العلاقات الدولية ومعضلات التنوّع الحيوي وإشكالياته الأخلاقية
سلام الربضي
للتنوّع الحيوي فوائد قصوى، فاستمرارية الحياة الإنسانية على الأرض، مرهونة بديمومة الطبيعة، كما أنّ الموارد البيولوجية تُعتبر أحد الأصول الرأسمالية التي تحمل إمكانيات هائلة، قادرة على إدرار فوائد مستدامة.
ولكن مع ذلك يستمرّ التنوّع الحيوي العالمي في التبدّد. وبات حفظ التنوّع البيولوجي يشكل شاغلاً مشتركاً للبشرية. فالتغيّرات المناخية، أثرت بشكل أو بآخر في المنظومة البيئية الحيوية . وهذه الحقيقة، محلّ إدراك واتفاق جميع دول العالم نظرياً على أقل تقدير وهي الدول الموقعة على اتفاقية التنوّع الحيوي أو البيولوجيCBD . وهي اتفاقية دولية ملزمة قانونياً ولها غايات ثلاثة:
حفظ التنوّع البيولوجي.
الاستخدام المستدام للتنوّع البيولوجي.
التقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدام الموارد الجينية.
هذه الاتفاقية تؤكد على حق الدول السيادي في أن تستغلّ مواردها البيولوجية، طبقاً للسياسات البيئية الخاصة بها، إلى جانب مسؤووليتها عن حفظ التنوّع البيولوجي واسخدام الموارد، في إطار السياسات والاستراتيجيات التي تقود إلى مستقبل مستدام، والتي تشمل المستويات التالية:
النظم الإيكولوجية.
الأنواع والموارد الجينية.
التكنولوجيا الأحيائية.
وتغطي هذه الاتفاقية جميع المجالات المحتملة التي تتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر بالتنوّع البيولوجي، وتتراوح بين العلم والسياسة والاقتصاد والزراعة، والثقافة. ولكن كيف يمكن تنفيذ هذه الاتفاقية ذات الصبغة العلمية في سياق إشكالياتها المتعدّدة ذات الطابع الأخلاقي ومنها:
إشكالية انهيار فكرة المحميات الطبيعية خلال 100 سنة المقبلة .
إشكالية القرارات التي تتعلق بأيّ الأنواع التي يتعيّن حمايتها، وأيها تترك لمصيرها ؟
إشكالية حقوق الملكية الفكرية للمعلومات الجينية .
وأمام هذه الإشكاليات فإنّ المسألة البيئية، بحاجة لرؤية غير مسبوقة، تستلهم الفكر والقيم، من خلال الإضاءة على تبصّرات فلسفية سياسية عميقة، تنتجها قضية مصير ومستقبل البئية واللإنسانية . فالقضايا التي تعتبر بيئية كفقدان التنوع البيئي، وتدهور الأرض والمياه، وعمليات النزوح البيئي، يُعاد تجسيدها كمقاربة للحق في الحياة، مما يفتح المجال للتلاقي بين النظرية الإيكولوجية وفلسفة حقوق الإنسان، في إطار تكامل العلاقة بين القضايا البيئية والقضايا المتعلقة بالحقوق.
وهنالك تداخل في القضايا الفلسفية والسياسية، وعلينا تحليل الترميز الأخلاقي للضرر الناتج عن اختلاف فهمنا للعلاقة بين الأرض والإنسان، بوجهها الاجتماعي الثقافي من جهة، كما السياسي الحقوقي من جهة أخرى . إذ قد بلغ «تشييء البيئة» حداً لا يمكن تجاهله، وقد آن الأوان للتخلي عن المفهوم السياسي للدول، على أساس أنها كيانات سيادية مستقلة، تبحث عن مصالحها فقط. بل لا بد من، أن يتم مقاربة المسألة البيئية ببعدها السياسي الثقافي الأخلاقي المستدام .
وهذا يتيح بلورة رؤية لكيفية تضافر السياسات العالمية حول الحقوق الإيكولوجية. وفي هذا الجانب، لا بدّ من أن تكون هنالك مقاربة نظرية نسقية جديدة، تجعل من السيطرة على الموارد وإدارتها، أولى الخطوات الأساسية نحو تفعيل القضايا البيئية، المرتبطة بحقوق الإنسان على مستوى فلسفة أخلاق العلاقات الدولية؟ حيث إنّ الإخلال بالمنظومة البيئية الإنسانية الحقوقية ووقائعها والفشل في حوكمة إشكالياتها عالمياً، هو بالدرجة الأولى خلل قيمي في العلاقات الدولية؟
باحث ومؤلف في العلاقات الدولية ـ اسبانيا