النجاح في إقناع اللبنانيين بعدم ارتهانها للخارج مباشرة أو عبر تحالفات سياسية تأخذها نحو مواقف تمثل فريق إقليمياً أو دولياً واحداً داخل البلاد، بالتالي فإن اللبنانيين باتوا على موعد مع تساؤلات غداة أي قرار حزبي على مستوى وطني مثل «هل هذا قرار محلي أو إقليمي؟

وعليه إذا كانت أدنى خطوات ومواقف الأحزاب على المستوى الحكومي لم تفلح بإقناع اللبنانيين بتفرّدها واستقلاليتها، فكيف عساها تكون اليوم والشرق الأوسط الملتهب وضع حكومات لبنان ومعه الجوار أكثر من مرة بخطر حتى صار الهمّ هو حمايتها بالتي هي أحسن مثل حكومتي لبنان او العراق او غيرهما. فالهم الأساسي يرتكز عند نقطة تقسيم المنطقة بين النافذين الأكبرين روسيا والولايات المتحدة الاميركية قبل انسحاب الأخيرة من افغانستان ومعها المنطقة أواخر عام 2016 وحسم مصير سوريا والإرهاب الذي عبر المحيطات. وهنا فان لبنان برئاسته وحكومته غير حاضر على أجندة البحث الإقليمية والدولية حالياً، وقد ارتضى اللبنانيون هذه المعادلة منذ اندلاع الازمة السورية حتى ان تشكيل الحكومة كشراكة وطنية تم على مضض من قبل بعض الأطراف من اجل تسيير الاستحقاق معرفة بما يدور خارج الحدود، فتم تسهيل تشكيلها باجتماع الخصوم حزب الله وحلفائه مقابل المستقبل وحلفائه.

لم يتغير شيء في المنطقة ولم يتقدّم ملف لبنان قيد أنملة على طاولة البحث الدولية. كل شيء لا يزال معلقاً بانتظار معارك شمال سوريا ومصير مفاوضات اليمن بالكويت، فإذ برئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل يتقدّم بطرح تقديم استقالة وزرائه من الحكومة بمطالب محقة تكاد تكون غاية كل لبناني بغض النظر عن تفاصيلها وكيفية تطبيقها وإمكانية الجميل المساهمة في مكافحة الفساد من عدمه، وهو السبب الذي من المفترض أنه شارك بالحكومة لأجله.

ما الذي تغيّر حتى يتقدم الجميل اليوم بهذه المخاطرة غير القابلة للصرف في أي مكان عند اللبنانيين والقوى الإقليمية المعنية؟ كيف يتقدم الجميل نحو القرار من دون أخذه بعين الاعتبار مخاطر تأثيره على الحكومة واهتزازها أكثر مما هي عليه أصلاً في وقت لا تزال وحدها المؤسسة الشرعية الوحيدة القادرة على «تسيير ما تيسّر» من أعمال في البلاد بغياب رئيس للجمهورية؟

النائب الجميل مطالب بالمسؤولية إزاء وضع مقلق يحيط بلبنان لا يحتمل ان يقود على أساسه انتفاضة شعبية او شبابية كما يطمح، خصوصاً بعدما أثبتت تجربة الحراك الشعبي فشلها لناحية عدم التنظيم، فهل كان بوارد الجميل قيادة تحرك مشابه لكل بنات وشباب لبنان، كما يقول بخطة عابرة للوطن يستفيد منها بعد توحد الحزبين المسيحيين الأكبرين بوجه الكتائب؟

يلفت بهذا الإطار عدم ترحيب وزرائه بما أعلن، وهنا فإن أزمة واضحة تكشفت للرأي العام تجبر الجميل على اعادة حساباته ومراجعة إدارته للحزب الذي تسلم أمرته حديثاً، حيث كان من المفترض أن يثبت رؤيوية الشباب اللبناني الطامح للتغيير من موقعه بالسلطة، لكن العكس هو الذي يبرز فمع رفض الوزير رمزي جريج الفوري لطلب الاستقالة باعتبار أنه ليس عضواً في الكتائب برز رفض وزير العمل سجعان قزي لخطوة الجميل ودعوته لإعادة النظر في المسألة، معتبراً أنه باقي في عمله بشكل طبيعي.

كلام قزي يؤكد خفايا خلافات داخل كادرات حزب الكتائب من موقف الجميل، لكنه يؤشر إلى ما هو أكبر، فهو واحد من دلالات عدم وقوف الجميل عند رغبة أعضاء حزبه «فالتفرّد واضح والتنفيذ هو المطلوب».

مراجعة خيارات الجميل وامتعاض المقربين من والده والوقوف عند خياراتهم ورؤاهم قد تكون أكثر ما يحتاج إليه، لئلا يقدم نموذجاً فاشلاً لإدارة شاب يطمح للتغيير بدون الأخذ بعين الاعتبار أهمية قراءة التوازنات قبل أن تصبح الخطوات قنابل دخانية غير منتجة.

يستقيل الجميل من الحكومة بدون عناصر إقناع أخرى فيبقى بمجلس النواب الممدد له بدون وجه حق دستوري امام اللبنانيين فيخضع لاعتبارات إقليمية تحافظ على مجلس النواب ولا تحافظ على الحكومة!!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى