اعتداء الملهى الليلي في ميزان الانتخابات الأميركية

طغت حادثة إطلاق النار داخل ملهى ليلي في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا على كافة النشاطات والاهتمامات الإعلامية والفكرية في الوسط السياسي الأميركي.

سيستعرض قسم التحليل تداعيات الحادث وانعكاساته على السباق الانتخابي بين المرشحين إضافة إلى حادث قرصنة أجهزة كمبيوتر رئيسة تعود للجنة الوطنية الديمقراطية.

يتميّز السباق الرئاسي الحالي بانقسامات أفقية وعمودية داخل الفريقين، تستعصي على الحلّ في المدى المنظور وما بروز قضايا ذات اهمية قصوى لبعض الفئات الاجتماعية إلا دليل إضافي على تنامي حالة الجدل دون توافق على النتائج إلى حين إجراء الانتخابات العامة، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

ليس من المستبعد تعرّض الولايات المتحدة إلى هجوم إرهابي، قبل الانتخابات، في ظلّ أجواء سياسية مشحونة ومنقسمة على بعضها، الأمر الذي قد يؤثر على نتائج الانتخابات بشكل رئيسي يتقدّم على الشأن الاقتصادي المعتاد.

تدهور استقرار الخليج

أعرب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية عن اعتقاده بأنّ منطقة الخليج العربي «كانت عرضة لحالة عدم استقرار منذ أمد بعيد»، وساهمت جملة عناصر وتطوّرات محلية وإقليمية ودولية في مفاقمة الأوضاع، منها «الغزو الأميركي للعراق عام 2003 الاضطرابات الواسعة في المنطقة منذ عام 2011 بروز تنظيم داعش على الساحة في أواخر عام 2013 حرب اليمن والانخفاض الحادّ في أسعار النفط». واستطرد بالقول انّ الدول العربية المتشاطئة «البحرين والكويت وعُمان وقطر والإمارات والسعودية.. تجمعها حالة متدنية إلى متوسطة من مخاطر» عدم الاستقرار. وأوضح انّ تقلص عوائد النفط «بنسبة 40 60 أضحى يترك تداعيات كبيرة على حالة الاقتصاد منذ عام 2014 فضلاً عن انعكاسات ذلك على القدرة الجمعية لمواجهة خطر الإرهاب والتطرف، وردع واحتواء التهديدات الصادرة من إيران».

https://www.csis.org/analysis/stability-and-instability-gulf-region-2016

وصف معهد كارنيغي الحالة العربية الراهنة بأنها «مختلة تبحث عن وضوح الرؤية»، بعد انقضاء خمس سنوات على الحراك الشعبي الواسع «وتبدّد التفاؤل» الأولي، بل عمّت «الفوضى» وتلاشت القدرة على التكهّن بعناصر المستقبل. بعد تمهيد المعهد لتلك المقدمة أشار إلى مبادرته بإصدار «كتاب الكتروني… يتناول الظروف الخاصة بكلّ دولة عربية على حدة، بعد العام 2011»، بمشاركة «شباب مواكبين للمستجدات.. لأجل تقديم أفكار فريدة ومتبصّرة عن مجموعة واسعة من التحديات والمسائل في عدد من الدول العربية».

في ما يخصّ تونس، يوضح المعهد انّ «ظلّ الدولة البوليسية لا زال يخيم» على المشهد العام وتوقه للانتقال إلى «نظام اكثر تعددية وديمقراطية». اما مصر فقد تحوّلت، بنظر المعهد» إلى «نموذج سياسي.. يتسبّب بإضعاف الدولة». في مستوى الصراع العربي الصهيوني، اعتبر المعهد انّ «هذا الصراع يفقد أهميته الإقليمية تقابله أهمية محلية أضيق، وأهمية دولية اوسع نطاقاً». في رؤيته لدول الخليج، اعتبر المعهد انّ «التهديدات الجديدة المحدقة بالمنطقة ساهمت في التقارب بين دول مجلس التعاون الخليجي». كما اعتبر المعهد انّ «الجزائر تقف عند مفترق طرق » بينما يعاني «المغرب من تخبّط الإصلاحات» الموعودة ويحاول الأردن «إرساء توازن بين الإصلاحات وإرساء الاستقرار».

http://carnegieendowment.org/sada/?fa=63791 mkt tok=eyJpIjoiWkdNd05XUXlZVFl6TkdaaCIsInQiOiJrQys4UHk4UlFLVUl5Uk1TRWtWZUdTVzJjV0J4OHVwb0xYeXowTVFMblwvTE9WNVVQM1BwNzVsRnF5UHJ5XC83Q1VodTY1T0VmZXcwY3pmUXkzT1VHQUIyS0ZPSXRQNXR2dFB0OEs5RDgzSWZNPSJ9

سورية

ملف اللاجئين السوريين كان محور اهتمام معهد بروكينغز حاثاً توظيف الجالية السورية في أميركا ومنظماتها المختلفة لتحمّل مسؤولياتها بتوفير الدعم المطلوب لاستقرار اللاجئين. واوضح انّ «تلك المنظمات لديها الكثير لتقدّمه بدلاً من مجرد المساهمة لسدّ الثغرات الناجمة عن الأداء الإغاثي. ولديها عمق حضاري ولغوي، وقدرات تقنية.. والقدرة على جمع وتسخير مبالغ التمويل الكبيرة في تقديم الإغاثة لأولئك الذين في حاجة ماسة لها». واضاف انّ تلك المنظمات تتميّز «بإدراكها العميق لاحتياجات اللاجئين السوريين.. يندر توفرها في أروقة الحكومة او الهيئات الدولية».

http://www.brookings.edu/blogs/markaz/posts/2016/06/13-syrian-american-organizations-mckenzie

في ما يتعلق بولادة أزمات اللاجئين بشكل عام، أوضح معهد بروكينغز انّ «القضاء على أزمة اللاجئين يستوجب وقف الأعمال الحربية واضطلاع المجتمع الدولي بمهمة إنهائها.. كما شهدنا في الحالات السابقة في البوسنة وكوسوفو ولبعض الوقت في العراق بكلّ أسف». وأضاف انّ الأمر يتوقف على توفر نية العزم لدى السياسيين وما تتطلبه من «تشخيص استراتيجية من شأنها إتاحة الفرصة للولايات المتحدة وحلفائها المساهمة في إنجاز تسوية لوقف الحرب الدائرة في سورية عبر التفاوض وكذلك الأمر في العراق وليبيا وربما في اليمن أيضاً». واستطرد بالقول انّ تجربة «الولايات المتحدة الفاشلة في كلّ من العراق وأفغانستان كانت نتيجة مباشرة لرفضها الثابت الالتفات إلى دروس تجارب الحروب السابقة.. ولسوء الحظ اننا مصمّمون على تكرار ذات الأخطاء في سورية، برفض اعتماد خطة عمل أثبت التاريخ أنها جديرة بالاهتمام والنجاح».

http://www.brookings.edu/blogs/order-from-chaos/posts/2016/06/14-syrian-civil-war-refugees-pollack

تونس

استعرض معهد بروكينغز الحوافز والإغراءات التي تدفع الشباب التونسي الانضمام «للجهاد»، معتبراً انّ الآمال المعقودة على ترسيخ مناخ «الديمقراطية والمشاركة السياسية» لم تؤتِ أُكلها، وهي الاستراتيجية الأميركية التي «روّجتها ادارة الرئيس جورج بوش الابن بعنوان أجندة الحرية». وأضاف انّ «الرؤية النظرية لتلك الاستراتيجية ستفضي جزئياً إلى نتائجها المرسومة على المدى الطويل. بيد انّ الحالة التونسية كانت عصية ولن تتحقق فيها الآمال الأولية في المدى المنظور». وأوضح انّ النشوة الشعبية التي رافقت سقوط «حكم الديكتاتور… رفعت سقف التوقعات، بيد انّ المؤسسات القائمة تعاني من وهن بنيوي شديد يحرمها من الاستجابة للمطالب الشعبية».

http://www.brookings.edu/blogs/markaz/posts/2016/06/14-why-jihadists-fight-hamid

إيران

انتقد معهد كارنيغي الفريق السياسي الأميركي المناهض للاتفاق النووي مع إيران، لا سيما في خطفه الأضواء وتسليطها على «نوايا وصدقية» إيران للامتثال لنصوص الاتفاقية المشتركة. وأوضح انّ «قليلاً من الجهد والاهتمام الإعلامي وفي الكونغرس خصّص لتوضيح إمكانية توفير الاتفاق المشترك فرصاً لتوطيد النظام الدولي بعدم انتشار الأسلحة». واردف انّ «الاتفاقية تشكل نموذجاً لنشاطات دورة الوقود النووي كي تتسق مع المتطلبات المدنية المطلوبة.. لتشغيل المفاعلات النووية للأغراض السلمية». واضاف انّ الجدل السياسي في واشنطن يتغاضى عن ميزات الاتفاقية المشتركة التي «تحدّ من حجم اليورانيوم المخصّب المتراكم»، نتيجة التفاعلات النووية، اذ في حالة إيران «سيستمرّ السقف عند حدود 300 كلغ لمدة 15 عاما». ونبّه الفريق السياسي الأميركي إلى اغتنام فرصة الاتفاقية المشتركة التي تضع الأسس «لقبول قيود توضع على نشاطات دول تنوي تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية».

http://carnegieendowment.org/2016/06/09/iran-deal-s-building-blocks-of-better-nuclear-order/j1nh

تركيا

تناول صندوق جيرمان مارشال الألماني حالة عدم الاستقرار السياسي «المتقلّبة» في تركيا التي عوّلت على «تبنّي النظام الرئاسي بديلاً عن النظام البرلماني كوصفة» للخروج من مأزق «التحالفات الحكومية غير المستقرة». وأوضح انّ «الحالة الراهنة للسياسة التركية أضحت عرضة لعدم الاستقرار نتيجة المضيّ في استبدال النظام البرلماني القائم بنظام رئاسي مهما بلغت الكلفة، مما أدّى بنا إلى وضع غير مستقرّ. اما النتائج المقبلة فمن العسير التكهّن بها» في ظلّ الاوضاع السائدة.

http://www.gmfus.org/publications/unstable-stability-stable-instability-turkeys-travails

وسلط معهد كارنيغي الأضواء على «تجدّد الحرب بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني»، جنباً إلى جنب مع الحرب في سورية. وأوضح انّ ما يقلق الحكومة التركية من صراعها مع الكرد هو «نشوبها في المدن.. بخلاف الفترة السابقة التي كانت تجري في الريف». واستدرك بالقول انه رغم الخسائر البشرية العالية بين الطرفين، فضلاً عن الخسائر المادية فإنّ «النزاع لم يبلغ بعد طريقاً مسدوداً يلحق الضرر بالجانبين… ودفعت ممارسات الحكومة في الإقصاء والتمييز ضدّ الكرد إلى التحاق عدد كبير منهم في صفوف حزب العمال ولا تلوح في الأفق فرص انحسار النزاع القائم». واضاف انّ الحكومة التركية «أظهرت تردّداً شديداً في محاربة «داعش» لجملة أسباب منها انّ الذين يتسلّمون مقاليد السلطة في أنقرة يعتبرون «أنّ داعش عضواً في الأسرة السنية الأوسع في الشرق الاوسط».. كما تعتبر الحكومة التركية انّ تنظيم داعش يحول دون تحقيق الأكراد السوريين الحكم الذاتي». وخلص بالقول انّ الرئيس أردوغان «يشنّ هجوماً شبه يومي على الولايات المتحدة… لعدم وفائها بوعودها اليه، كما يقول والمسألة الكردية في تركيا دخلت المرحلة الأكثر دموية»، ولا يوجد «ايّ أمل بالخروج من المأزق الراهن في المستقبل المنظور».

http://carnegieendowment.org/sada/?fa=63839 mkt tok=eyJpIjoiWkdNd05XUXlZVFl6TkdaaCIsInQiOiJrQys4UHk4UlFLVUl5Uk1TRWtWZUdTVzJjV0J4OHVwb0xYeXowTVFMblwvTE9WNVVQM1BwNzVsRnF5UHJ5XC83Q1VodTY1T0VmZXcwY3pmUXkzT1VHQUIyS0ZPSXRQNXR2dFB0OEs5RDgzSWZNPSJ9

انقلاب في الأولويات

درجت العادة ان يستقبل الأميركيون الفترة الفاصلة بين انتهاء الانتخابات التمهيدية وانعقاد مؤتمري الحزبين براحة معنوية تعينهم على تحمّل أعباء الصراعات القاسية المرئية، لحشد الطاقات والخبرات المطلوبة للاستجابة للاهتمامات الشعبية المتمثلة في حال الاقتصاد، بالدرجة الأولى. وجاءت حادثة إطلاق النار في فلوريدا لتعيد ترتيب الأولويات وفي صدارتها تهديد الإرهاب وتقييد حركة شراء الأسلحة وفرض قوانين وإجراءات جديدة على المهاجرين.

بيد انّ التطورات الانتخابية للسنة الحالية سارت باتجاه مغاير، وشهد الأسبوع المنصرم نشاطات فوق العادة للمرشحين. إذ برزت السيدة هيلاري كلينتون كمرشحة أقوى لنيل ترشيح الحزب الديمقراطي بعد تفوّقها في مراكمة عدد المندوبين قبل المؤتمر الحزبي، رافقها تقلبات بيانات استطلاعات الرأي مع دلالتها على التحاق ما تبقى من قيادات ديمقراطية بحملتها وإعلان التأييد لها.

في الطرف الآخر، تفوّق المرشح المحتمل دونالد ترامب على نفسه في استيلاد أعداء جدد بإطلاقه تصريحات معادية لقاضي محكمة فيدرالية، من أصول مكسيكية، مما أطلق سهام الانتقادات المتزايدة نحوه. بيد أنها لم تكن بالقدر او بالحدة المطلوبة لثنيه عن تصريحات سليط لسانه وكسب مزيد من الأعداء.

وما لبثت هيلاري كلينتون ان راكمت المزيد من الدعم عقب تلقيها تأييداً رسمياً من البيت الابيض، واستغلت الثغرات السياسية التي افتعلها ترامب لصالحها جماهيرياً.

وسرعان ما طغت حادثة إطلاق النار داخل ملهى ليلي في اورلاندو بولاية فلوريدا على الكمّ الأوسع من التغطية الاعلامية واهتمامات النخب السياسية والفكرية. وتسابقت الوسائل الإعلامية المتعدّدة لإبراز رابط غير موثق بين مطلق النار، عمر متين، وتنظيم «داعش»، فضلاً عن خلفيته الإسلامية، مما أدّى إلى ارتفاع طفيف في أسهم ترامب.

بيانات استطلاعات الرأي التي أجريت مباشرة بعد الحادثة أظهرت اصطفاف نسبة ضئيلة بزيادة لا تتجاوز 4 من الأميركيين وراء ترامب كمرشح مفضل لمعالجة تحديات مماثلة من الإرهاب داخل الأراضي الأميركية. وفي ذات السياق لا زالت الأغلبية النسبية من الأميركيين، 50 ، تعارض فرض قيود إضافية على اقتناء الأـسلحة والبنادق شبه الأوتوماتيكية.

لم يدخر ترامب جهداً لاستنهاض أعدائه ومحاولة الإيقاع بخصومه معتبراً ما جرى هو «تعرّض ملهى ليلي مليء بأناس أميركيين أبرياء جرى قتلهم بدم بارد». واضاف زاعماً انّ «الإرهابيين المسلمين وضعوا نصب أعينهم شنّ هجوم على مجمع ملاهي ديزني»، التي تقع في ذات المدينة. ومضى بالقول انّ «أميركيين يعشقون الحرية تمّ حصدهم بغبطة وسرور من قبل متطرف وإرهابي إسلامي مخلص تملأ الكراهية قلبه».

الساسة المسؤولون، وعلى رأسهم الرئيس أوباما والمرشحة هيلاري كلينتون فضلوا طريقاً مغايراً لاتهامات ترامب العشوائية، وتسليط الجهود مرة أخرى على مسألة وضع قيود على اقتناء السلاح وحرمان المتطرفين من شرائه.

شدّدت كلينتون على مفردات «الخطاب التحريضي ضدّ المسلمين والتهديد بحظر دخول عائلات بأكملها وأصدقاء لأميركيين مسلمين، وكذلك الأمر ضدّ ملايين المسلمين من أصحاب الأعمال والراغبين بالسياحة إلى بلدنا مما يلحق الضرر بالغالبية العظمى من المسلمين الذين يعشقون الحرية وينبذون الإرهاب».

وحذرت كلينتون المؤسسات الأميركية التي تسارع بتبنّي الخطاب الاقصائي بأنّ معدلات «جرائم الكراهية ضدّ المسلمين الأميركيين ومساجدهم تضاعفت ثلاث مرات منذ هجمات باريس وسان بيرنادينو. انه خطأ، كما أنه خطير ويصبّ في خدمة الإرهابيين».

الرئيس أوباما بدوره حافظ على هدوئه المعتاد وتبديد أوهام أخطار الإرهاب، عززته مقابلته الشهيرة مع مجلة «اتلانتيك» التي جاء فيها انّ الرئيس اوباما «لم يؤمن يوماً بأنّ الإرهاب يشكل خطراً على أميركا يتناسب وحالة الخوف المرافقة له». وأضافت الأسبوعية أنّ أوباما «يذكِّر مساعديه على الدوام بأنّ ضحايا الإرهاب في أميركا أقلّ كثيراً من حوادث اطلاق النار، وحوادث السيارات، واولئك الذين يتساقطون في حمامات بيوتهم».

توجه الرئيس أوباما مباشرة عقب حادثة أورلاندو يخاطب الأميركيين بأنّ الفاعل «متطرف محلي… ألهمه الخطاب الدعائي والمنحرف عن الإسلام الذي نراه متجسّداً على شبكة الانترنت». وحرص الرئيس أوباما على عدم الإيحاء بربط حادث إطلاق النار بتنظيم داعش.

انضمّ بعض قادة الحزب الجمهوري لتأييد خطاب الرئيس أوباما، ولو بتردّد، إذ قال رئيس مجلس النواب، بول رايان، إنه يشاطر الرئيس أوباما ما قاله، مضيفاً انه يعتقد بأنّ دونالد ترامب كان قاسياً أكثر من اللازم على المسلمين.

من المفارقة السياسية رؤية انضمام بعض الساسة عن الحزب الديمقراطي إلى ترامب وخطابه، أبرزهم كان العضو السابق في مجلس النواب بارني فرانك الذي تضامن مع ترامب من واقع حرصه على «سلامة المثليين»، الذين هو أحدهم. وأوضح قائلاً انّ الهجوم «يدلّ على مدى الكراهية الخبيثة في أوساط ذلك القطاع من الاسلام.. نعم نجد هنا عنصراً إسلامياً بوضوح للأسف، عنصر يتبع مدرسة فكرية محدّدة في الاسلام تشجّع على قتل الآخرين».

قولبة التصويت

في ظلّ المناخ المشحون والمنقسم في المشهد السياسي الأميركي، خاصة لمناهضة أعداد متزايدة للمرشح المحتمل دونالد ترامب. ويبرز السؤال للتعرّف على كنه تصويت الأميركيين يوم الحساب. تجدر الإشارة إلى انّ الغالبية المعتبرة من كلا الحزبين تمارس حقها بالتصويت لصالح الحزب السياسي بصرف النظر عن مرشحه او منافسه.

بيد انّ اتساع الهوة السياسية بين المسؤولين والناخبين في الموسم الراهن يؤشر ربما إلى نتيجة مغايرة تأخذ بعين الاعتبار عدداً من العناصر منها «الفوارق الحضارية» بين المناطق الأميركية المختلفة، والتي تعكس حقيقة تنوّع وتعدّد مكونات الشعب الأميركي، خاصة عند الأخذ بعامل الدين والتديّن بعين الاعتبار.

قياساً على ذلك، تندرج حادثة اورلاندو لكيفية تحكّمها بتوجهات الرأي العام. فريق سياسي يرى فيها نتاج سياسات رخوة لضبط اقتناء السلاح وما تؤدّي اليه من مشاعر الكراهية ضدّ مجموعات بعينها، سواء عرقية او دينية. الفريق الآخر المقابل رأى الحادثة بأنها نتيجة سياسات رسمية متسامحة مع هجرة المسلمين من دول الشرق الأوسط، وتجسيد لفشل سياسات التصدّي «للإرهاب الإسلامي المتطرف».

ما هو محلّ إجماع بين الأطراف المتعددة هو تفاقم الهوة بين الفريقين وعسر جسرها في ايّ وقت قريب، والعقبات الكبيرة التي ستعترض جهود المرشحين للرئاسة، كلينتون وترامب، والرئيس أوباما ايضاً لتقريب وجهات نظر الطرفين.

يمكن للمرء الاستنتاج بأنّ حظوظ تجسّد تغيّرات سياسية بعد الحادثة تبقى بعيدة المنال. فإدارة الرئيس أوباما لن تقدم على إدخال تعديلات جوهرية على سياستها في مكافحة الإرهاب، لا سيما أنّ الرئيس أوباما دأب على حث الأميركيين التزام الهدوء ومطالبة أعضاء الكونغرس بتشديد القيود على اقتناء السلاح.

تشديد القيود على اقتناء السلاح، مادّة ملازمة للخطاب السياسي وعند كلّ موسم انتخابي. لو افترضنا جدلاً انّ الكونغرس سيتحرك بهذا الاتجاه، والذي من شأنه الاصطدام المباشر مع أولياء نعمته من الشركات الكبرى، فإنّ الصيغة القانونية ستأتي مطاطة للتأكيد على الانحناء أمام عاصفة الأهالي المتضرّرين من حوادث إطلاق النار. اما في ظلّ الهجوم قيد البحث فإنّ المرجح تزايد أعداد الأميركيين المطالبين بحق اقتناء السلاح، كما تدلّ استطلاعات الرأي بثبات عليه إذ ارتفع معدّل شراء الأسلحة النارية بنحو ثلاثة أضعاف بعد حادثة إطلاق النار في مدرسة ساندي هوك الابتدائية، نهاية عام 2012.

أحد الاستطلاعات الحديثة جرى بإشراف شبكة ايه بي سي للتلفزة دلّ على معارضة كبيرة من الأميركيين لحظر الاتجار بالأسلحة، 53 مقابل 45 تؤيد الحظر. بينما بلغ حجم تأييد الحظر 80 من الأميركيين عام 1994. ودلّ استطلاع مماثل أجرته وكالة بلومبيرغ للأنباء فور حادثة اورلاندو إلى معارضة 50 من البالغين لفرض حظر على الأسلحة.

استقراء التوجهات المقبلة للناخبين الأميركيين تشير بوضوح إلى اولوية الحالة الاقتصادية، وبقاء مسألتي الإرهاب والحدّ من الهجرة كحجري رحى بين الفريقين، الديمقراطي والجمهوري، يتبادلان الاتهامات بشأنهما. خطاب ترامب العنصري لقي أصداء عند الناخبين الذين أعرب نحو 51 عن اعتقادهم بأنّ «التطرف الاسلامي» يشكل أكبر تهديد لمستقبل البلاد، 16 حزيران الحالي مما يعكس نجاح ترامب في تسخير الهجوم لخدمة خطابه السياسي. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى وقوع حوادث مماثلة، قبل موعد الانتخابات، سيعزز فرص ترامب في الفوز بصرف النظر عن أهليته وصلاحيته واتزانه لتبوء المنصب.

قرصنة أجهزة اللجنة الوطنية الديمقراطية

رافق إعلان نبأ القرصنة تحديد «الحكومة الروسية» بأنها الطرف الذي يقف وراء العمل، دون الحاجة لإثبات وإبراز الدلائل.

استطاع القراصنة الحصول على سجلات وبيانات لجنة الحزب الديمقراطي الخاصة بالمرشح دونالد ترامب، وفق مصادر اللجنة. ووصفت صحيفة «واشنطن بوست» حجم الضرر بأنّ القراصنة «نجحوا في اختراق منظومة اللجنة الالكترونية بالكامل واستطاعوا قراءة كافة المراسلات الالكترونية وغيرها».

واضافت الصحيفة نقلاً عن مسؤولين كبار في اللجنة الوطنية انّ «بعض عناصر القراصنة» كان لديهم تصريح بالعمل داخل شبكة اللجنة منذ نحو عام، وجرى طردهم جميعاً على الفور بعد الكشف عن القرصنة. واضافت انّ المسؤولين اكدوا لها بعدم تعرّض البيانات والتبرّعات المالية او بيانات خاصة للقرصنة، مما يعزز فرضية الاختراق بأنها تتبع أساليب التجسّس التقليدية وليست من صنع قراصنة بهدف الربح المالي فحسب.

يشار إلى تصريح أطلقه مدير مكتب الأمن القومي، جيمس كلابر، الشهر الماضي يحذر فيه من جهود قراصنة الكترونيين يستهدفون مرشحي الرئاسة لأسباب متعددة من ضمنها عملية تجسّس. وأضاف انّ الهجمات قد تتصاعد مع اشتداد وتيرة الحملة الانتخابية.

في الشق المعلوماتي، تصنّف مجموعة «كراودسترايك Crowdstrike» الأميركية من أبرز الشركات العاملة في مجال توفير «الأمن المعلوماتي والتهديدات الاستخبارية». وحدّدت الشركة مجموعتين مستقلتين من القراصنة الروس، «كوزي بير و فانسي بير كأبرز وأكفأ الخبراء في هذا المجال على الصعيد العالمي.

واوضحت يومية «كريستيان ساينس مونيتور»، 15 حزيران الحاري، ان كلتاهما دأبتا على جهود الاختراق والتجسّس «على القوات العسكرية الغربية وأهداف سياسية لعدة سنوات»، شملت أيضاً قطاعات الفضاء وشركات الأسلحة والطاقة، بيد انّ الأوساط الأميركية لم تدرجهما الا مؤخراً كذراعين للاستخبارات الروسية.

وقالت مجموعة «كراودسترايك» انّ «حرفية المجموعتين رائعة، وعملياتهما على صعيد الأمن لا يضاهيها أحد».

استشعرت اللجنة الوطنية الديمقراطية نشاطات «غير عادية» في نظم شبكاتها الالكترونية أواخر شهر نيسان الماضي وطلبت مساعدة «كراودسترايك» على الفور للحيلولة دون تمادي القراصنة في التجوّل داخل الشبكات.

يعزو بعض السياسيين اهتمام الاستخبارات الروسية بدونالد ترامب لحداثة دخوله الحلبة السياسية، واستباق الزمن لتعويض ما ينقصها من معلومات. بينما منافسته هيلاري كلينتون فيرجح أنها خضعت للدراسة والتقييم منذ عام 1992، على الأقلّ، وملفاتها معروفة وحديثة لدى الجانب الروسي.

ونقلت يومية «واشنطن بوست» عن المستشار السابق لمدير «سي أي آي»، روبرت ديتز، قوله انّ «الهدف من المعلومات الاستخبارية هو التعرّف بدقة على ميول الشخصية» المرصودة. وتشكل استثمارات ترامب الخارجية بعداً هاماً لتكوين صورة متكاملة حول طبيعته العملية وكيفية إدارته للعلاقات مع الدول الاجنبية، وربما الحصول على مؤشرات لسبر أغوار أسلوبه التفاوضي». وعليه، يضيف ديتز، فانّ توفر معلومات استخباراتية في هذا الشأن قد تستثمره روسيا في تحديد الثغرات التي ستمكنها المضيّ بمغامراتها الخارجية».

وشهد منتصف الاسبوع الماضي محاولات لتعكير صفو المياه، اذ تبرّع احد الأفراد بإعلان مسؤوليته عن القرصنة، مستخدما اسماً وهمياً، «غوسيفر 2.0» ووفر وثائق تخصّ بيانات المرشح ترامب، بلغ حجمها 237 صفحة، أهداها لمجموعة الكترونية معروفة «ذي سموكينغ غان». ووصف «غوسيفر» عملية القرصنة في رسالته للمجموعة بأنها كانت «ميسّرة وسهلة جدا».

وتضمّنت وثائق اللجنة الوطنية المشار اليها «قوائم المتبرّعين، مذكرات داخلية خاصة، وتقرير حول ترامب». وزعم «غوسيفر» انه رابط داخل نظم شبكة اللجنة لأكثر من عام، وأعلن مسؤوليته عن «تقديم آلاف الملفات ومراسلات البريد الالكتروني، برامج وخطط انتخابية، مخططات استراتيجية للحزب الديمقراطي ، خطط اعدّت للتصدّي للمنافسين، وتقارير وبيانات مالية… وتوفيرها لمجموعة «ويكيليكس».

مضمون تقرير ترامب، سالف الذكر، المؤرخ يوم 19 كانون الاول/ ديسمبر 2015، أتى على معلومات مفصلة وشاملة لأسلوبه المهني وثروته المالية وحياته الخاصة.

وجاء فيها «هناك مسألة واضحة في ما يتعلق بدونالد ترامب، ثمة شخص وحيد يأخذ مصلحته بعين الاعتبار ألا وهو شخصه الذاتي. ترامب مخلص لنفسه فقط، ولا يهمّه مصير العامل الأميركي، او الحزب الجمهوري، او زوجاته. وعليه لا يجد غضاضة في الكذب على الشعب الأميركي. باستطاعة ترامب التفوّه بأيّ شيء والإقدام على فعل ايّ شيء في سعيه لتأمين أغراضه دون أدنى اعتبار لأولئك الذين سيلحق بهم الضرر».

يشير التقرير إلى استناده لجهد بحثي طويل حول ترامب يعود لعدة سنوات، «انه جهد ضخم… التنقيب عن آلية عمل شخص لم يتسلّم منصباً عاماً طيلة حياته»، مما كان سيخضعه لسلسلة تقارير استقصائية وبحث في خلفيته وتاريخه.

جهود القرصنة تضمّنت التركيز على أجهزة البريد الالكتروني للجنة الوطنية، وما يعنيه ذلك من إمكانية تسريب بعض المراسلات الخاصة لعدد من قيادات الحزب، بمن فيهم المرشحة كلينتون.

في حال حالف الحظ كلينتون وفازت بالانتخابات، فانّ عدداً لا باس به من أصحاب المراسلات الالكترونية سيكون في صدارة قائمة المسؤولين في إدارتها المقبلة. مضمون المراسلات سيلقي الضوء على طبيعة تفكير وتوجّه المسؤولين القادمين، وربما الكشف عن نقاط الضعف الشخصية لديهم والتي باستطاعة الأجهزة الاستخبارية، الروسية وغيرها، استغلالها إلى أبعد حدّ للظفر بمكانة أقوى عند الرئيسة هيلاري كلينتون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى